الصيام والإفطار على المغرب

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس –
لا خبر في الجزائر في الأسبوع الأول من شهر رمضان إلا عن خراب المغرب، وتتبع الوضع المنهار لمعنوياته وسقوط رموزه وقيادته، واندحار جيشه وتفككه، وخروج شعبه الذي عضه الجوع والخصاص والندرة إلى الشوارع في انتفاضات مزعومة، خصوصا وأن آثار قطع الغاز الجزائري بدأت تعطي مفعولها في المصانع المتوقفة، وفي عجلات السيارات والشاحنات التي استسلمت لقدرها في النوم والركن بجنبات الطرق والشوارع، وفي البرد القاتل الذي يوقد له الحطب بديل الغاز الجزائري المقطوع والممنوع، وفي الإنارة المعطلة والأضواء المطفأة والكهرباء المفقودة التي بشرت العصابة الحاكمة في الجزائر شعبها، قبل أشهر، بقطع آخر تيار عنها، متجه إلى المغرب في يوم معلوم احتفل به مغفلون من الشعب الجزائري، والحال أن لا كهرباء تصل إلى المغرب من الجزائر، وإنما هي القوة الضاربة في الدعاية والاختلاق، والافتراء والتضليل، وصناعة المكرمات الوهمية والبطولات المزعومة… وهلم جرا من الأخبار الموضوعة والمصنوعة في الغرف المظلمة للعالم الآخر بجوارنا، والتي تحكي عن أماني ومتمنيات الجيران لنا بمناسبة شهر رمضان، لا عن واقع الحال الذي يعيشه المغرب والمغاربة بكل الزخم الديموقراطي والتنموي والنهضوي غير المحكوم بأماني لا حقيقة ولا تحقق لها، وبدعوات العصابة الحاكمة في الجزائر على المغرب بالخراب، وادعاءاتها ببداية حصاد نتائج عقوبات شديدة لا أثر لها، وإنما المحكوم بأرقام الازدهار المضطرد، وبالمنجز من البنيات التحتية الكبرى، وبكم هائل من الاستقطابات للمشاريع الاستراتيجية الهامة، وبتهافت منقطع النظير للاستثمارات الدولية الوازنة من أجل المشاركة في التمويل والدعم والمواكبة والانخراط في أوراش ناجحة وواعدة بمكتسبات وبأرباح تعم الجميع.
يجري هذا المشهد المغربي المتقدم والوازن والمعتبر في المنطقة؛ في التجارة والصناعة والفلاحة والبناء والتعمير وتشييد المدن والمعالم، في الوقت الذي تنفخ فيه العصابة وتنفث زيف أخبارها وفسوقها ودعاياتها في إعلامها الرسمي عن مغرب انتهت دولته، وتوقفت مسيرته، وتبخرت مبادراته، وتوفي شعبه وفقدت قيادته، إلى درجة السؤال المحموم، والبحث المزعوم والتفتيش المهموم عن ملك البلاد، الذي لم يغب يوما عن الفعل في مجرى التاريخ المغربي الحديث والناهض، والذي يجده شعبه بجانبه في المَنشط والمَكره، وفي أقصى درجات الحضور والقيام بمهامه في الحكم بكفاءة قيادية عالية، وبطمأنينة وسكينة والتزام وتوجه دينامي متصاعد نحو المستقبل، وفي الوقت الذي نجد فيه العالم كله من الصين إلى أمريكا ومن أقصى شمال أوروبا إلى جنوب آسيا وإفريقيا يحج إلى هذا المغرب سائحا، أو مستثمرا، أو موقعا لشراكة، أو ملتمسا نصيحة، أو باحثا عن فرص للانخراط في مبادرات للسلام أو في مخططات للتنمية أو مشاورات لمكافحة الإرهاب والهجرة السرية والجريمة المنظمة، أو التعاون الأمني، أو تنظيم تظاهرات عالمية كبرى في الرياضة والثقافة والمال والأعمال…
وحدها دولة العصابة التي لا يصدقها أحد تقبع في زاوية ردود الأفعال والعربدة والتمرغ في التراب، والصراخ من شدة ألم العزلة والتجاهل، وتشير بإصبعها إلى المغرب الذي جعلته مسلسلا رمضانيا تراجيديا لإلهاء الشعب ومواساته في طوابير الحليب والزيت والدقيق والعدس الممتدة على طول التراب الجزائري المعمور والمسكون.
ولكل من سأل عنا، من جيراننا أو ممن تأثروا بالدعاية الكاذبة الخاطئة عن سوء أحوالنا، ممن يتوقعون الشر أو الخير، نقول نحن في المغرب بخير، ماضون على المحجة البيضاء لا يضرنا من عادانا ولا نضمر إلا الخير للجميع، ونتوقع أن نجنيه ببركة رمضان الذي صفدت فيه الشياطين التي تطلق العصابة أشباحها علينا وتتحرك في هذا الشهر الروحي الفضيل في بقاع العالم مصعدة وبأقصى درجات الخبث والخديعة والتضليل والتجهيل لإفساد قربات وعبادات هذا الشهر الكريم وروحانيته العالية، ستتحرك شياطين العصابة في الشر المستطير، ثم ستنقلب عليها هذه الحركات المعاكسة لمجرى التاريخ، وستكون وبالا عليها إلى يوم الدين، لا تضر العاملين والمخلصين من شعبنا في شيء، ولا تغرهم أو تجرهم إلى الاستفزاز والابتزاز الذي نصبته شراكا ومصيدة ليس للمغرب فحسب، الذي خبرها وعاملها بما تستحق من تجاهل وتجنب وعزل، وإنما لكل الدول التي تشكو من سوء تدبير العصابة لعلاقاتها الدولية معها ومن انحرافاتها في المعاملة واحترام سيادات الدول، سواء من دول الجوار الإفريقي أو الأوروبي، التي تستهدفها العصابة بمؤامراتها واستفزازاتها والكذب عليها، جراء الهوس المرضي بالمغرب، إلى درجة صيام رمضان وقيامه بالحديث عن المغرب وذكره في القيام والقعود والتحرك حيثما اتجه لمعاكسته وإعلان الحرب على أصدقائه وشركائه، وثنيهم بكل ما تملكه العصابة من إغراءات مالية وموارد طبيعية ومناورات واستفزازات عن الانخراط في مشاريعه التنموية والوحدوية والحقوقية التي تعم بها الفائدة عشرات الدول والشعوب إقليميا وقاريا ودوليا. وعلى رأس هذه الشراكات والصداقات المغربية الاستراتيجية والمتينة، ما تحركت لها الآلة الديبلوماسية العدوانية للعصابة الجزائرية بكثافة وبسموم نفاثة خلال شهر رمضان الكريم بالخير العميم، في الولايات المتحدة الأمريكية التي قدم لها المدعو بوقادوم سفير دولة العصابة بهذا البلد الشريك كل الجزائر بثرواتها الطبيعية على طبق من ذهب، فقط من أجل مقابل رخيصة لا علاقة له بمصالح الشعب الجزائري، وهو وقف التيار الجارف للاعتراف بمغربية الصحراء، وحماية ميليشيات بوليساريو، وقطع الطريق على استكمال الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بفتح قنصلية لها بالأقاليم الصحراوية المغربية، وإدراج بوليساريو في قائمة الإرهاب وترتيب عقوبات على داعميه ومسلحيه وعرابيه.
بالحرف يقول سفير العصابة المفلسة في تصريح إعلامي له خلال اليومين الفارطين يغازل ترامب بغباء وبلادة، ويغريه بالمعادن الجزائرية الثمينة في استغلال خبيث لسياق رغبته في معادن أوكرانيا: “إن الجزائر مستعدة للتحدث مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن مواردها الطبيعية الوفيرة والمعادن الحيوية التي تحظى بطلب عالمي…” وزاد في الانبطاح بالإشارة إلى نوع هذا التحدث وهو عرض هذه الثروات المعدنية بأقل من أسعارها المرجعية بل حتى بما يشبه تفويت استغلالها لترامب.
فشل حتى في الإغراء والغواية والاستمالة والاستدراج بكل هذه المغريات والإغراءات التي تنزل بالدولة الجزائرية إلى حضيض الانحطاط والبؤس في مقايضة القضايا المصيرية للجزائر، بما فيها ثرواتها الطبيعية، بموقف انقلابي للإدارة الأمريكية على صداقتها وشراكتها مع المغرب، وعلى اعترافها بمغربية الصحراء. خلاصة صيام العصابة وقيامها وإفطارها وعبادتها خلال الشهر الفضيل لهذا العام، هو جعل المغرب في قبلتها والتوجه إليه بكل صلواتها، ومراقبة هلاله، والإكثار من ذكره، ومزاحمة الدول في صداقته، والاستعداد في آخر المطاف لرهن الجزائر بل بيعها بغازها ومعادنها وكل ثرواتها الطبيعية، وحيث لا ثروة أخرى غيرها، في صفقات خاسرة للانتقام من عقدة اسمها المغرب.