مجتمع

حوار خاص مع محمد قمار رئيس المرصد المغربي لنبذ الإرهاب والتطرف وعضو المكتب التنفيذي للجامعة الوطنية للتخييم

حاوره : العربي وجعلا //

يعيش قطاع الطفولة والشباب عامة، والمخيمات بشكل خاص، حركة مد وجزر منذ جائحة فيروس “كورونا”، إذ عانى القطاع من آثار الحجر الصحي، بحكم أن جل أنشطته جماعية وتفرض تجمعات في فضاءات مشتركة.

تأثر التخييم بلا شك بالمرحلة، ولجأت الوزارة حينذاك إلى صيغ بديلة تلائم ظروف الحجر الصحي، ولكنها بحكم طبيعة التخييم كدينامية تربوية مفتوحة وجماعية وفضاؤها هو الهواء الطلق، (لكنها) ظلت محدودة، وإن ملأت الفراغ بعض الشيء، فعاش الطفل محنتين، محنة الحجر الصحي والدراسة عن بعد، ومحنة الحرمان من متنفس سنوي وهو المخيم الصيفي.

وفي سياق عودة الحياة التربوية إلى مسارها الطبيعي، عاش قطاع التخييم جملة من التحولات، أو على الأقل ما يمكن وصفه بنوايا القطاع الوصي في بلورة رؤية يصفها بالتجديدية لبنيات مناهج التكوين، ومسار “فلترة” وصف بالصارم، لأنه أبعد مجموعة من الجمعيات، ولأنه وضع معايير ربما لم ترض الجميع،  لكنها راهنت على محاربة الفوضى والاتجار في القطاع..

من هذا المنطلق، كان لنا حوار مع محمد قمار، عضو المكتب التنفيذي للجامعة الوطنية للتخييم ورئيس المرصد المغربي لنبذ الإرهاب والتطرف، قيادي مدني مخضرم، راكم تجرية مهمة في مجال التدبير التربوي المدني، مما أهله لتكوين رؤية حول مرحلتين، ومقاربة التحولات أو تنزيل النوايا وفق مؤشرات التحقق.

  • بصفتكم فاعلا مدنيا تربويا في مجال التخييم خصوصا، هل يمكن أن تعطينا موجزا عن تاريخ المخيمات بالمغرب؟

من الصعب الحديث بموضوعية عن تاريخ المخيمات بالمغرب خلال مئة سنة من التخييم، إذ المصادر تكاد تكون منعدمة، والدراسات التوثيقة إما محدودة أو مششتة، والفراغ في هذا المجال صارخ، وقد فطنت له الجامعة الوطنية للتخييم، مما جعل الجامعة  تدمج الإعلام والتوثيق والبحث ضمن استراتيجيتها، كما أنها بصدد توثيق ذاكرة المخيمات ضمن مشروع للجامعة الوطنية للتخييم، فمنذ تقلد الأخ محمد اكلوين مهام رئاسة الجامعة، راهن على إنشاء بنك للمعلومات ومراجعة تاريخية للمخيمات بالمغرب، وكان من نتائج هذا الرهان تدشين مركز الإعلام والتوثيق، الذي يعنى بالتواصل المدني والنبش في تاريخ المخيمات، وإعداد قاعدة بيانات ومعلومات محينة حول المخيمات بالمغرب، لهذا أدعوكم وأدعو كل باحث ومهتم لزيارة المركز، علما أننا في البداية، والمعلومات حول البدايات الأولى للمخيمات بالمغرب نادرة بسبب عدم وجود اهتمام بحثي وتوثيقي لهذه المرحلة. لهذا نراهن داخل الجامعة الوطنية للتخييم على تنشيط البحث الميداني والتاريخي للمخيمات، عبر تجسير مدني وارتباط بالجامعة المغربية، وحث الطلبة والباحثين على البحث الأكاديمي والميدان في مواضيع مرتبطة بالمخيمات، وأؤكد لكم بصفتي مديرا لمركز الإعلام والتوثيق التابع للجامعة الوطنية للتخييم، أننا نعيش مرحلة متميزة  للجامعة، بمشروع تربوي قوي، منسجم المدخلات وطموح المخرجات، بما فيها البحث العلمي وتطوير التدبير التربوي التخييمي والانتقال من مخيمات تقليدية إلى مخيمات تنتمي إلى زمنها وتفهم تطلعات وانتظارات الطفولة، كما أؤكد لكم وللقراء الكرام أن هناك فراغ كبير في بنك المعلومات المرتبط بدينامية التخييم بالمغرب، هذا الفراغ يجد مبرره في إغفال الفاعل العمومي والمدني التربوي لقيمة الذاكرة كمصدر للتطوير والتقييم والدراسة، هذا البياض المعرفي والتاريخي لم يمكن ملؤه بشذرات من هنا وهناك، بل كان لابد من وجود مأسسة العملية، وهنا تفتقت فكرة التوثيق العلمي وإرساء منظومة تواصلية توثيقية للبحث والدراسة وإشراك الباحث والجامعة في البحوث والدراسات حول التخييم معرفيا وتاريخيا، والأخ محمد اكلوين رئيس الجامعة الوطنية للتخييم بصدد إعداد تصور للتنزيل يؤسس لشراكات عبر عقد اتفاقيات مع الجامعات لجعل التخييم ضمن اهتمامات البحث العلمي. فنحن في حاجة للجامعة لتطوير منظومة التخييم منهجيا برؤى وتصورات جديدة، ومن هنا جاءت فكرة التجسير المعرفي مع البحث العلمي عبر مركز التواصل والتوثيق.

  • هل أنتم مطمئنون كجامعة للمسار الذي قطعته المخيمات عقب جائحة كورونا؟ وهل أثرت مرحلة جائحة كورونا على الفعل التخييمي؟

لا ننكر أن الفعل التخييمي تأثر بجائحة كوفيد 19، فهو فعل جماعي  مفتوح ومتعدد الفضاءات، لكن القطاع الوصي والجامعة الوطنية للتخييم، أنتجا صيغا بديلة حققت مؤشرات تربوية مهمة، لن أدعي بأنها عوضت الأداء التخييمي، ولكن يمكن القول إنها أجادت التفكير بدل الانتظارية، وكانت في قلب الحلول بدل خطاب الازمة، وكانت تلك الصيغ البديلة موضوع إعجاب مجتمعي. فنحن مثلا في المرصد المغربي لنبذ الإرهاب والتطرف، ووفقا لخارطة الطريق التي وضعتها الجامعة الوطنية للتخييم والقطاع الوصي، قمنا بأنشطة تربوية عن بعد، ثم قمنا بتجربة المخيمات الموطنة محليا، وكنا مترجمين للحلول البديلة بطرق مبتكرة.

أما في ما يخص الجانب الثاني من سؤالك فقد خرجنا من زمن كورونا أكثر قوة ونضجا، وكما تعلمون فالجامعة الوطنية للتخييم أعادت هيكلة مؤسساتها وجددت مشروعها المجتمعي التربوي وفق رؤية” مشروع تربوي لزمن مغربي جديد” ، بمعنى آخر، أن رؤيتنا للمخيمات تطورت، ومفهوم الشراكة مع القطاع الوصي لم ينحصر في التدبير المشترك، بل انطلقنا نحو زمن المشاورات الموسعة، والتدبير المشترك في تنزيل استراتيجية التكوين وفق الحاجيات والكفايات المطلوبة  لمخيم جديد دامج منصف يؤسس للقيم غير أقصائي، وشخصيا كعضو للمكتب التنفيذي للجامعة الوطنية للتخييم وكرئيس للمرصد المغربي لنبذ الإرهاب والتطرف، كنت في قلب هذا التحول في الرؤية وجزءا من التنزيل. باختصار، المخيمات تتغير بوتيرة سريعة لكن آمنة، فالرفع من الجودة انطلق بتحيين منظومة التكوين، وتأهيل البنيات التربوية، وتجديد الصيغ وأنماط التنشيط ودمج كل الأطفال وتمكين المرأة كفاعلة قوية في المنظومة.

  • عرف التخييم فضائح متعددة. هل لكم تصور لتطهير القطاع؟

أولا، لنصحح الأمر. الفضائح التي وقعت باسم التخييم، والتي كانت وراءها جمعيات فاسدة، لا علاقة لها بالتخييم ولا بالفعل التدبيري السنوي الذي تسهر عليه الوزارة بشراكة مع الجامعة الوطنية للتخييم، هي جمعيات تستغل الفراغ القانوني بل حتى التراخي من جهة سلطة الرقابة الإدارية المحلية، لتنظيم رحلات مع الإقامة إلى مناطق مع أطفال لا حول ولا قوة لهم، أسطر على رحلات، لأن المخيم أعقد تنظيميا وتدبيريا وتربويا مما يفعلون، إذن، هؤلاء لا علاقة لهم بالمخيمات التي تشرف عليها الوزارة والجامعة الوطنية للتخييم. ورغم ذلك، أؤكد لكم أن هذه السنة كان الاشتغال على معايير توزيع المخيمات صارما، من حيث مصداقية الجمعيات، وعدد فروعها وديناميتها التربوية ومشروعها التخييمي. الصرامة أفرزت جودة في الشريك المدني وشكلت تطويقا للفوضى ومحاربة للاسترزاق باسم الطفولة.

وعليه، فالفضائح تقع بعيدا عن الجامعة وطنية للتخييم، ودعوة الجامعة كان بلغة شديدة اللهجة للسلطات المحلية لمراقبة كل فعل جماعي من هذا النوع لا يتم وفق القانون وبعيدا عن الأجهزة الوصية.

  • ما هي أهم مظاهر التحول في التخييم؟

هي تحولات متعددة، أهمها تقوية وظيفة الشراكة وتوسيع مجالها، فالجامعة الوطنية للتخييم غدت بفضل رؤية الوزارة طرفا مركزيا ومهما في تنزيل استراتيجية التخييم، على مستوى تطوير منظومة التكوين التي عرفت تحولات مهمة منهجيا وتقنيا وكذلك من ناحية المحتوى، وعلى مستوى مؤسسات الاستقبال وفضاءات التخييم التي تعرف تحولات معماريا نحو مخيمات حداثية بمواصفات محترمة ولا ننسى أن الجامعة ترافعت عن رفع اعتمادات التغذية وصيغها، فارتفعت وتحرر المخيم من وظيفة المطعمة ليتفرغ للتربية  بتفويت التغذية للقطاع الخاص عبر صفقات عمومية، مما رفع من جودتها، أضف إلى ذلك أن المخيمات أصبحت  لها فضاءات  تنشيطية متنوعة  كالفضاء الرقمي، والجامعة تواكب هذه التحولات وتغنيها بالتحفيز والدعم، وتتبنى بشجاعة كل مبادرة جديدة تربوية، بما فيها الرقمنة والمخيمات الذكية…

  • انتم كمرصد ما هو رهانكم الكبير في قطاع التخييم

ما نؤكد عليه  دائما هو أن المرصد مؤسسة مدنية تربوية تأطيرية تشتغل على التربية على القيم، وهي جوهر عملنا، والمخيمات هي الفضاءات المناسبة مثل المؤسسات التعليمية لتصريف قيم التسامح والتعايش والمواطنة والاختلاف ولبناء شخصية منفتحة على الآخر، والمخيمات بالنسبة للمرصد المغربي لنبذ الإرهاب والتطرف هي محطة أساسية للتربية قيم الاعتدال والاختلاف والمساواة والإنصاف وتنزيل الدمج ومحاصرة بذرة الكراهية، فكما ترون المخيمات هي أفضل وسائلنا لبعث رسائلنا وتحقيق أهدافنا.

  • ما هو أكبر تحدٍّ لكم…؟

كجامعة وطنية للتخييم، الدمج والتمكين للمرأة والإنصاف والمساواة، وإرساء خطاب الأمل، وترسيخ الجدية وروح المسؤولية والاستمرار في تحديث بنيوي قوي بإرادة غير مهادنة  للدينامية  التخييمية، والرقي بالقطاع بتطهيره من الاسترزاق والوصولية والريع باسم الطفل، وتنزيل مشروع التربية على للقيم واعتباره أولوية في الاستراتيجية العمومية لتحصين الطفولة من خطاب الكراهية والتطرف.

  • كلمة أخيرة…

على الجميع أن يعتبر المخيمات جزءا من اهتماماته، كل القوى المدنية والسلطات العمومية والمنتخبة وحتى القطاع الخاص، لابد من تأسيس آلية لتمويل ودعم المشاريع الكبرى المرتبطة بالطفولة والشباب كصندوق وطني يتم تمويله من الدولة، أو ضريبة رمزية على القطاع الخاص أو أي جهة بإمكانها المساهمة، وعلى المجالس المنتخبة أن تتحمل مسؤولية الدعم مباشر، أو عبر تحويلات تحددها السلطة الوصية لهذا الصندوق، فالميزانية القطاعية غير كافية والجميع مسؤول حينما يتعلق الأمر بالطفل والشاب والمرأة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق