الخطاب الملكي في افتتاح البرلمان.. برنامج استراتيجي من أجل مستقبل أفضل
الدكتور حسن عبيابة
جاء خطاب جلالة الملك بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية الحادية عشرة، بالعديد من المضامين والتوجيهات الهامة، ويبدو من الخطاب الملكي أنه وضع للحكومة برنامجا مدققا يحدد فيه خارطة الطريق لتنزيل 30%، من النموذج التنموي الجديد في أفق 2035، وإذا كانت الأحزاب المشاركة الثلاث قد ركزت في برامجها الانتخابية على أهداف محددة ومرقمة في التوقيت، قد يصعب تحقيقها على المدى القريب، فإن الخطاب الملكي قد ركز على الولاية القادمة كاملة، وما بعدها في بعد استراتيجي لمستقبل أفضل للجميع، وبتحليل عميق لهندسة الخطاب الملكي السامي، ومضامينه المتعددة يمكن ذكر هنا الجزء الخاص بتحديد مهام الحكومة المقبلة في ما يلي:
– التنزيل الفعلي التدريجي للنموذج التنموي عن طريق “الميثاق الوطني من أجل التنمية”، باعتباره إلتزاما وطنيا أمام جلالة الملك وأمام المغاربة،
– إطلاق مجموعة متكاملة، من المشاريع والإصلاحات من الجيل الجديد، يمكن تنفيذها في الولاية الحكومية، مع استحضار أن النموذج التنموي ليس مخططا للتنمية، بمفهومه التقليدي الجامد، وإنما هو إطار عام للتفكير، يضع ضوابط جديدة لسياسة المشاريع الهادفة والقابلة للتنفيذ حسب التوقيت المطلوب،
– الحكومة الجديدة مسؤولة عن وضع الأولويات والمشاريع، خلال ولايتها، ومعروف أن الأولويات متفق عليها، والمطلوب من الحكومة تعبئة الوسائل الضرورية لتمويلها، في إطار تنزيل النموذج، وهنا تأتي مسؤولية الحكومة في إيجاد التمويل المطلوب الذي هو الأساس لأي إصلاح ولتنزيل أي مشروع،
– مطالبة الحكومة أيضا، باستكمال المشاريع الكبرى، التي تم إطلاقها وفي وقت أسرع مناسب لكسب ثقة المواطنين، وفي مقدمة هذه الأولويات تعميم الحماية الاجتماعية، والصحة والتعليم، وجلب الاستثمارات وتحقيق نمو سريع لا يقل عن 5,5%، ويجب أن يصل إلى 6%، لتحقيق الأهداف المسطرة للولاية الحكومية،
– تنفيذ إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية التي يجب أن تلعب هي الأخرى دورا مهما في تنزيل النموذج التنموي الجديد، والجرأة في تطبيق الإصلاح الضريبي لتقوية المداخل العمومية، وإيجاد ميثاق جديد ومحفز للاستثمار، كل هذه الإصلاحات لها الصفة الاستعجالية،
– الدعوة إلى إصلاح عميق للمندوبية السامية للتخطيط بتحويلها من مؤسسة تقوم فقط بتقديم نشرات إخبارية رقمية جافة، غالبا ما تثير جدلا، إلى مؤسسة استراتيجية تنسق وتشرف على جميع المؤسسات، وتكون هي المرجعية الرسمية لكل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وتراقب المؤشرات وفق منظومة جديدة تواكب عملية تنزيل النموذج التنموي الجديد، كما تقوم به مؤسسات مشابهة لها في الدول المتقدمة،
– ضرورة تعامل الحكومة مع البرلمان، أغلبية ومعارضة، ومع جميع المؤسسات والقوى الوطنية، ويقصد هنا التعامل مع المجتمع المدني على إنجاح هذه المرحلة، من خلال التحلي بروح المبادرة، والالتزام المسؤول بين جميع الأطراف…
أعتقد أن الخطاب الملكي السامي كان معظمه اقتصاديا، لأن هذا يجسد بأن المغرب انخرط فعليا في مرحلة تنزيل النموذج التنموي الجديد، فعلى الحكومة وضع برنامج في مستوى المرحلة، لأنه سيكون مقدمة للحكومة في إعطاء برنامجها الطموح الذي ينتظره المغاربة، ونحن لنا أمل كبير في هذه الحكومة بما تزخر به من كفاءات متنوعة في الخبرة والتجديد في أن تنجز ما وعدت به وتنزل توجيهات جلالة الملك عمليا، لأن المغرب في حاجة لحكومة ناجحة للتغلب على تحديات المرحلة داخليا وخارجيا.