مجتمع

قضية 88 غرزة.. الحركة النسائية تتوحد ضد الحكم القضائي الصادر وتعيد ملف العاملات الزراعيات للواجهة

حليمة المزروعي –

تابعت الحركة النسائية، باهتمام كبير، ما راج عبر وسائل التواصل الاجتماعي من “فيديوهات” وتصريحات وتعليقات، إثر الصرخة التي أطلقتها خديجة المعروفة إعلاميا بـ”88غرزة”، بعد سماعها للحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بمشرع بلقصيري، بشأن الدعوى التي رفعتها ضد الجاني، إثر ما تعرضت له من اعتداء جسدي شنيع، أدى إلى إحداث تشوهات بالوجه، وألحق بها أضرارا صحية جسدية، نفسية واجتماعية بليغة، معتبرة أن الحكم يعد عنفا إضافيا يكرس للإفلات من العقاب، ويشجع المعتدي على التمادي في إلحاق الأذى بالمزيد من النساء.

وأكد المرصد المغربي للعنف ضد النساء “عيون نسائية”، المكون من 16 جمعية حقوقية، أن قضية خديجة ليست منفردة، بل هي قضية سيدات وفتيات عديدات يتوافدن على مراكز الاستماع التابعة للجمعيات النسائية بمختلف مدن المغرب، لم يبلغن عن العنف بسبب عدم الثقة في القضاء، وبسبب الهشاشة والخوف من وصم المجتمع… نساء يشكلن حوالي 90 في المائة من ضحايا العنف فضلن الصمت وعدم التبليغ، حسب الدراسة التي أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط سنة 2019… نساء أدين في العديد من الحالات ثمنا باهظا انعكس على صحتهن الجسدية والنفسية، وعلى حياتهن الاجتماعية، بل وهدد حياتهن.

وقال المرصد: “نتضامن بدون تحفظ مع خديجة، ونحيي شجاعتها في اختيار اللجوء إلى القضاء والبحث عن إنصاف قد يرمم بعض جروحها ويمنحها قوة للاستمرار في كفاحها من أجل العيش بكرامة، ومهما كانت الملابسات التي أحاطت بالمحاكمة، والاعتبارات التي اعتمدها القضاء في إصدار حكم مخفف في حق المتهم المتابع، فإن هذه القضية تسائلنا حول مسؤولية المؤسسات الأمنية والقضائية في تفعيل التزامات المغرب بشأن مناهضة العنف ضد النساء، سواء فيما يتعلق بمدى ملاءمة التشريعات أو الاستراتيجيات أو البروتوكولات الترابية لمبدأ “العناية الواجبة”، والتزام ضمان الحماية ولواجب المرافقة والتكفل من أجل تسهيل ولوج النساء للعدالة…”.

وترى الحركة ذاتها، أن ما يروج من تعليقات عبر وسائل الإعلام تتعلق بالتشكيك في أقوال الضحية وتشير إلى مهنتها ووسطها الاجتماعي وعلاقاتها الاجتماعية هو أمر مرفوض ويدعو إلى الاستنكار، لأنه يعكس تمييزا صارخا بين النساء وضدهن، ويبرر للعنف بل ويشجع عليه، مضيفة أن صرخة خديجة موجهة إلى جميع الفعاليات والأطراف المعنية بمناهضة العنف ضد النساء، وتستدعي تضامنا واسعا ودعما فعليا خلال مرحلة الاستئناف، التي تأمل الحركة النسائية أن تكون نتائجها أكثر إنصافا، مع الحرص على القيام بتحريات دقيقة من شأنها أن تنير المحكمة في تصويب الحكم، بشكل يشدد العقوبة في حق المعتدي ويضمن جبر الضرر للضحية.

وأشارت الحركة إلى أن قضية خديجة تؤكد من جديد ضرورة العمل على مراجعة القانون 103-13، وعلى إرساء تدابير مسطرية خاصة وملائمة لقضايا العنف ضد النساء، كما تنبه إلى ضرورة تعزيز المجهودات الرامية إلى تكوين وتأهيل القضاة والقاضيات بشكل متخصص، وإرساء آليات مراقبة لتتبع الأحكام الصادرة في قضايا العنف ضد النساء، الذي يتطلب مقاربة شمولية مندمجة ويستحضر الوقاية كداعمة للحد من العنف وللتصدي للأفكار النمطية والأحكام المسبقة التي تحول ضحايا العنف إلى متهمات، وتروج للتسامح مع العنف.

وارتباط بالملف النسوي، وجهت فيدرالية رابطة حقوق النساء رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة المغربية، ووزير التجهيز والنقل، ووزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، دعت فيها إلى تدخل عاجل لحماية العاملات الزراعيات، على خلفية الحادث المأساوي الذي وقع بمنطقة سبت الكردان بإقليم تارودانت، يوم الإثنين 26 ماي الماضي، والذي أسفر عن وفاة خمس عاملات زراعيات وإصابة أخريات بجروح خطيرة إثر انقلاب سيارة تقلهن.

الفيدرالية ذاتها، ترى أن الملف يمثل حلقة جديدة في سلسلة من الفواجع المتكررة التي تطال النساء العاملات في القطاع الزراعي، واللواتي يعملن في ظروف قاسية ومهينة، مطالبة بفتح تحقيق نزيه وشامل لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المتورطين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، معبرة عن استيائها من استمرار الوضعية المتدهورة التي تشتغل فيها العاملات الزراعيات.

 وأشارت الفيدرالية إلى حوادث مماثلة وقعت في مولاي بوسلهام سنة 2019، والتي أودت بحياة 14 عاملة، إضافة إلى فواجع أخرى في أولاد تايمة وأنزا بأكادير، دون أن تواكبها إجراءات إصلاحية حقيقية أو محاسبة جدية للمتسببين، مشددة  على الحاجة الملحة لتوفير وسائل نقل قانونية وآمنة تحترم معايير السلامة، إلى جانب مراجعة مدونة الشغل بما يضمن إلغاء كل أشكال التمييز ضد النساء العاملات في المجال الفلاحي، وتوفير ظروف عمل لائقة تحفظ كرامتهن وسلامتهن.

إلى ذلك، طالبت الفيدرالية بتسريع تفعيل الحماية الاجتماعية والتأمين الإجباري ضد حوادث الشغل في القطاع الفلاحي، وتوسيع نطاق التغطية الاجتماعية ليشمل العاملات الزراعيات، اللائي يعانين من ضعف كبير في الولوج إلى التأمين ضد الحوادث، وغياب الرقابة الجادة من قبل الجهات الوزارية المختصة، منددة بمظاهر التمييز المستمر في الأجور، وهزالة التعويضات، وظروف العمل غير المنصفة التي تتمثل في ساعات عمل طويلة، واستخدام وسائل نقل مهترئة تعرض حياة النساء للخطر بشكل يومي، مبدية استغرابها من صمت الحكومة إزاء الوضع، رغم المراسلات والمرافعات المتكررة من المجتمع المدني.

واعتبرت فيدرالية رابطة حقوق النساء، أن الحادث يشكل دليلا إضافيا على فشل السياسات العمومية في ضمان شروط العمل الكريم للنساء في المناطق الفلاحية، داعية الحكومة والوزارات المعنية إلى تحمّل مسؤولياتها السياسية والمؤسساتية، وإطلاق تدخل عاجل وجريء لوقف هذه المأساة المتكررة، كما دعت إلى الحد من  هذا النزيف الاجتماعي، وضمان الحد الأدنى من الكرامة والحماية والسلامة للعاملات الزراعيات في المغرب، في أفق إعادة الاعتبار لحقوقهن الاقتصادية والاجتماعية، وتحصين شروط عملهن ضد كافة أشكال الإهمال والتمييز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق