سياسةوطني

تقرير رسمي يحذر من تحول الاقتصاد غير المنظم إلى عامل لعدم الاستقرار ويقترح هذه الحلول

عبد الحق العضيمي

قال المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إن “الاقتصاد غير المنظم، بمعناه الواسع، يظل ظاهرة مستعصية في المنظومة الاقتصادية المغربية، ومصدرَ قلق”، منبها إلى أن هذا النوع من الاقتصاد الذي يصل حجمه إلى نحو 29 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، حسب معطيات بنك المغرب لسنة 2018، يؤدي إلى إبطاء وتيرة التحول الهيكلي للاقتصاد، وذلك بالنظر لإنتاجيته الضعيفة.

وأفاد المجلس ضمن رأي أعده في إطار إحالة ذاتية، حول موضوع “الاقتصاد غير المنظم بالمغرب”، والذي قدمت خلاصاته في يوم دراسي نظمه مجلس المستشارين، أول أمس (الاثنين)، بأن ما بين 60 و80 في المائة من الساكنة النشيطة المشتغلة بالمغرب تزاول أنشطة تندرج ضمن الاقتصاد غير المنظم.

واعتبر المجلس، أنه باستثناء الاقتصاد غير المنظم المعيشي، تشكل أشكال الاقتصاد غير المنظم “تهديدا حقيقيا للمغرب، من قبيل التهريب والأنشطة الاقتصادية المستترة التي تمارسها مقاولات مهيكلة (التصريح الناقص برقم المعاملات وبعدد الأجراء) بالإضافة إلى الوحدات الإنتاجية غير المنظمة المنافسة للقطاع المنظم، والتي تتملص عمدا من التزاماتها الاجتماعية والضريبية رغم توفرها على الموارد اللازمة لذلك.

وتمكن الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة شرائح واسعة من الساكنة، وفق رأي المجلس، من إيجاد مصدر للعيْش والهروب من البطالة، “غير أنها تعمق في الوقت نفسه الهشاشة في سوق الشغل، وتمارس منافسة غير مشروعة للمقاولات المنظمة وتلحق الضرر بالاقتصاد الوطني، إذ تُضَيع على الدولة مداخيل ضريبية مهمة”، يؤكد الرأي.

وتابع المجلس، أنه “في ظل غياب ما يكفي من البدائل الناجعة، نشأ نوع من التغاضي عن أنشطة الاقتصاد غير المنظم، توخيا لسلم اجتماعي يظل هشا رغم ذلك، وهو ما لا يتماشى وإعمال فعلية سيادة القانون”، مشددا على أن الوقت حان للتعجيل بوضع التدابير الكفيلة بتفادي تحول القطاع غير المنظم إلى عامل لعدم الاستقرار على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية”. 

ونبه إلى أن “التغاضي” عن هذه الظاهرة، يخلق منظومة اقتصادية شديدة الهشاشة، وزاد أن “التغاضي عن الأنشطة غير المنظمة، وكذا الإشكاليات المطروحة على مستوى فعلية القانون، يؤدي إلى استمرار الاقتصاد غير المنظم، ويسمح لوحدات إنتاجية غير منظمة وكذا لمقاولات مهيكلة تمارس أنشطة مستترة أو غير مشروعة، بجني الأرباح بكيفية غير مشروعة مع استغلال يد عاملة ذات وضعية هشة وتشغيلها خارج نطاق القانون، والتهرب من أداء أي التزام والقيام بمنافسة غير شريفة للمقاولات العاملة في القطاع المنظم”.

كما أشار المجلس إلى أن الاقتصاد غير المنظم يضيع على ميزانية الدولة، موارد مهمة، مما يضعف قدراتها في تمويل عرض الخدمات العمومية، موضحا أن الموارد التي تضيع على الدولة بسبب هذه الوضعية تقدر بنحو 40 مليار درهم سنة 2014 .

هذا، ودعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى وضع استراتيجية مندمجة وواقعية تهدف مرحليا إلى الحد من حجم الاقتصاد غير المنظم بالمغرب، موردا أن تنزيل هذه الاستراتيجية ينبغي أن يمكن من تقليص حصة الشغل غير المنظم تدريجيا إلى 20 في المائة من إجمالي مناصب الشغل، وهي نسبة قريبة من المتوسط المسجل لدى مجموعة البلدان المتقدمة.

ويرى المجلس أن هذه النسبة المنشودة ينبغي أن تشمل بالأخص الأنشطة المعيشية وكذا الوحدات الإنتاجية غير المنظمة ذات القدرات المحدودة، في حين يجب اعتماد توجه أكثر صرامة يروم القضاء على الأنشطة غير المشروعة والمستترة وعلى ممارسات الوحدات الإنتاجية غير المنظمة المنافسة للقطاع المنظم.

وفي هذا الصدد، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي جملة من التوصيات، منها وضع قواعد مرجعية حسب كل قطاع ومنطقة، بما يسمح بتوفير إطار موضوعي لتقدير ومراقبة نشاط المقاولات والإحصائيات المرتبطة به؛ وإزالة الحواجز التشريعية والتنظيمية والإدارية ذات الصلة، من خلال مراجعة النصوص القانونية المتقادمة أو التي تبين عدم إمكانية تطبيقها، وكذا تحسين وضع “المقاول الذاتي” من خلال رفع العتبة القصوى لرقم المعاملات السنوي التي يمكن أن يصلها المقاول الذاتي وتخويله إمكانية تشغيل اثنين أو ثلاثة أجراء كحد أقصى.

كما اقترح المجلس في رأيه، دعم إحداث جمعيات للمهن والحرف المزاوَلة في الاقتصاد غير المنظم، مع تشجيع تلك الجمعيات على الانتظام في إطار فيدراليات قطاعية، وذلك للنهوض بتمثيلية المهنيين العاملين في القطاع غير المنظم وتيسير عملية هيكلتهم.

ودعا المجلس أيضا إلى إحداث مناطق أنشطة اقتصادية ومناطق صناعية تضم أماكن للإنتاج معروضة للكراء، مع الحرص على أن تكون مساحتها وسومتها الكرائية ملائمة لحاجيات الوحدات الإنتاجية الصغيرة جدا؛ فضلا عن ملاءمة وتنويع وتيسير وسائل التمويل، لا سيما من خلال توسيع نطاق أهداف صندوق محمد السادس للاستثمار، لتشمل مسلسل إدماج الاقتصاد غير المنظم، واقتراح عروض تمويلية بشروط أكثر تفضيلية لفائدة الشباب والنساء الراغبين في الانتقال إلى القطاع المنظم.

 المجلس اقترح أيضا إحداث بورصة للمناولة المشتركة من أجل تشجيع المقاولين الذاتيين والمقاولات الصغيرة جدا على تقديم ترشيحات مشتركة للولوج إلى الصفقات العمومية، والتمييز على مستوى الإطار التنظيمي للصفقات العمومية، بين الحد الأدنى من حصة الطلبيات المخصصة للمقاولين الذاتيين والتعاونيات، وبين تلك المخولة للمقاولات الصغرى والمتوسطة.

ودعت المؤسسة الدستورية، التي يترأسها أحمد رضا الشامي، إلى إعادة النظر في آلية “المساهمة المهنية الموحدة” والواجبات التكميلية التي تسمح بالولوج إلى منظومة الحماية الاجتماعية، وذلك بما يمكن من ملاءمة مبلغ المساهمة مع القدرات المالية لكل شخص. وشددت على تعزيز المراقبة والتفتيش على مختلف المستويات (مفتشية الشغل، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مراقبة المطابقة التقنية) مع الحرص على أن تكون العقوبات رادعة بالقدر الكافي ومتناسبة مع مستوى خطورة المخالفة.

ويرى المجلس أن التنزيل الفعلي للاستراتيجية المندمجة للحد من حجم الاقتصاد غير المنظم تقتضي إحداث لجنة للتتبع والتقييم تأخذ شكل “وحدة للتنفيذ”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق