مجتمع

فضيحة “ماسترات قيلش” تشعل البرلمان.. ميداوي: ماوقع حالات دخيلة.. وأنا حزين ومحرج كمواطن ومسؤول

الرباط – عبد الحق العضيمي –

وجد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي، نفسه محاصرا بانتقادات لاذعة من طرف عدد من نواب الأمة، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، المنعقدة أمس الاثنين، وذلك على خلفية ما بات يعرف إعلاميا بـ”فضيحة شهادات قيلش” بجامعة ابن زهر في أكادير.

وفي هذا السياق، عبر نواب من الأغلبية والمعارضة عن قلقهم الشديد من تداعيات هذه القضية على مصداقية التعليم العالي، مطالبين بإصلاحات عاجلة وإجراءات زجرية وصارمة لمواجهة كل أشكال التلاعب بالشهادات والتكوينات الجامعية.

أولىالقذائفجاءت من الأغلبية

وجاءت أولى المواقف “النارية” من فرق الأغلبية، حيث عبر مصطفى الشنتوف، عضو الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، عن حزنه وأسفه لما آلت إليه بعض مؤسسات التعليم العالي، معتبرا أن ما بات يعرف بفضيحة “ماسترات قيلش” يكشف عن اختلالات عميقة تهدد مصداقية الشهادات الجامعية.

وأشار الشتنوف إلى أن هذه القضايا لم تكن تطرح داخل البرلمان من قبل، غير أن تطورات الملف فرضت نفسها على النقاش العمومي، ما يجعلها، بحسب تعبيره، غير قابلة للتصنيف كحالات معزولة، بل دليلا على “خلل ممنهج” داخل منظومة التعليم الجامعي.

في المقابل، شدد النائب على ضرورة الفصل بين هذه الانحرافات السلوكية وبين القامات العلمية التي لا تزال تحافظ على هيبة الجامعة المغربية، داعيا الوزارة إلى تحمل كامل مسؤولياتها في تطهير هذا الفضاء من الشوائب التي تسيء إليه.

وتابع قائلا: “من غير المقبول أن نسمع اليوم عن تجارة الشواهد والزبونية، في وقت يتألق فيه طلبتنا في الجامعات الأجنبية ويسجلون حضورا قويا”.

منالجنس مقابل النقطإلى تزوير الدبلومات

النائبة غير المنتسبة ريم شباط سجلت، من جهتها، أن الجامعة المغربية ما تزال تخرج نخبا وأطرا رفيعة في مختلف المجالات، من أساتذة جامعيين وباحثين يشرفون المملكة دوليا، لكن الفضائح المتكررة، كما حدث في جامعة ابن زهر، أو في بعض مدارس المهندسين ومعاهد أخرى، تسيء لهذا الرصيد الأكاديمي، مشيرة خاصة إلى قضايا تزوير الدبلومات وملفات “الجنس مقابل النقط”.

ورأت أن خطورة هذه الممارسات لا تكمن فقط في طابعها الفاضح، بل في ما تتركه من أثر مدمر على المعنويات، مؤكدة أن هذه الانحرافات تهز ثقة الطلبة المجتهدين الذين يسهرون على تحصيلهم العلمي، في مقابل استفادة آخرين من الشهادات عن “طريق الزبونية أو البيع والشراء”، بحسب تعبيرها.

ولم تتردد البرلمانية المثيرة للجدل في توجيه انتقاد لاذع لما اعتبرته إقصاء ممنهجا لفئة واسعة من الشباب الحاصلين على الإجازة والماستر والدكتوراه بجهدهم الخالص، بسبب تسقيف السن، في وقت يفتح فيه الباب أمام من وصفتهم بـ”حاملي الشهادات المشكوك فيها”، وهو ما يضرب في عمق مصداقية المباريات العمومية، داعية إلى رد الاعتبار للجامعة العمومية، وإصلاح مدخلات التكوينات الجامعية باعتماد الصرامة اللازمة وعدم التستر على من وصفتهم بـ”المفسدين”.

المسؤولية تمتد إلى ما قبل 2018

ولم تقتصر انتقادات الأغلبية على الفريق الاستقلالي، بل امتدت إلى مكون آخر من مكوناتها، ويتعلق الأمر بفريق الأصالة والمعاصرة، الذي اعتبر على لسان نائبه محمد ودمين أن الخوض في تفاصيل قضية “ماسترات ابن زهر” داخل المؤسسة التشريعية غير ممكن في المرحلة الراهنة، بحكم أن الملف معروض على أنظار القضاء، الذي سيتولى الحسم فيه وفقا للمساطر القانونية الجاري بها العمل.

ورغم الطابع القضائي للقضية، لم يفوت ودمين الفرصة دون تقديم معطيات لافتة، حيث أشار إلى أن الأستاذ الجامعي المعني عين بجامعة ابن زهر في إطار تحويل المناصب المالية، وتم نقله إلى أكادير سنة 2013، حيث تولى تنسيق مسلك المنظومة الجنائية والحكامة الأمنية، قبل أن يتوقف آخر فوج تخرج تحت إشرافه سنة 2021، دون أن يتم تجديد هذا التكوين. وأوضح أن المسؤولية عن هذه الوضعية تعود إلى الفترة التي سبقت سنة 2018.

وشدد ودمين على أن هذه القضية يجب أن تستثمر لإطلاق نقاش جاد حول الاختلالات البنيوية التي تهدد مصداقية التعليم الجامعي، داعيا إلى الكشف عن الإجراءات التي باشرتها الوزارة من أجل محاصرة التجاوزات واستعادة ثقة المجتمع في الجامعة العمومية.

بيع الدبلومات يستلزم إعلان النفير

نواب فريق التجمع الوطني للأحرار رفعوا سقف التحذير، منبهين إلى أن بيع الشهادات الجامعية لم يعد مجرد اختلال إداري، بل تحول إلى تهديد حقيقي لمستقبل البلاد وأمنها المعرفي.

وقال الفريق على لسان نائبه عبد الرحمان رابح، إن الجامعة المغربية ما تزال تفرز طاقات علمية مرموقة، وأن أبحاث الدكتوراه في عدد من المختبرات تضاهي نظيراتها في كبريات الجامعات العالمية، غير أن بعض الممارسات الدخيلة تقوض هذا الرصيد وتضرب في عمق المصداقية الأكاديمية.

وأضاف أن الوضع يتطلب إعلان النفقي لاجتثاث الأجسام الغريبة عن الجامعة، داعيا إلى وضع ضوابط صارمة لولوج سلك الدكتوراه، وتقويم فعلي وجاد للأبحاث العلمية، بما يعيد الاعتبار لمعايير الكفاءة والجودة.

وفي سياق متصل، نبه إلى ما اعتبره حالة من “التواطؤ الصامت” داخل بعض المؤسسات الجامعية، مشددا على أن “هدم التعليم هو هدم للبلاد، ولن نسمح به”، حسب تعبيره.

وجدد الفريق دعوته إلى عقد اجتماع للجنة التعليم بحضور الوزير، مؤكدا استعداده للمساهمة باقتراحات عملية تضمن تحصين الحقل الجامعي من مظاهر الفساد، ودعمه التام لكل مبادرة إصلاحية تستهدف تخليق الحياة الجامعية.

الاتجار بالشهادات ينسف تكافؤ الفرص

النائب نور الدين الهروشي، عن الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي، لفت بدوره إلى خطورة تفشي ظاهرة الاتجار بالشهادات والتجاوزات المسجلة في بعض مؤسسات التعليم العالي، مؤكدا أن هذه الممارسات لا تمس فقط بمصداقية الشهادات الجامعية، بل تضرب في عمق مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلبة.

وتوقف البرلماني ذاته عند الأثر العميق لهذه الانحرافات، مشيرا إلى أن تداعياتها تتجاوز الإطار الأكاديمي الضيق، لتطال قطاعات استراتيجية تعتمد على كفاءات علمية ومهنية عالية التأهيل، مما قد يفرز جيلا غير مؤهل يهدد بنية المجتمع ويضعف مقومات التنمية المستدامة.

وفي هذا السياق، شدد الهروشي على أهمية إدماج أدوات تكنولوجية حديثة لضبط عملية منح الشهادات، وعلى رأسها تقنية “البلوك تشين”، التي تضمن التوثيق الشفاف وغير القابل للتلاعب. كما دعا إلى تعزيز آليات الرقابة القانونية والإدارية داخل الجامعات، من أجل سد الثغرات التي تسمح باستغلال النفوذ أو التحايل على مسارات التكوين الأكاديمي.

الفساد الجامعي خطر على مستقبل الأمة

من جهته، أكد الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية أن تسرب الفساد إلى الجامعة يشكل تهديدا جوهريا لمستقبل أي أمة، مشيرا إلى أن ما تعرفه بعض المؤسسات من ممارسات مشبوهة لا يمكن حصره في أخطاء فردية معزولة، بل يمثل مساسا خطيرا بنزاهة التكوين الأكاديمي وصدقية الشهادات.

وسجلت النائبة خدوج السلاسي، باسم الفريق، أن تكرار الفضائح داخل مؤسسات التعليم العالي، من قبيل “الجنس مقابل النقط” وملفات التلاعب بالشهادات، يضرب في العمق صورة الجامعة المغربية، ويسيء إلى جهود الأساتذة الشرفاء الذين يواصلون أداء مهامهم في ظل ظروف صعبة.

واعتبرت أن التحدي المطروح اليوم يتمثل في كيفية تحقيق توازن فعلي بين مبدأ استقلالية الجامعة وبين ضمان الشفافية والرقابة، بما يضمن نتائج تكوينية ذات مصداقية ويحفظ مكانة المؤسسة الأكاديمية كمجال لصناعة النخبة والمعرفة.

الحكومة تتعهد بإصلاح شامل للقطاع

وفي معرض جوابه عن تعقيبات النواب، عبر عز الدين ميداوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عن أسفه العميق مما تعرفه بعض المؤسسات الجامعية، قائلا: “أضم صوتي إلى صوت السيدات والسادة النواب المحترمين لأعبر عن حزني وأسفي الشديد، وكذلك عن إحراجي كمواطن مغربي وكمسؤول عن هذا القطاع الاستراتيجي”.

وأكد الوزير، أن ما جرى لا يمثل الجوهر التاريخي للجامعة المغربية، معتبرا أن هذه الحالات “قليلة ودخيلة، ولا تشكل ظاهرة عامة”، مشيرا إلى أن المسؤولية جماعية، ويجب عدم تبرئة أي طرف من الرقابة والتبليغ والمساءلة، لأن الجميع معني بمواجهة الظواهر السلبية داخل الحرم الجامعي.

وزاد: “رؤساء الجامعات والمؤسسات يعانون خلال فترات الامتحانات من ضغوطات وممارسات مشينة، تصل إلى حد الاستعانة بشبكات الغش الإلكتروني ووسائل متطورة، مما يرهق الإدارة الجامعية”.

وتابع: “مواجهة الرشوة والفساد الجامعي، يتطلب تعبئة جماعية وإرادة للتبليغ والمواجهة، لأن بعض الهياكل داخل الجامعات لا تتحرك، وبعض الشركاء الاجتماعيين يتغاضون عن دورهم في المواكبة والمحاسبة”.

وأكد ميداوي الذي بدا صريحا وواضحا وهو يتحدث إلى نواب الأمة أن المسؤولية الإدارية موزعة على مختلف المستويات، من الموظف، إلى الكاتب العام، إلى العميد، إلى رئيس الجامعة، وصولا إلى الوزارة، التي تقع على عاتقها مهمة المتابعة واليقظة والحد من التسيب.

وأشار الوزير إلى وجود عوامل موضوعية تسهم في تعقيد الوضع، من قبيل الارتفاع المتواصل لأعداد الطلبة، وضعف التأطير البيداغوجي والإداري، ومساطر الولوج إلى الماستر والدكتوراه التي لم تعد مناسبة، بالإضافة إلى منظومة قانونية باتت متجاوزة، مشددا على أن الوزارة تعمل على إصلاحها.

وأوضح أن الزجر وحده لا يكفي، بل ينبغي أن يواكب بإصلاح شامل يراعي التحولات التكنولوجية وطبيعة التعليم العالي، مشيرا إلى أن الوزارة بصدد إعادة مراجعة شاملة للقانون 01.00 المنظم للتعليم العالي، يأخذ بعين الاعتبار المستجدات والإشكالات المتراكمة.

وكشف أن المشروع يتضمن إحداث مجلس استراتيجي للجامعة، يتولى تقييم الأداء وتوجيه السياسات الكبرى، فيما يبقى رئيس الجامعة خاضعا للتقييم والمساءلة ضمن منطق الحكامة الجديدة.

كما أعلن عن إطلاق برنامج لإعادة هيكلة الخريطة الجامعية، وتقسيم الكليات الكبرى، مع تحيين هيكلة الاستقطاب المفتوح والمحدود.

وأكد أن الوزارة بصدد إعداد ميثاق وطني للمسؤولية المجتمعية للجامعة، يعزز قيم النزاهة وتخليق الحياة الجامعية، إلى جانب وضع نظام معلوماتي مندمج لتتبع المسالك والشهادات.

أما بخصوص الماسترات، فأوضح الوزير أن التوجه يسير نحو تمييز واضح بين الماسترات العادية وتلك التي يجب أن تتم عبر الانتقاء الصارم، مضيفا أن هناك تكوينات تضم أحيانا 70 إلى 80 في المائة من غير الطلبة، ممن ينتمون للقطاع الخاص أو يتابعون التكوين بالموازاة، وهو ما يستوجب إعادة ضبط المنظومة بأكملها.

وخلص الوزير إلى التأكيد على أن الوزارة ستعمل على ضبط كل المتدخلين في التكوين، وإعطاء وزن أكبر للشعب الأكاديمية، وتفعيل مراقبة حقيقية تضمن الجودة والعدالة داخل المنظومة الجامعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق