في فضاء الشعر والهوية.. حسن المطروشي يُحلّق بالقصيدة في معرض مسقط الدولي للكتاب

فاطمة ابوناجي / مسقط –
وسط أجواء ثقافية نابضة، احتضن معرض مسقط الدولي للكتاب جلسة حوارية استثنائية سلطت الضوء على التجربة الشعرية للشاعر العُماني حسن المطروشي، الذي سطع نجمه مؤخراً بفوزه في مسابقة “المعلّقة”، إحدى أبرز المنابر الشعرية العربية.
الجلسة، التي أدارها الكاتب والإعلامي خلفان الزيدي استقطبت جمهورا نوعيا من عشاق الكلمة والمعنى حيث تحوّل الحوار إلى مساحة للتأمل في مسيرة شاعر يكتب ليقاوم النسيان.
المطروشي، بصوته الهادئ وكلماته المشبعة بالتجربة، استعرض محطات مفصلية في رحلته مع القصيدة، متأملاً علاقته بالنص باعتباره كائنا حيا، لا ينمو إلا بالقلق والصدق والمعاناة. تحدث عن مشاركاته اللافتة في المسابقات الشعرية الكبرى مثل «أمير الشعراء» و«شاعر المعلّقة»، مؤكداً أن مثل هذه المنصات ليست مجرد سباقات إبداعية، بل اختبارات وجودية تتجاوز حدود الأداء، إلى تمثيل الوطن والهوية في مشهد ثقافي عربي زاخر بالتحديات.
“التحدي الحقيقي”، كما يصفه، “ليس في مواجهة لجنة التحكيم أو جمهور الحفل، بل في مواجهة الذات وفي مساءلتها عبر النص”.
فالقصيدة عند المطروشي ليست شكلًا جاهزًا ولا وعاءً لرسالة مباشرة، بل هي سؤال مفتوح على احتمالات لا نهائية، وتعبير عن قلق داخلي وتجربة وجودية عميقة.
وفي حديثه عن جوهر الشعر، أشار إلى أن النص الذي يكتبه يتعمد الابتعاد عن المباشرة، مفضلاً التكثيف والدلالة المتداخلة، بما يفتح أمام المتلقي أفقاً للتأويل والتفكير. “القصيدة التي تمنحك الجواب تسرق منك متعة الاكتشاف”، هكذا يصف نظرته للكتابة معترفًا بأن الغموض في بعض نصوصه ليس غاية في ذاته، بل جزء من محاولة لاستدعاء القارئ إلى شراكة معرفية ووجدانية.
لم تكن الجلسة محصورة في سرد التجربة، بل امتدت لتناول رؤاه حول التوثيق، حيث قال إن الشاعر لا يكتب ليُخلّد ذاته فقط، بل ليودِع لحظة إنسانية في قلب الزمن. “نكتب كي لا نُمحى”، بهذه العبارة المكثفة لخّص فلسفة الكتابة لديه، معتبرًا أن القصيدة هي الذاكرة التي تقاوم الذوبان في زحمة العالم.
كما تطرّق المطروشي إلى تجربته في الترجمة، لافتاً إلى ترجمة نصوصه إلى لغات عدّة كالإسبانية والفرنسية، وهو ما اعتبره جسرًا لتبادل الجماليات والثقافات. لكنه شدد على أن الترجمة لا ينبغي أن تفقد النص هويته العُمانية وخصوصيته الثقافية، بل أن تعبر بها نحو الآخر دون أن تذوب في مفرداته.
في تقييمه للمشهد الشعري في سلطنة عمان، أكد أن هناك حراكاً متنوعاً ينمو في الظل، ويستحق التوثيق والدراسة النقدية الجادة. ودعا إلى دعم المواهب الجديدة التي تتلمس لغتها الخاصة، لا تلك التي تكرر المألوف، بل التي تبتكر وتغامر.
واختُتمت الجلسة بقراءات شعرية قدّم فيها المطروشي مجموعة مختارة من نصوصه، حملت بين طياتها مزيجًا من الحنين والاحتجاج، التأمل والأسى، بلغة مشحونة بالإيقاع والرمز. قصائد لم تكن مجرد كلمات بل فضاءً كاملاً من التجربة، حلق بالجمهور في عوالم الشعر بوصفه بحثًا عن المعنى، واحتفاءً بالوجود.