دعم “الكسابة” تحت المجهر الرقمي.. حلقات إلكترونية في آذان الماشية لتتبع القطيع ومحاصرة التلاعب

الرباط- عبد الحق العضيمي –
كشف أحمد البواري، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، عن شروع الحكومة في تنفيذ برنامج دعم مربي الماشية وإعادة تكوين القطيع، مؤكدا أن العملية تتم تحت إشراف لجن مشتركة تضم ممثلين عن وزارات الداخلية والمالية والفلاحة، وتشتغل بتنسيق مباشر مع الولاة والعمال لضمان دقة الاستهداف وعدالة التوزيع.
وأكد الوزير، أمام لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، أمس الأربعاء، أن الحكومة حريصة على تنزيل هذا البرنامج في احترام تام للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، خلال المجلس الوزاري المنعقد يوم الاثنين 12 ماي الماضي، مذكرا بأن الهدف هو تقوية مناعة القطيع الوطني، وتأمين السيادة الغذائية والمائية، ومواكبة الفلاحين المتضررين من آثار الجفاف والتقلبات المناخية.
وأفاد المسؤول الحكومي بأن اللجن التي تم تحديد مهامها بدورية وزارية مشتركة، هي من ستتولى تأطير جميع مراحل الدعم، مع ضمان عدم استثناء أي “كساب” في أي منطقة من المغرب، مؤكدا أن الحكومة “تحرص كل الحرص على أن تصل الإعانة إلى مستحقيها الفعليين في مختلف الدواوير والجماعات”.
وفي السياق ذاته، أبرز البواري أن الوزارة تتطلع إلى تنفيذ عملية إحصاء جديدة للقطيع الوطني من الأغنام والماعز والأبقار والإبل، مبرزا أن هذه العملية ستستند إلى منظومة رقمية حديثة تعتمد على ترقيم إناث الماشية بحلقات إلكترونية، تعمل بنظام التعريف بالترددات الراديوية (RFID)، وتسمح بتتبع دقيق لحركة القطيع ومطابقة المعلومات مع بيانات المربين.
وأشار الوزير إلى أن هذه الحلقات تتضمن رقمين تسلسليين، أحدهما ظاهر والآخر غير مرئي، ويرتبط كل منهما بمعطيات المربي، لا سيما رقم بطاقة تعريفه الوطنية ورقم حسابه البنكي، بما يتيح بناء قاعدة بيانات موثوقة وآمنة، تسهل عمليات التتبع والتدقيق والمراجعة.
ولضمان نجاعة هذه العملية، أكد البواري أنه جرى تجهيز الفرق الميدانية بأجهزة قراءة إلكترونية محمولة وأجهزة هوائية لالتقاط المعلومات عن بعد، ما يسهم في تسريع وتيرة الإحصاء وتفادي الأخطاء الناتجة عن التعداد اليدوي، مشددا على أن هذه المنظومة الرقمية تندرج في إطار المجهودات الحكومية لتحديث القطاع الفلاحي وتحسين أدوات حكامته.
من جانب آخر، شدد الوزير في معرض تفاعله مع تدخلات النواب على ضرورة الحفاظ على التوازن بين مصلحة الفلاح وقدرة المستهلك، قائلا إن “استدامة الفلاحة تعني بالضرورة استدامة الفلاح”، مضيفا: “لا يمكن أن نطلب من الفلاح أكثر مما يحتمل، فهو يشتغل تحت رحمة الطقس، ويتابع بتوجس مصير الموسم بين الجفاف والثلوج والبرد، وقد يستفيق في الغد ليجد نفسه خاسرا”.
ونوه البواري بالمستوى المهني الذي بلغه الفلاح المغربي، معتبرا أن خبرته “لا مثيل لها” وتنافس بقوة في الأسواق الأوروبية، مشيرا إلى أن دولا مثل إسبانيا وبلجيكا تشتكي من حدة المنافسة التي تفرضها المنتجات المغربية، فيما تسعى بلدان من إفريقيا جنوب الصحراء إلى الاستفادة من التجربة المغربية في تربية الماشية وتدبير الموارد.
وتابع قائلا: “نحن نشتغل على حلول تجعل من فلاحتنا قطاعا ذا مناعة وصمود واستمرارية، ونسير في الطريق الصحيح نحو تعزيز السيادة الغذائية والمائية والطاقية، وفقا للتوجيهات الملكية السامية”.
من جانبه، أكد محمد فيكرات، الرئيس المدير العام لمجموعة القرض الفلاحي للمغرب، أن المؤسسة البنكية انخرطت بفعالية في تنفيذ برنامج دعم مربي الماشية وإعادة تكوين القطيع الوطني، تحت إشراف وزارتي الفلاحة والداخلية، وباقي المتدخلين المؤسساتيين، وذلك لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه في أقرب الآجال.
وأوضح فيكرات، خلال اجتماع لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، أن القرض الفلاحي ليس جهة مقررة في آليات الإعفاء أو الدعم، بل يضطلع بتنفيذ القرارات التي تتخذها الدولة، مشيرا إلى أن تجربة معالجة الديون المتعثرة للفلاحين ليست جديدة، بل شهد المغرب أكثر من 12 عملية مشابهة منذ سنوات، تمت وفق هذا النموذج.
وسجل أن البنك يعالج ملفات التعثر بشكل فردي، في إطار ما وصفه بسياسة الأبواب المفتوحة، من خلال لجن مختصة تعمل على المستويات المحلي والجهوي والمركزي، وتقوم بدراسة دقيقة لوضعية كل زبون على حدة، من أجل تقديم حلول مرنة ومناسبة، دون المساس بتوازن المؤسسة.
وأفاد المسؤول البنكي أن من بين الإجراءات المعتمدة لمساعدة الفلاحين المتعثرين، تمديد آجال تسديد القروض، وتأجيل سداد الأقساط لمدة تصل إلى سنة أو سنة ونصف، وإعادة احتساب الفوائد المتراكمة بنسبة مناسبة، ثم إعادة جدولة المبلغ المتبقي على فترات جديدة ميسرة.
كما يتم، بحسب فيكرات، تحديث مبلغ الدين بعد خصم الفوائد، مع توفير دعم غير مالي في شكل مواكبة تقنية وتدخلات ميدانية، تهدف إلى تحسين المسارات الإنتاجية وتوجيه الأنشطة نحو مجالات أكثر مردودية، خاصة بالنسبة للضيعات الفلاحية الصغيرة، في انسجام تام مع أهداف استراتيجية الجيل الأخضر.
وأشار فيكرات إلى أن القرض الفلاحي يقدم هذه الحلول وفق تقييم لقدرة الزبون على السداد، موضحا أن بعض الفلاحين يواجهون فعلا صعوبات تستوجب المساعدة، فيما آخرون يملكون الإمكانيات ويفضلون التماطل، وهو ما يدفع المؤسسة إلى اتخاذ إجراءات مناسبة لحماية توازنها، خاصة في ظل مراقبة دائمة من قبل بنك المغرب والمجلس الأعلى للحسابات.
وشدد الرئيس المدير العام للقرض الفلاحي على أن المؤسسة تعد فاعلا محوريا في تحقيق أهداف السيادة الغذائية، وتمويل سلاسل الإنتاج، وتنزيل عقود برامج استراتيجية الجيل الأخضر، معتبرا أن دورها يتجاوز التمويل إلى المواكبة الفعلية لجهود التنمية القروية، وتنمية طبقة متوسطة قروية قادرة على الصمود.
وأكد أن القرض الفلاحي يمول أكثر من 80 في المائة من الغلاف التمويلي للقطاع الفلاحي، وأن 82 في المائة من قروضه موجهة إلى الضيعات العائلية الصغيرة، مقابل 18 في المائة فقط للضيعات المتوسطة، و0.36 في المائة للضيعات الكبرى، ما يعكس تركيزه الواضح على الفئات الهشة.
وأبرز أن المؤسسة تحرص على توزيع محفظة قروضها بشكل متوازن، بنسبة 50 في المائة موجهة للقطاع الفلاحي والصناعات الغذائية والأنشطة القروية، و50 في المائة لقطاعات اقتصادية أخرى، بما يضمن استدامة تمويل الفلاحة وتحصين التوازنات المالية للبنك.
وتابع مفسرا أن جاري القروض لفائدة القطاع الفلاحي بلغ 112 مليار درهم، وبلغت ودائع الزبائن 108 مليارات درهم، فيما وصلت الحصيلة الإجمالية للبنك إلى 154 مليار درهم، مع حصة سوقية من القروض تناهز 9 في المائة. وأكد فيكرات أن هذه النتائج تعكس متانة المؤسسة وقدرتها على الاستمرار في تمويل الاقتصاد الوطني، رغم التحديات المناخية والمالية، مشيرا إلى أن نجاح استراتيجية القرض الفلاحي يتطلب تعزيز رأسماله ودعمه من قبل المؤسسات العمومية وتوطين جزء من تدفقاتها المالية لديه، بما يقوي قدراته التمويلية.






