
الرباط-عبد الحق العضيمي –
كشف كل من أحمد رضى شامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وآمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عن مجموعة من التحديات التي تواجه تعميم ورش الحماية الاجتماعية، ولا سيما نظام التأمين الإجباري عن المرض.
جاء ذلك خلال مداخلتهما في المنتدى البرلماني الدولي التاسع للعدالة الاجتماعية، الذي نظمه مجلس المستشارين بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أمس الإثنين تحت شعار “تعميم الحماية الاجتماعية في المغرب.. رؤية تنموية بمعايير دولية”.
وفي هذا السياق، قال شامي إنه “إذا كانت حصيلة تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض إيجابية بشكل عام إلى حد الآن، بالنظر إلى التقدم الملموس الذي تحقق على أرض الواقع، فإن هناك عددا من التحديات التي تقتضي الاِنْكبابَ عليها لضمانِ نجاح هذا الورش على النحو الأمثل”.
وبالأرقام، أبرز شامي أن أكثر من 8 ملايين مغربي ما زالوا خارج منظومة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، إما لعدم تسجيلهم في منظومة التأمين (تقريبا 5 ملايين)، أو لِوجودهم، حتى وإن كانوا مسجلين، في وضعية “الحقوق المغلقة” (3,5 مليون).
وكشف شامي أن نسبة المصاريف التي يتحملها المؤمَّنون مباشرة لا تزال مرتفعة، إذ تصل إلى 50 في المائة من إجمالي المصاريف الصحية، بينما توصي منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي بألا تتجاوز هذه النسبة 25 في المائة، مما يدفع بعض المؤمَّنين أحيانا إلى العدول عن طلب العلاجات الأساسية لأسباب مالية.
وتابع شامي أنه “رغم تسجيل توازن مالي في الأنظمة الخاصة بأجراء القطاع الخاص ونظام “أمو-تضامن” سنة 2023، فإن باقي الأنظمة ما زالت تُعاني، لأسبابٍ مختلفة، من عجز مالي تقني في تغطية الاشتراكات للتعويضات (172 في المائة بالنسبة لـ”أمو-العمال غير الأجراء”، و121 في بالنسبة لـ”أمو-القطاع العام”)، مما يُؤَثِّرُ على آجال تعويض المؤمَّنين وأداء المُستحقات لمُقدمي الخدمات الصحية”.
كما أشار شامي إلى أن معظم نفقات التأمين الصحي الإجباري الأساسي عن المرض تَتَّجهُ نحو مؤسسات العلاج والاستشفاء الخصوصية، حيث تتراوح النسبة بين 84 في المائة و97 في المائة بالنسبة للأجراء وغير الأجراء، مقابل 57 في المائة فقط بالنسبة لنظام “أمو-تضامن”، عازيا ذلك إلى ضعف العرض الصحي العمومي وعدم جاذبيته.
ولفت شامي أيضا إلى أن تكلفة ملف صحي واحد في القطاع الخاص تفوق نظيره في القطاع العام بخمسة أضعاف، بسبب غياب بروتوكولات علاجية ملزمة، مما يهدد الاستدامة المالية لمنظومة التأمين الصحي.
أما بالنسبة للدعم الاجتماعي المباشر، فقد أكد شامي أن الاستهداف الدقيق للمستفيدين والتحقق من صحة المعطيات المقدمة لا يزال يشكل تحديا ينبغي تجاوزه لضمان نجاح هذا البرنامج وتعزيز فعاليته.
وفيما يتعلق بنظام التقاعد، أكد أن “أنظمة التقاعد، رغم تفاوت أوضاعها، تواجه تحديات تتعلق بالتوازنات المالية والاستدامة، إلى جانب ضرورة ضمان الإنصاف بين مختلف الفئات، بما يمكنها من الصمود أمام التقلبات الاقتصادية والتحولات الاجتماعية، مع الحفاظ على المكتسبات وحقوق الأجيال القادمة”.
وشدد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على أهمية أخذ التحولات الديموغرافية المتسارعة في الاعتبار، والتي كشف عنها آخر إحصاء للسكان والسكنى، خاصة مع تنامي ظاهرة شيخوخة السكان.
وأضاف شامي أنه “مع تراجع معدلات الولادة (1.97 طفل لكل امرأة) وارتفاع متوسط العمر، يزداد الضغط على أنظمة التقاعد”، داعيا إلى تبني إصلاحات تراعي هذه التحولات لضمان توازنها المالي واستدامتها على المدى البعيد.
من جانبها، أكدت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن المغرب أحرز تقدما في ورش تعميم الحماية الاجتماعية، خاصة على مستوى ارتفاع عدد المستفيدين من مختلف البرامج. غير أنها أبرزت وجود مجموعة من التحديات التي تعيق التنفيذ الفعلي لهذا المشروع، وفق ما رصده المجلس من خلال المتابعة اليومية وتلقي الشكايات خلال السنوات الأربع الماضية.
وأشارت بوعياش إلى أن من بين هذه التحديات، الإشكالات المرتبطة بالتسجيل في السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، حيث أدى تأخر تسجيل بعض المواطنين إلى استبعادهم من برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، مما يستدعي تحسين استهداف المستفيدين بشكل أكثر دقة.
وفيما يخص الانتقال من نظام “راميد” إلى نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، كشفت رئيسة المجلس عن استمرار عدم استفادة بعض المواطنين من التغطية الصحية الإجبارية، بسبب عدم استكمال وثائقهم أو اضطرارهم إلى أداء جزء من المساهمة المفروضة. وأكدت على ضرورة إرساء مسطرة طعون تتيح لهؤلاء فرصة استكمال انخراطهم، بما يدعم تعميم التأمين الصحي الإجباري.
كما أبرزت بوعياش أن استدامة تمويل المشروع تظل تحديا رئيسيا، خاصة مع عجز عدد من الفئات السوسيو مهنية عن أداء مساهماتها للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ولفتت إلى أن استمرار هذا الوضع قد يؤثر على توازن المنظومة، داعية إلى التفكير في توسيع قاعدة المساهمين لضمان تمويل مستدام.
وفي سياق متصل، أشارت بوعيلش إلى أن التفاوتات المجالية تنعكس على مستوى خدمات الرعاية الصحية، حيث لا تزال العديد من المناطق القروية تواجه صعوبات كبيرة في الولوج إلى الحق في الصحة. كما أن ضعف البنيات الصحية العمومية يحرم فئات واسعة من المواطنين من التمتع الفعلي بالتغطية الصحية رغم تسجيلهم في النظام.
وأضافت أن بعض الفئات لا تزال غير مستفيدة من البرامج الاجتماعية بسبب الأمية، إلى جانب غياب التواصل المؤسساتي الكافي لتبسيط كيفية الولوج إلى مختلف الخدمات والمزايا التي تتيحها الحماية الاجتماعية.
كما تطرقت رئيسة المجلس إلى الصعوبات المالية الخاصة بنظام التقاعد، مشيرة إلى أهمية التفكير في كيفية الانتقال من نظام قائم على المساعدات الاجتماعية إلى نظام مساهماتي أكثر استدامة.
وفي هذا الإطار، دعت بوعياش إلى ضرورة استكمال مشروع الحماية الاجتماعية عبر إدماج الأركان الخمسة المتبقية، وتشديد ملاءمة الإطار القانوني الحالي مع المعايير الدولية، خاصة تلك الصادرة عن منظمة العمل الدولية. وشددت على أن إصلاح نظام الحماية الاجتماعية في المغرب يستوجب تعزيز الحكامة، وتحديث آليات الإدارة، وضمان تمويل مستدام، بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية وتمكين جميع المواطنين من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.