الحضور المغربي في البريكس
بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //
سقط نظام جنوب إفريقيا سقطة ديبلوماسية وتنظيمية مدوية أمام أنظار العالم، في محاولة منه لجر مجموعة البريكس الاقتصادية التي تعقد غدا قمتها في جوهانسبورغ ببلد هذا النظام، إلى فخاخ منصوبة وانزلاقات وانحرافات مفضوحة لا علاقة لها بمصالح ومشاريع وبرامج هذه المجموعة في التعاون والتنسيق التنموي بين الدول أعضائها.
ففي الوقت الذي تتقدم فيه الدول الأربع الأخرى في منظمة البريكس بورقات عمل لتوسيع إطار اشتغالها المشروع على ملفات التبادل الاقتصادي والمالي بين قواها العاملة ومؤسساتها الإنتاجية والمالية وخلق تكتل دولي تنافسي قادر على مواجهة إشكالات تنموية ومالية كبرى، والسعي لاستقطاب دول للانضمام لهذا الإطار التنسيقي الاقتصادي وتوحيد منظورها بشأن خلق قطب دولي جديد وازن يتجاوز الأحادية القطبية المهيمنة على الأسواق التجارية والمالية الدولية، نجد أن نظام دولة جنوب إفريقيا العضو الخامس في مجموعة البريكس ينزل بهذه المجموعة إلى الحضيض الديبلوماسي والسياسي بالزج بها في مناورات واستفزازات رخيصة لا تخدم مصالح المجموعة ولا شراكاتها وعلاقاتها مع دول صديقة.
كانت أول البداية في هذا المنزلق الخطير هو استلام جنوب إفريقيا في حد ذاتها لرئاسة القمة الجديدة ولشرف تنظيمها، وسعيها في هذا التشريف والتكليف إلى إخضاع برنامج القمة لخدمة أجندة النظام الحاكم في جنوب إفريقيا وإيديولوجيته العدوانية والاستعلائية على دول وشعوب إفريقيا، حيث أقحمت في التحضير للقمة مجموعة من الممارسات والسلوكات الوضيعة التي تستهدف جر البريكس إلى أوحال السياسة الخارجية العدوانية لهذا النظام وعلى رأسها العداء السافر للوحدة الترابية للمغرب وإقحام كيان انفصالي ضمن الدول المدعوة لحضور هذا التجمع، من غير استشارة مع باقي دول المجموعة، ولا الأخذ بعين الاعتبار لعلاقاتها المتميزة وشراكاتها القوية مع المغرب ومصالحها، ومواقفها السياسية والديبلوماسية بشأن دعم المسلسل التفاوضي الأممي لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء.
لم تعلن جنوب إفريقيا أثناء تحضيرها لتنظيم قمة مجموعة البريكس عن هذه الممارسات والمواقف الخاصة بها، وإنما اتجهت رأسا عبر وزارة خارجيتها إلى حيل ودسائس شغلت بها الرأي العام الدولي، في سياق الحديث عن مساعي دول للانضمام إلى مجموعة البريكس، وعن لائحة مرشحة تضم هذه الدولة وتلك، فأقحمت المملكة المغربية ضمن قائمة هذه الدول التي تقدمت بملف طلب العضوية، ثم لما أحست بانطلاء الحيلة على الرأي العام المتتبع للخبر، والمعلق عليه، ألقت ثانيا بخبر الدول المدعوة من طرفها للمشاركة أو لحضور أشغال القمة، ومن بينها المغرب، وعززت ذلك بإظهار أشكال وهمية من الانفراج في علاقاتها بالمغرب بالإيعاز بنشر مقالات وتعليقات معتدلة، وبعث برقية تهنئة غير مسبوقة بمناسبة عيد وطني مغربي إلى عاهل البلاد، لإغراء المغرب بحضور القمة والإيقاع به في كمين مخدوم مع جهات معادية له في إفريقيا وأوروبا تلتقي مصالحها العدوانية وتتقاطع مع مصالح دولة جنوب إفريقيا.
كل هذا والمغرب الرسمي يتفرج على الأخطاء والخطايا الجنوب إفريقية، ويلتزم الصمت وعدم التعليق على كل هذه المبادرات والأخبار الرسمية القادمة من الدولة المنظمة لقمة مجموعة البريكس التي تربط دولها الأربع، من دون جنوب إفريقيا، علاقات احترام وتقدير وتثمين للشراكات الثنائية المتينة والقوية والوازنة القائمة والواعدة، إلى أن خرج مصدر رسمي مأذون من وزارة الخارجية المغربية قبل أيام قليلة على عقد قمة البريكس، ليضع حدا للعبة الرديئة الإخراج التي تورط فيها نظام جنوب إفريقيا وأراد توريط البريكس والمغرب فيها، كاشفا عن حقائق دامغة وصادمة، وهي أن المغرب أصلا لم يتقدم بأي طلب أو ملف ترشيح لعضوية البريكس، وأنه لم يستدع أصلا من قبل أجهزة المنظمة ودولها مجتمعة لا للحضور ولا للمشاركة ولا للمناقشة في أشغال القمة المذكورة، وأن الدعوة وجهتها دولة واحدة منظمة وعضو هي جنوب إفريقيا التي لا تربطها بالمغرب علاقة صداقة ولا شراكة كباقي أصدقائها من دول المجموعة، بل هي دولة لا تكف عن مضايقة المغرب ومعاكسة مصالحه، وإعلان الحرب والعدوان عليه والتحالف ضده في كل المواقف والمحافل الدولية. هذا التحالف العدواني المتواصل هو وحده الذي يفسر استدعاءها للمغرب وادعاء ترشحه لعضوية البريكس، والمندرج في سياق تصعيدي لهذا العدوان بجعل أروقة قمة البريكس ساحة لتصفية الحسابات مع المغرب وإهانته، واستدراج له إلى كمين خبيث منصوب اتضحت الآن معالمه بالمواقف العدوانية المناصرة للأطروحة الانفصالية التي عبر عنها رئيس هذا النظام قبل يوم، أزال بها قناع الدعوة المسمومة والخبر الملغوم عن الترحيب بالمغرب ضيفا على القمة.
وبانكشاف الملعوب وسقوط القناع وافتضاح نظام جنوب إفريقيا أمام العالم بشأن هذا العمل غير الودي وغير الديبلوماسي، في محاولته استغلال تجمع دولي كبير وثق في قدرة جنوب إفريقيا على تنظيمه بكل ما يلزم من أخلاقيات وأدبيات في الاستدعاء والاستضافة وحسن السلوك والتصرف، والتجرد من الأنانيات الضيقة والأجندات الخاصة والانفرادية، يكون هذا النظام البائس قد أساء إلى نفسه، قبل أن يسيئ إلى المغرب، وقدم عن سياسته الخارجية نموذجا من الحقارة والصبيانية التي نزه المغرب الدول الصديقة والشريكة في مجموعة البريكس عنها، وبرأها من تصرف مشين لا يليق بدولة عادية ومعزولة، فكيف بدولة عضو في تجمع وتكتل وازن يسعى إلى أن يقدم عن نفسه صورة جيدة ورائدة ومغايرة في الديبلوماسية الاقتصادية والسياسية الدولية.
لقد عبثت جنوب إفريقيا بقمة منحت شرف تنظيمها، سيرا على خطى حليفتها الجزائر في العبث بقمم أفشلها تنظيمها وتوجيهها لها لتشتيت الشمل، وخدمة أجندات مليئة بالأحقاد والدسائس، ويغيب عنها الوفاء بالالتزامات ورعاية المصالح المشتركة المتبادلة، فزادت العقبات والعراقيل والتخبطات في طريق التعاون والتكتل والتضامن بين الشعوب والدول. فبئس الصنيع وبئس الأخلاق السياسية والآداب الديبلوماسية التي تفسد ولا تصلح وتفرق ولا تجمع، وليس بمثل هذه الدول الهجينة والغادرة والخائنة والمندسة والمشبوهة يمكننا أن نبني إطارا جيدا للتعاون والصداقة وتبادل المصالح.
وحسب المغرب شرفا وحكمة أنه وضع أصدقاءه وشركاءه في دول مجموعة البريكس، أمام حقيقة ما ينتظر تعاونها وصورتها الإيجابية لدى شعوب ودول العالم من خدش وتلطيخ للسمعة بسبب ممارسات نظام جنوب إفريقيا الفاقد للثقة والمصداقية حتى في أبسط الأعمال التنظيمية والتنسيقية الموكلة إليه، والتي يزورها ويكذب فيها ويضلل وينصب فيها الكمائن للدول، ويقحم فيها أجندة واحدة ووحيدة، يخدمها بكل ما أوتي من تركيز وتفكير وجهد، ألا وهي أجندة تمزيق الوحدة الترابية للمغرب، والوقوف في وجه مشاريعه التنموية الكبرى في إفريقيا.
فماذا سيجنيه هذا التجمع الاقتصادي العالمي الوازن من لعب دولة عضو مشوش فيه على أجندة استضافة لكيان انفصالي غارق في التخلف والإرهاب، يعيش على المساعدات وعلى ريع التجارة في قضايا الشعوب، غير فقدان المصداقية والموثوقية، وإغراق المجموعة في خلافات وتوترات لا صلة لها بأهداف ومصالح الدول المنضوية تحت لواء هذا التجمع ولا الدول التي تنوي الانضمام إليه أو التعاون معه.
إن من شأن الدرس المغربي الرافض لمثل هذه المعاملات الدولية اللاأخلاقية الخارجة عن الأعراف الديبلوماسية سواء في تزوير أخبار تقديم المغرب لملف الترشح للانضمام إلى البريكس، أو دعوته المسمومة والمبطنة من طرف دولة معادية للمشاركة في أشغال قمة تنظمها، مع كل سوابقها المسمومة في مثل هذه الاستضافة والدعوة، بإقحام الكيان الانفصالي بمحضر الشريك المغربي، ودسه في الأروقة والقاعات وجلسات المناقشة والحوار، من شأن هذا الدرس المغربي أن يضع حدا فاصلا بين الجد واللعب، وبين النية الحسنة والنوايا الخبيثة والسيئة، في مثل هذه التجمعات الدولية التي يستجيب فيها المغرب بدرجة عالية لكل معايير العضوية والمشاركة والمبادرة وخدمة المصالح المشتركة، لكن اقتضى فساد الرأي والمكيدة والخديعة أن يسعى أعضاء من داخلها في خرابها وعرقلتها، مثلما خربوا وعرقلوا منظمة الاتحاد الإفريقي، وخرب حلفاء لهم اتحادات عربية ومغاربية طموحة، تصارع اليوم من أجل مجرد الظهور والبقاء والصمود الصوري والشكلي وسط معاول الهدم وتشتيت الشمل. لقد جعل النظام الجنوب إفريقي المغرب حاضرا في قمة البريكس، وهو كذلك بصدقه ومصداقيته في الدفاع عن مصداقية المؤسسات ومصالح الشعوب والدول، والالتزام بالقيم الإنسانية المشتركة وبأخلاقيات المعاملات الديبلوماسية المثلى والفاضلة، وصده لكل محاولات تعكير وتوتير أجواء التعاون والشراكات بينه وبين الدول الخيرة والنيرة التي تضمها الاتحادات والمجموعات الدولية الوازنة، ويكفيه هذا الحضور الأخلاقي والديبلوماسي الصادق والمتميز الذي تلقت الدول الأربع الأولى المؤسسة للبريكس رسالته بالتقدير والاحترام المتبادلين. أما نظام دولة جنوب إفريقيا فإنه من حيث أراد الإساءة لصورة المغرب في هذا التجمع، فإنه في الحقيقة قد سوق مجانا لوزن المغرب الثقيل وللسمعة الطيبة والجيدة للمملكة المغربية في مجال أخلاقي ديبلوماسي لا تحسن الأنظمة الخابطة والفاسدة خوض غماره سواء في الحرب أو السلم.