تدابير وبرامج الحكومة.. مرصد يكشف الاختلالات ويضع توصياته
حليمة المزروعي //
سجل مرصد العمل الحكومي وجود ارتباك فيما يتعلق بتدبير البرامج الإرادية الجديدة للتشغيل وعدم وضوح نتائجها وانعكاساتها على وضعية التشغيل، حيث وصلت نسبة البطالة إلى 13 في المائة سنة 2023، وخاصة برنامج “فرصة” الذي رافقته مجموعة من الاحتجاجات القوية من طرف المستفيدين، وغياب أي معطى ملموس حول نتائجه، مشيرا إلى سلبية الامتناع الحكومي عن التدخل للحد من الانعكاسات الاقتصادية القوية لارتفاع أسعار المحروقات على المواطنين عن طريق تخفيف الضغط الضريبي الذي يناهز 40 في المائة من سعر البيع أو عن طريق فرض ضريبة على شركات المحروقات.
ولاحظ المركز غياب الإرادة لدى الحكومة لمواجهة مختلف أشكال المضاربة والاحتكار التي تهيمن على سلاسل توزيع وبيع المواد الغذائية، وخاصة المنتجات الفلاحية وانعكاساتها السلبية على القدرة الشرائية للمواطنين، والتأخير غير المبرر لإصلاح أسواق الجملة، موضحا أنها تملصت من تنفيذ التزاماتها المتضمنة في الحوار الاجتماعي، وخاصة تلك المتعلقة بالزيادة العامة في الأجور، وتخفيف العبء الضريبي على أجور العاملين والموظفين، مما بات يهدد السلم الاجتماعي ويدفع إلى تنامي الحركات الاحتجاجية، خصوصا في ظل التعامل الانتقائي للحكومة مع القطاعات الحكومية فيما يتعلق بتنفيذ هذه الالتزامات.
ولم يفت المرصد الوقوف على التدبير الحكومي للاحتجاجات العمالية، والذي نعته بالسلبي، خاصة إضرابات قطاع التعليم، التي أبانت خلالها الحكومة عن افتقارها للبعد السياسي واعتمادها على مقاربة تكنوقراطية محضة، دفعت إلى تعطيل أحد أهم المرافق العمومية لمدة تزيد عن 3 أشهر، وعن إضعاف التمثيلية المؤسساتية للمنظومة الاجتماعية، وظهور صيغ تمثيلية جديدة بدون أي شرعية قانونية، مما بات يهدد المبادرة الإصلاحية للحكومة في ظل النتائج المادية والسياسية المكلفة التي دفعتها لحل هذا الملف، على حد تعبيره.
ولم يقف المرصد عند النواقص فقط ،وإنما ذكر الإيجابيات والجهود المبذولة، حيث أشاد بالتزام الحكومة بتنزيل ورش الحماية الاجتماعية في شقيه المتعلقين بتعميم التأمين الإجباري عن المرض وتعميم التعويضات العائلية، في احترام للآجال الملكية الموضوعة لذلك، وإعادة تفعيل الحوار الاجتماعي بعد سنوات من التوقف ومأسسة آلياته وضبط مواقيت انعقاد دوراته ولجانه، وتوقيع اتفاق اجتماعي جديد في 30 أبريل 2022، بالإضافة إلى سعرها لتحسين العرض الصحي والالتزام بتعميم بناء المستشفيات الجامعية في مختلف جهات المملكة، والزيادة في عدد المعاهد وكليات الطب والصيدلة قصد الرفع من الموارد البشرية في القطاع.
وفي شأن عملية التضخم نوه المرصد بإيقاف استيفاء الضرائب على عدد من المواد الاستهلاكية والفلاحية التي لها علاقة مباشرة بالاستهلاك اليومي للمغاربة، مشيرا إلى أن دعم مجموعة من القطاعات المتضررة من الأزمة الاقتصادية خاصة القطاع السياحي، ومساهمته في استقرار القطاع، والحفاظ على مناصب الشغل المحدثة وتجاوز الأزمة، مكن من تجاوز الأزمة وتحقيق نمو بلغ أزيد من 14.5 مليون سائح سنة 2023 ومداخيل قياسية بلغت 104 مليارات درهم.
وشملت إشادة المركز أيضا التفاعل السريع للحكومة مع تنفيذ التوجيهات الملكية بخصوص التسريع بإنجاز المشاريع الاستراتيجية المتضمنة في المخطط الوطني للتزود بالماء 2020 -2027، والرفع من الغلاف المالي المخصص لها من 115 مليار درهم إلى 143 مليار درهم، وهو ما سيساهم بقوة في التخفيف من حالة الإجهاد المائي التي يعاني منها المغرب.
وشدد المرصد في تقريره على أهمية المقاربة الجديدة المعتمدة من طرف الحكومة في دعم السكن، من خلال التوجه نحو دعم الطلب بدل العرض، ما يضمن نجاعته ووصوله للفئات المستحقة، مشيدا بتوسيعه ليشمل الطبقة المتوسطة، مسجلا في هذا الإطار ضعف الغلاف المالي المخصص لذلك والمقدر بقيمة إجمالية تصل إلى 9.5 مليارات درهم، وهو ما لا يتماشى ومستوى العجز المسجل في السكن بالمغرب والذي يفوق مليون شقة.
بالمقابل، أوصى المركز، بضرورة عمل الحكومة على خفض مستويات المديونية المقلقة التي باتت تتجاوز 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام وهو ما قد يرهن الاستقلالية المالية للبلاد، وذلك عبر إصلاح عميق لقانون المالية، وتخفيف الضغط على المالية العمومية والرفع من مستويات إنجاز الإصلاحات الاقتصادية والمالية المتوافقة مع أهداف وتوجهات النموذج التنموي الجديد، وخاصة تلك المتعلقة بمضاعفة الاستثمار الخاص ليصل إلى ثلتي نسبة الاستثمار، مع ضرورة تبني الحكومة للإجراءات الاستشرافية للأزمات الاقتصادية المحتملة، وانعكاساتها الاجتماعية المؤلمة، خاصة في ظل استمرار وضعية اللايقين الاقتصادي على المستوى العالمي واستمرار موجة الجفاف التي تحولت إلى معطى بنيوي بالمغرب.
ودعا المرصد إلى عدم الاستمرار في التوجهات الحالية التي أبانت عليها الحكومة في تدبير الأزمات الحالية، عبر التدخل المتأخر لحل تداعيتها القوية على المواطنين، مطالبا بتعزيز تبني الحكومة للمقاربة التشاركية في إنجاز مختلف الأوراش والإصلاحات، والابتعاد عن المقاربات الفردية التي طبعت تدبيرها لمجموعة من الملفات، بما يعزز ثقة المواطنين ويضمن انخراطهم الإيجابي في مختلف الأوراش الإصلاحية.
وشدد المرصد على تسريع الإصلاحات المتعلقة بالانتقال الرقمي، بما يعزز شفافية المرفق العام ويضمن سهولة وسلاسة الولوج إلى الخدمات العمومية من طرف المواطنين، وتبني الحكومة لتصور تواصلي مسؤول وأكثر قدرة على الوصول إلى مختلف شرائح المجتمع، ووضع خطة وطنية عاجلة لمواجهة كافة أشكال الفساد والريع وانعكاساتهما السلبية على الأداء الاقتصادي والمؤسساتي الوطني، وبلورة الحكومة لإرادة قوية تنعكس من خلال إجراءات واضحة وملموسة في هذا الاتجاه.