ثالث قوة مسرحية عالمية
بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //
خلافا لكل ما ادعته العصابة الحاكمة في الجزائر قبل وخلال حملتها الانتخابية لمرشحها الرئاسي المعاد تعيينه، من أن المغرب ترتعد فرائصه – أو كما كتبت إحدى صحف العصابة “فرائسه” – من إعادة تعيين تبون رئيسا للعصابة أو تمديد ولايته لسنوات أخرى ستكون قاصمة لظهر المخزن، وكانت هذه البروباغاندا جزءا كبيرا وأساسيا من برنامج التعبئة للتصويت لصالح مرشح العصابة، والإقناع بضرورة مواصلة تبونها حكمه للبلاد والعباد حتى النصر والانتصار في معركة مفتعلة، اقترب حسمها لفائدة الجزائر، ولا يمكن التفريط في مكتسباتها بمجرد استحقاق انتخابي عاد، وبتغيير القيادة الناجحة التي على الجزائريين منحها فرصة أخرى أو عهدة ثانية لإكمال ما بدأته من تبويئ الجزائر إحدى المراتب الثلاث الدولية للنصر في كل شيء. خلافا لكل هذه المزاعم حول خطر تبون على بلاد المغرب المرتعد والوشيك السقوط، فإن واقع الحال أن ما حققه المغرب لقضاياه العادلة من انتصار ديبلوماسي كاسح في العهدة العدوانية الأولى لتبون العصابة، ما كان له أن يحققه في عقود من الزمن، فبفضل غباء العصابة، وتماديها في الجهالة والتخبط الديبلوماسي والسقوط الأخلاقي، ومد المغرب الحبل لها للانزلاق والتزحلق، عرف العالم حجم الكارثة الجزائرية في المجتمع الدولي، وبات المغرب مع العصابة في موقع مريح لإصابة الهدف، وحصد نتائج حكمته وتبصره، بما تظهره العصابة من عربدة دائمة وبهلوانيات تتصورها قوة مرعبة وعضلات مشدودة وأنياب كاسرة ترتعد منها “فرائس” الجيران.
كيف يكون تبون العصابة مرعبا للمغرب ومخيفا للمغاربة، والحال أنه في ظل إرعابه الأول توالت الاعترافات الدولية الوازنة بمغربية الصحراء، وكسرت الدول الإفريقية حاجز الخوف والرعب من البعبع الجزائري القاري، وطرد بوليساريو العصابة من التظاهرات القارية والدولية، وتستعد إفريقيا اليوم لإنهاء الوضع الشاذ للكيان المدسوس داخل اتحادها. كيف ترتعد “فرائس” المغرب من العهدة الثانية لتبون والرجل قد سرع وتيرة افتتاح القنصليات بالأقاليم الصحراوية المغربية العامرة في عهدته الأولى، وعزل بوليساريو في مخيمات الاحتجاز بتيندوف، وحرمهم بشكل نهائي من دخول المناطق العازلة، وعرضهم بشكل يومي للتصفية بواسطة الدرونات، وفتح أمام المغرب طريقا كانت ستكون شاقة ومكلفة لتطهير معبر الكركرات من بقايا الفلول الانفصالية المتسللة، وأظهر الوجه المشرق والمقنع للديبلوماسية المغربية في المحافل الدولية في مقارعة الأطروحة الانفصالية التي يسر لها تبون العصابة كل عناصر خوائها وضعف حجتها وتضارب مواقفها وبياناتها. لقد خدم تبون العصابة الأطروحة الوحدوية المغربية ومصداقيتها وواقعيتها وشرعيتها أمام أنظار العالم، بما ورط فيه الجزائر من مزيد فضائح بشأن نزاع الصحراء، وعلى رأس هذه الفضائح كشفه اليومي عن كون الجزائر الطرف الأساسي المعني والمسؤول عن استمرار هذا النزاع، ورفض بحث الحل السلمي العادل والنهائي له، بناء على المقررات الأممية الأخيرة التي حثت الجزائر على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع باقي الأطراف. ومن أهم ما تحقق للمغرب في عهدة تبون الرئاسية على العصابة، الانخراط الإفريقي التام في المبادرات المغربية الكبرى للتنمية في إفريقيا، بدءا بأنبوب الغاز نيجيريا المغرب، وانتهاء بمبادرة تمكين دول الساحل من ولوج المحيط الأطلسي بمشاريع تنموية هائلة قادمة وواعدة، انخرطت القوى العالمية الكبرى والمؤسسات التمويلية الدولية في دعمها والمشاركة في إرسائها وضمان نجاحها، فيما أدخل تبون الجزائر مع كل الأسف الممكن في مهالك وتراجعات، بل في ردة إلى الحرب المفتوحة في كل الاتجاهات، وعلى كل الحدود، من الحدود الليبية إلى الحدود النيجيرية إلى الحدود المالية والقادم أسوأ. فعن أي “فرائس” مغربية مرتعدة من عهدة ثانية لتبون العصابة تحكي الأبواق الدعائية الجزائرية الفاشلة في إقناع الشعب الجزائري بالمنجزات والانتصارات الوهمية، بل وإقناعه على الأقل بما جرى في الانتخابات التي ترتعد لها “فرائس” المغرب، من مهازل وكوارث لم يعرف لها مثيل في العالم، وعلى رأس هذه المهازل أن يخرج تبون الفائز بالأغلبية المطلقة بواسطة مديري حملته الانتخابية ببلاغ إلى الرأي العام الجزائري يدين التزوير وغموض الأرقام والنسب المائوية والإحصاءات المعلنة التي وصفها بالضبابية. لا أحد يصدق وفي غياب إشهاد دولي ولا مراقبين دوليين، كما هو معتاد ومعمول به في الاستحقاقات الانتخابية المحترمة، أن الأرقام المتناقضة التي يطعن فيها النظام نفسه ومنظومته المشرفة عليها، عن نسب التصويت والفرز والفوز، تحتاج إلى تأويل أو تفسير أو توضيح أو تبرير أو قراءة خارج المنظومة الفاسدة نفسها لعصابة شوهت مفهوم الدولة المسؤولة، دولة المؤسسات والحريات والحقوق، فبالأحرى أن لا تشوه انتخابات لا تعرف أصلا كيف تدير التزوير فيها بشكل غير مفضوح، فالفضيحة رأس مال العصابة ومشروعها أمام العالم.
فكيف يخيف المغرب من هذا شأنه وأمره مع استحقاق داخلي يهمه ويهم شعبه وسمعته ومكانته بين الأمم والشعوب، ولا شأن للمغرب به من قريب أو بعيد، إلا ما كان من اهتمام مواقع التواصل الاجتماعي والتيكتوكرات واليوتوبرات التي تخشى استبدال تبون بغيره، والحال أنه قد ضمن لهذه المواقع عهدة ثانية من الفرجة المسرحية التي ترفع نسبة المشاهدة والمتابعة للكوميديا السياسية الجزائرية التي تتربع اليوم في المرتبة الثالثة عالميا إبهارا وإدهاشا، في انتظار أن يبلغ بها تبون في الحلقات الجديدة من النسخة الثانية لعهدته مرتبة الصدارة بدون منازع.
ما يخشاه رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين يسعفهم تبون دائما بالإبداعات تلو الإبداعات في الكوميديا الساخرة، أن ينقطع هذا المدد، ومن ثمة شنوا حملة كبيرة داعمة لولاية ثانية أو لمسلسل كوميدي آخر للبطل تبون، يحمل معه كابسولات ساخرة جديدة ستتجاوز تحلية مياه المتوسط برمتها إلى تمليح اللحوم الفائضة عن الحاجة، وتحويل الرمال إلى أكياس سميد ودقيق وعلب حليب وزيت تصطف في طوابير لاقتناء مواطن.
فكونوا في الموعد مع القوة العالمية الثالثة الضاربة على خشبة المسرح الجزائري وفي السوريالية السياسية الدولية، وفي مسلسل كوميدي جديد من مليون ونصف حلقة كلها تشويق ومفاجآت وإبهار، يعاد بثها على مواقع التواصل الاجتماعي يوميا، وفرجة جديدة ممتعة على تبون والعصابة وعلى السوريالية السياسية الجزائرية المنقطعة النظير في قوة التمثيل والإبداع والاختراع. ولا تنسوا الضغط على الجرس والانهيار بالضحك، متذكرين ومستحضرين أن ثمة شعبا شقيقا بجوارنا تصيبه كوميديا العصابة في كل كابسولاتها وسيتكوماتها بضغط الدم وبانهيار عصبي لا مسؤولية لنا عنه.