سياسةوطني

المقالع تحت مجهر النواب.. برلمانيون يطالبون بسياسات ناجعة لوقف استنزاف الموارد الطبيعية

الرباط- عبد الحق العضيمي –

دعت مكونات الأغلبية والمعارضة إلى تعزيز الحكامة في استغلال الموارد الطبيعية، محذرة من استمرار الاختلالات التي تطبع تدبير المقالع والموارد المائية، ومنبهة إلى ضرورة تدارك التأخر في تنفيذ الإصلاحات المرتبطة بهذا القطاع الحيوي، الذي يشكل رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والتهيئة الترابية.

وخلال اجتماع لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، الذي خصص لمناقشة رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المعنون بـ”آليات منح التراخيص ومراقبة استغلال الموارد الطبيعية (الموارد المائية والمقالع”، شدت مكونات الأغلبية على أن هذه الثروات الوطنية ترتبط ارتباطا مباشرا ببرامج الإنعاش الاقتصادي، وإحداث فرص الشغل، وتحقيق العدالة المجالية، محذرة في المقابل من الانعكاسات السلبية للوضع الحالي، الذي يتسم بتداخل الاختصاصات، وتعدد المتدخلين، وضعف التنسيق المؤسساتي.

وأشارت نواب من الأغلبية إلى أن التقرير الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كشف عن بطء في إعداد المخططات الجهوية لتدبير المقالع، ونقص حاد في الموارد البشرية والتقنية المخصصة لشرطة المياه والمقالع، فضلا عن التعقيد الكبير الذي تعرفه مساطر الترخيص، مما يؤثر سلبا على جاذبية الاستثمار، ويضعف فعالية المقاولات العاملة في مجالات البناء والأشغال العمومية.

وسجل النواب في تدخلاتهم، أن المجهودات الحكومية المبذولة في مجال الأمن المائي، من خلال إنجاز سدود ومحطات لتحلية المياه، والطريق السيار المائي الرابط بين حوض سبو وأبي رقراق، تبقى غير كافية في غياب سياسة ناجعة لترشيد الاستهلاك، وتفعيل صارم للضوابط القانونية، ووضع حد للممارسات العشوائية في تدبير المقالع والموارد المائية.

وأكدت تدخلات فرق الأغلبية، أن تدبير الموارد الطبيعية لا يمكن أن يخضع للارتجال أو التساهل، معتبرة أن هذه الثروات ملك عمومي يتطلب استغلاله احترام مبادئ الشفافية والمساواة والعدالة، داعية إلى إعادة الاعتبار لدور الدولة في تنظيم القطاع، وتأهيل الترسانة القانونية، وإحداث نظام معلوماتي وطني مندمج لضبط المعطيات المتعلقة بالترخيص والمراقبة، بالإضافة إلى إدماج التكنولوجيات الحديثة، وربط منح التراخيص بإعادة تأهيل المواقع المستغلة.

من جهتها، وجهت مكونات من المعارضة انتقادات شديدة لتدبير هذا القطاع، معتبرة أن الوضع الحالي يتسم بغياب الشفافية و”السيبة”، داعية إلى القطع مع مظاهر الريع، ومحاربة الاحتكار والاستغلال غير المشروع، وربط المسؤولية بالمحاسبة في ما يخص استغلال الثروات الطبيعية.

وسجلت مداخلات نواب من المعارضة، أن الحكومة لم تفلح في تنزيل القوانين المرتبطة بالمقالع والمياه، ولم تتمكن من التصدي لمظاهر الفساد والمحسوبية، محذرة من استمرار ما وصفته بـ”الاستغلال غير المشروع للماء”، الذي يتم توجيهه إلى أنشطة فلاحية لا تساهم في تعزيز الأمن الغذائي الوطني، وتؤدي إلى استنزاف الملك العمومي المائي في ظل توالي سنوات الجفاف.

ودعت برلمانيو المعارضة إلى مراجعة جذرية للترسانة القانونية المنظمة للمقالع، وتسريع وتيرة إصدار المراسيم التطبيقية، ومعالجة الإجراءات البيروقراطية التي تعرقل منح التراخيص، مع تعزيز أداء شرطة المياه والمقالع والبيئة، عبر توفير الإمكانيات البشرية واللوجستيكية الكافية.

كما طالبت بوضع مخطط استعجالي للحد من الخسائر المالية التي تتكبدها الدولة والجماعات الترابية، بسبب الاستغلال العشوائي، واعتماد معايير واضحة وشفافة في منح الرخص، وتشجيع المنافسة النزيهة، بالإضافة إلى إجراء دراسات علمية دقيقة لتقييم آثار استغلال الرمال على النظم البيئية والثروة السمكية.

وشدد متدخلون في الاجتماع ذاته على ضرورة إدماج البعد الاجتماعي في أي إصلاح لهذا القطاع، من خلال تحسين وضعية اليد العاملة، وضمان حقوقها، والتصريح بالعاملين، وتوفير شروط الصحة والسلامة، إلى جانب إشراك المجتمع المدني في جهود التوعية والتحسيس بالمخاطر البيئية المرتبطة بسوء استغلال الموارد الطبيعية.

وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، قد دق في رأيه، ناقوس الخطر، محذرا من تدهور واستنزاف العديد من الموارد الطبيعية الحيوية والاستراتيجية.

وقال المجلس: “إن العديد من القطاعات في بلادنا لازالت تعتمد بشكل كبير على الموارد الطبيعية الحيوية أو الاستراتيجية مثل المياه والمقالع، التي تشهد تدهورا متزايدا نتيجة عوامل متعددة، بما في ذلك الاستغلال المفرط والاستغلال غير المشروع”.

وأكد الرأي، أن آليات الترخيص والمراقبة التي وضعتها السلطات العمومية لا تزال غير كافية للحد من الضغوط المتزايدة على هذه الموارد، مما يهدد أهداف التنمية المستدامة والأمن الإنساني في المغرب.

وسجل المجلس، أن ضعف إنفاذ القوانين، وتعقيد مساطر الترخيص، وغياب التنسيق بين الجهات الفاعلة، ونقص الإمكانيات البشرية والمالية، كلها عوامل تساهم في إضعاف فعالية الحكامة في هذا المجال. وأشار إلى أن عدد المستخدمين الذين يقومون بجلب المياه خارج النظام القانوني يفوق 102 ألف شخص، كما أن من بين 292 ألفا و89 نقطة مياه، لا تتوفر إلا 30 ألفا و646 نقطة على تراخيص رسمية، أي ما يعادل 10 في المائة فقط.

كما لفت المجلس إلى أن طول مساطر الترخيص يعزز من احتمال اللجوء إلى طرق غير مشروعة.

وعلى مستوى الموارد البشرية، سجل المجلس ضعف عدد أعوان شرطة المياه، مما يجعل عملية المراقبة غير فعالة على المستوى الوطني. كما أشار إلى بطء المعالجة القضائية لمحاضر المخالفات نتيجة نقص الأطر المتخصصة في مجال قضايا البيئة.

وفيما يخص المقالع، حذر المجلس من هيمنة القطاع غير المنظم الذي  يتمثل في المقالع غير المصرح بها أو المقالع المُرخص لها التي تُقدم على ممارسات من قبيل الغش وعدم التصريح الكامل بالمداخيل، مبرزا أن ذلك  يؤدي إلى “خلق منافسة غير مشروعة، وتفوت مداخيل ضريبية إضافية، إلى جانب مخاطر الاستغلال المفرط لبعض أنواع المقالع، إلى جانب ضعف امتثال ظروف العمل في بعض المقالع للنصوص التنظيمية، وضعف إعادة تأهيل المقالع من قبل معظم المستغلين”.

وفي هذا الصدد، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتعزيز فعالية النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها، مع الحرص على التنفيذ الفعال لآليات منح التراخيص والمراقبة في مجال المياه والمقالع، وتبسيط المساطر واحترام الآجال القانونية لمنح التراخيص، فضلاً عن تسوية وضعية مستغلي الموارد بكيفية غير قانونية.

كما شدد على تعزيز الإطار القانوني المنظم لآليات منح التراخيص والمراقبة، من خلال إضفاء الطابع الملزم على المخططات الجهوية لتدبير المقالع، مع تسريع عملية إعداد هذه المخططات، واعتماد النصوص التطبيقية الضرورية لتنفيذ القانون رقم 49-17، لاسيما بخصوص التقييم البيئي الاستراتيجي للمخططات والبرامج والمشاريع الوطنية والجهوية لاستغلال المياه والمقالع.

ومن أجل تحسين الحكامة في قطاعي الموارد المائية والمقالع في ضوء تأثيرها على فعلية ونجاعة آليات منح التراخيص والمراقبة، دعا المجلس إلى “تعزيز وسائل وقدرات المتدخلين في مجال المراقبة، ووضع آلية للتنسيق ما بين المؤسسات تمكن من اتخاذ قرارات تحكيمية بشأن استخدام الموارد المائية المتاحة في حالات الأزمات، وتعزيز كفاءات وقدرات جميع المتدخلين في المساطر القضائية ذات الصلة مع دراسة إمكانية إحداث غُرَفٍ خاصة يُناط بها النظر في مختلف قضايا البيئة على مستوى المحاكم المختصة، بما فيها قضايا الماء والمقالع”.

وأوصى أيضا بتحسين أداء عملية تحصيل الإتاوات المتعلقة باستغلال المياه الخاضع لنظام الترخيص والامتياز، وتعزيز النجاعة الاقتصادية والضريبية المرتبطة باستغلال المقالع، وكذا إحداث نظام معلوماتي وطني مندمج ومحيَّن باستمرار مُخصَّص لقطاعات المياه والمقالع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق