لا قمة بعد اليوم
بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //
أقفل الاتحاد الإفريقي نهاية الأسبوع الفارط على وقع حدث بارز لا يمكن الاستهانة به أو تجاهله، وسيكون له ما بعده بالنسبة لقضية الصحراء المغربية، التي ورطت العصابة الحاكمة في الجزائر أجهزة الاتحاد الشرعية في إقحام كيان وهمي لا شرعية له داخلها، خلال فترة من الفوضى وظروف من الارتباك والانقسام والابتزاز، واليوم بعودة الوعي إلى هذا الاتحاد القاري شرع تدريجيا في تصفية تركة من النزاعات المقحمة والأزمات المفتعلة التي عطلت مسيرته الوحدوية والتعاونية البينية والخارجية. فبعد القرار التاريخي منذ أعوام والذي اتخذه جهاز من أجهزة الاتحاد في ميدان كرة القدم وهو الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، والقاضي بمنع أي كيان محسوب على القارة الإفريقية لا يتمتع بصفة الدولة المنتمية إلى الأمم المتحدة من الانضمام إلى الاتحاد الكروي الإفريقي، حيث تمت المصادقة بإجماع في مارس من العام 2021 وخلال الجمع العام العادي للكاف، على بند في قانونه الأساسي يقضي بعدم قبول منح العضوية لكيان غير عضو في هيئة الأمم المتحدة، وغير معترف به كدولة، بالتنصيص حرفيا في المادة الرابعة من القانون على أن “الاتحاد الإفريقي لكرة القدم مفتوح لجميع الطلبات المقدمة من الاتحادات الوطنية الإفريقية كممثلين رسميين لإدارة كرة القدم في بلد معترف به كدولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة”، فيما كانت تنص نفس المادة في القانون القديم على أن “الاتحاد الإفريقي لكرة القدم مفتوح لجميع مرشحي الرابطات الوطنية الإفريقية كممثلين رسميين يديرون شؤون كرة القدم في بلدانهم”.
ومنذ ذلك الحين وإلى غاية اليوم، قطعت الكونفدرالية الإفريقية الطريق بصفة نهائية على كل المحاولات الجزائرية الرامية إلى توسيع فرض هذا الكيان الوهمي داخل الاتحاد، ولو من باب الرياضة واللعبة الكروية.
وكامتداد لهذا القرار، وفي خط متواز مع الشرعية الدولية ومع قوانين المنظمات والهيئات القارية والدولية، وبعد التجارب الإفريقية المريرة في مجال الشراكات الاقتصادية والتنموية الدولية الكبرى، التي تعطلت فيها مصالح إفريقيا بسبب من الإقحام الدائم في القمم والاجتماعات الإفريقية الدولية المشتركة، لكيان وهمي لا أرض له ولا مكان ولا مكانة ولا شرعية ولا وزن ولا قيمة مضافة غير افتعال النزاعات والأزمات، وإفساد العلاقات بين الدول والشعوب، واستنزاف الجهود والطاقات والأموال، وخدمة أجندة العصابة الجزائرية المتوافقة مع التوجهات الاستعمارية البائدة المعاكسة للوحدة والاتحاد الإفريقيين، أقدم الاتحاد الإفريقي في اجتماع الدورة الخامسة والأربعين لمجلسه التنفيذي المنعقدة بالعاصمة الغانية أكرا، على تبني قرار استبعاد مشاركة الكيان الانفصالي الوهمي المسمى ببوليساريو في أي محفل دولي يجمع الاتحاد بشركائه الدوليين، بناء على ما تمت ملاحظته فشل العديد من القمم الإفريقية الدولية في تحقيق أي تقدم في مجال التعاون والشراكات بسبب من الأزمات التي يحدثها إقحام الكيان الوهمي في الاجتماعات والحرج الذي يخلقه الاتحاد لشركائه الدوليين في فرض استضافة هذا الكيان الذي لا يتمتع بأية شرعية ولا تعترف به الدول الشريكة ولا فائدة أو مصلحة تجنى من ورائه كشريك لا قرار له وليس في ملكه ما يمكن أن يتقاسمه أو يتبادله مع دول وشعوب منتجة تملك قرارها وسيادتها كاملة في توقيع معاهدات أو المساهمة في مشروع أو برنامج تعاوني، كما ليس له ما يقدمه أو يؤخره في النقاش التنموي اللهم إلا ابتزاز المساعدات والتشويش على الشراكات وتعريضها للضرر، مثلما وقع مع الشراكة الإفريقية واليابانية (تيكاد) التي انتهت قمتها في تونس بالإساءة لكل الشركاء وتعطيل مسار تعاوني مثمر وواعد، لمجرد الترويج لصورة حضور بوليساريو في هذا الاجتماع، وإضفاء الشرعية على استقبال زعيمه بحفاوة من قبل الدولة التونسية المستضيفة، الأمر الذي دفع اليابان وعددا من شركائها الأفارقة من الدول الداعمة للوحدة الترابية للمغرب، إلى نفض يدها من هذه القمة الموتورة، والتوجه بدلها إلى شراكات ثنائية مع اليابان في انتظار رفع هذه الغمة عن الأمة الإفريقية.
وفي هذا السياق، ينبغي أن لا ننسى أيضا الخطوة الرائدة التي أنجزها الاتحاد الإفريقي في قمة نواكشوط بموريتانيا في يوليوز من عام 2018، حينما تبنى القرار 693، الذي تم بموجبه تأكيد “الاختصاص الحصري للأمم المتحدة” لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، مع إنشاء آلية “الترويكا” لدعم جهود الأمم المتحدة من أجل إيجاد تسوية لهذا النزاع، سادا الباب بذلك أمام المناورات المستميتة لإقحام الاتحاد الإفريقي في النزاع.
لقد اتخذ الاتحاد الإفريقي القرار المناسب والمتوافق مع مسار كنس البيت الداخلي الإفريقي، لمنع تكرار أزمة “تيكاد” وأزمات أخرى تهدد الشراكات الإفريقية الدولية الواعدة والصاعدة، التي لا يمكنها أن تنجح في ظل استمرار العبث الانفصالي للعصابة الحاكمة في الجزائر في مصائر الدول والشعوب الإفريقية، حيث لم تترك بابا للفتنة إلا وطرقته، ولا جريمة إلا وارتكبتها في حق إفريقيا وفي حق الاتحادات الإقليمية التي سممتها بالفيروس الانفصالي، ومنعت تقدمها ونهضتها وتعاونها واتحادها.
واليوم إذ يدق الاتحاد الإفريقي مسمارا آخر في نعش الكيان الانفصالي فإنه بات، عبر تتابع وتدرج قراراته في استبعاد هذا الكيان من الفضاء الإفريقي، أقرب من أي وقت مضى للتخلص منه نهائيا وإقبار مرحلة مشبوهة، ووضع شاذ في تاريخه فرض عليه فيه بفعل المناورات والمؤامرات التي حيكت في ليل، أن يمنح عضوية مسروقة ومختطفة لهذا الكيان الوهمي الذي لا يتمتع بأي اعتراف دولي أو عضوية في هيئة الأمم المتحدة، وهي العضوية التي باتت شرطا لازما لأي دولة منضوية في هيئة قارية أو منظمة تعاونية أو محفل دولي للتمتع بحق المشاركة أو التصويت أو توقيع اتفاقات أو معاهدات.
لم تكن هذه الأحداث المتتابعة والمتلاحقة، معزولة ولا عشوائية ولا عابرة وإنما هي نتيجة تعاون مغربي إفريقي لتصحيح وضع شاذ، واقتناع تام بضرورة توافق اللوائح القانونية والتشريعية والتنظيمية للاتحاد الإفريقي مع الشرعية الدولية ومع القوانين والتشريعات والتنظيمات الموازية لها في المنظمات والهيئات الدولية والقارية الأخرى، وحصاد جهد ديبلوماسي مقنع، بذله المغرب في سبيل نزع فتيل العدوان على الشرعية والمصداقية الإفريقيتين، وإحباط المناورات والمؤامرات داخل أروقة الاتحاد الإفريقي الذي بات قاب قوسين من عودة الروح الوحدوية إليه، وتمكين دوله الأربع والخمسين من حقها في اجتماع الكلمة، ونبذ الأحقاد والضغائن وإسكات نزعات الشر والحرب والقطيعة التي تستثمر فيها بقوة عصابة تحكم دولة بجوارنا، وتمسك بخناق شعب شقيق شريك الكفاح والحرية والشهادة، يتطلع إلى تقرير مصيره، واسترداد ثورته وثروته. الخلاصة أن الدمى المتحركة للعصابة في رمال تيندوف وأذرعها في نسف التعاون الإفريقي، لن تحلم بعد اليوم بحضور قمة من القمم الدولية المشتركة بين الاتحاد الإفريقي ودول المعمور واتحاداتها، وأن نهايتها تقترب لكنسها كلية من عضوية هذا الاتحاد إلى غير رجعة وإلى مزبلة التاريخ.