تسريع وتيرة السقوط

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //
في الوقت الذي يعتبر فيه رئيس نظام العصابة الحاكم في الجزائر في آخر خرجة إعلامية له أو بالأحرى آخر هلوساته وهذياناته، أن التصرف في مواعيد الانتخابات الرئاسية الجزائرية بالتعجيل بها وتقديمها، هو مجرد مسألة تقنية، لا ينبغي إخضاعها لأية قراءة أو تأويل أو حتى مساءلة أو تبرير أو بحث عن الأسباب والدواعي والخلفيات، مثلما تفعله المجتمعات الدولية التي تحترم نفسها في مثل هذه المستجدات والنوازل، كما اعتبر السؤال عن حظوظ نجاحه في الانتخابات واحتمال مغادرته كرسي الرئاسة، بأنه سؤال من توجيه مرضى في قلوبهم مرض، ودعا عليهم بقوله:” زادهم الله مرضا”، فإنه قام بالمقابل بتوجيه الأنظار إلى ما يمكن اعتباره بالفعل أمرا حيويا وجوهريا للجزائر، والذي يتمثل في قضية الصحراء ودعم ميليشيا البوليساريو، وحيث إنه يشغل مزيدا من المساحة والحضور في السياستين الداخلية والخارجية للجزائر، مع أنه لا يعنيها في شيء، وأنه مطروح على أنظار المنتظم الأممي، وأن الجزائر ليست طرفا فيه، كما تصرح بذلك العصابة في أحد أقوالها، اللهم إلا ما كان من وراثة وتوريث أحقاد دفينة للأجيال الجديدة، وتصريف عدوان دمر نفوس الجزائريين وخرب علاقاتهم بجوارهم، وعطل عقولهم، ورهن مستقبلهم ومقدراتهم، واستنزف طاقات الدولة الجزائرية وخزائنها وديبلوماسيتها طيلة نصف قرن من تبني هذا العدوان الغادر الذي تكرس كلازمة وعقيدة وعقدة مستحكمة في كل حركات وسكنات وتسبيحات العصابة، وإلى غاية اليوم لم يحقق نظام العصابة بهذا التبني والتكريس للعدوان على الوحدة الترابية للمغرب أيا من أهدافه الخبيثة التي ظنها، يوم افتعل أطروحة الانفصال ودعمها، أنها مجرد جولة سريعة، ونزهة قصيرة وصولة خاطفة تعزل بها العصابة المغرب عن عمقه ومحيطه، وتطوقه وتحاصره بكيان وهمي، ومن ثمة تمهد لإسقاطه صريعا سريعا تحت جنازرها وخناجرها وميليشياتها وأزلامها. فدامت الجولة أو النزهة الخاطفة نصف قرن من التيهان والشرود وتجريب أسوأ السيناريوهات الممكنة، لتجد العصابة نفسها مطوقة بدماء الجزائريين التي سفكتها تحت أحذية العساكر، وبدموع الثكالى واليتامى من ضحايا التهور والعربدة، تسف التراب والرمال من غير أن تجد لها منفذا لاختراق المغرب من جنوبه الصامد المستهدف بمؤامرات الانفصال، الذي مدت فيه كل الطرقات والسبل والانفتاحات والانفراجات نحو المستقبل الآمن والزاهر، ونحو العالم وفي اتجاه العمق الإفريقي، فاصطنعت العصابة لها مشاريع عدوانية جديدة ونسخة بئيسة وموازية لمواصلة العدوان ومخططات الاختراق هذه المرة من شمال المغرب الأبي، بافتعال قضية انفصالية جديدة وبديلة باسم حركة لاستقلال ساكنة الريف المغربي. وإذ لم يعيي العصابةَ غباؤُها، بتكرار السلوك الانفصالي والتخريبي نفسه الذي أودى بها في المهالك، فإنها تحاول جاهدة ويائسة من جهة أخرى أن تفك الحصار والعزلة عنها، بسقوط أخلاقي ديبلوماسي جديد صرح به رأس النظام في خرجته الهذيانية الأخيرة، والمتمثل في تفكيك الاتحاد المغاربي ونخره وتسميم جسمه، باقتراح تكتل إقصائي وعدواني جديد بدون مشروع وحدوي واضح ولا أفق سياسي أو اقتصادي معتبر، اللهم إلا ما كان من إرضاء لغرور العصابة وتسكين لهلوساتها وغضبها ومحاولة لفك العزلة الإقليمية عنها، ويتمثل هذا التكتل في اختلاق كيان وهمي ضعيف مشكل من دولتين أو ثلاث دول مغاربية، غير مقنع حتى لهذه الدول التي استشارتها العصابة وسايرتها أنظمتها الحاكمة منحنية لقدر ابتلائها بجوار مجنون، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
ترك رئيس نظام العصابة كل المشاكل التي تتخبط فيها سياسته الداخلية والخارجية، وتدبيره الفاشل لمصالح البلاد والعباد، وتخفف منها بالدعاية لأرقام فلكية مستحيلة كاذبة خاطئة ومزورة عن مليارات من الهكتارات المزمع فتح مزارع لمسحوق الحليب فيها، ومليارات من أطنان حصاد الحبوب، ومليارات من الأمتار المكعبة من مياه التحلية، ومليارات من عملة الدولار… وعن ما بدأت وستبدأ الجزائر جنيه من أرباح في السنوات المقبلة من نتاج عمل لم يشرع فيه ولم تلح في الأفق بوادره وبشائره، ومخطط لم يخط، وأوراش ومشاريع لم تفتح إلا في الخطب الحماسية وفي الدعايات الإعلامية المصابة بإسهال الإحصائيات والأرقام المفبركة. ومن مستحيلات هذه الأرقام الكاذبة ما أعلنه رئيس النظام من أن الناتج الداخلي الخام سيتجاوز 400 مليار دولار في نهاية 2025، بنسبة نمو تصل إلى 80 في المائة؟؟؟
لو أن العصابة تفرغت لتحقيق هذه الأرقام المستحيلة والأسطورية، وتنزيل مخططات أجرأتها بكل ما أوتيت من إرادة وجهد وعزيمة وقوة، ورفعت من مستوى التعبئة لكسب الرهانات ومواجهة التحديات، وتفرغت لما يشغل الجزائريين من الحريات المقموعة، والثروات المنهوبة، والتنمية المعطلة، والطوابير الممتدة، والمفاسد المستشرية، والدولة المدنية المؤجلة، والانتخابات المزورة، والديموقراطية المستبعدة، والعسكرة المستفحلة، والسمعة المنحطة بين الأمم والدول، لكان ذلك المستحيل التنموي أقرب إلى التحقيق من أطروحة الانفصال في المغرب. فإذا لم تكن الجزائر قد جنت من هذه الأطروحة، طيلة نصف قرن، نتيجة تذكر إلا إضعاف مؤسساتها والقضاء على الدولة الجزائرية وتحكيم حمقى ومجانين ومخربين في رقابها، فإنها بالضرورة لن تجني منها فيما تبقى من عقود لإكمال قرن على العدوان المتواصل، أية نتيجة مغايرة أو احتمال لقلب موازين الخسارة إلى ربح نهائي.
لقد خسرت الجزائر، دولة ومؤسسات وشعبا، نفسها مع نظام العصابة، وأي استمرار في نفس النهج المسدود أو السبيل المقطوع أو العمل المردود المرتد على صاحبه، وانتظار نتائج إيجابية مغايرة، لن يكون إلا سباحة ضد التيار ومعاكسة لمنطق التاريخ، وسيرا نحو المجهول، بل تسريعا لوتيرة السقوط الأخلاقي والسياسي للعصابة الغبية التي تنتظر نتائج عكسية ناجحة من إعادة تسخين وتسخير المخططات نفسها التي أودت بها، لنصف قرن من التكرار والاجترار والجمود، في الفشل تلو الفشل في كل محطات الصراع ضد المغرب واستهدافه في مقومات وجوده ومقدساته ووحدته، وحيث لا يزيد المغاربة قدَر ابتلائهم بمجاورة عصابة من قطاع الطرق وشذاذ الآفاق والحمقى والمغفلين، إلا ثباتا وإيمانا بعدالة قضايا وحدتهم الترابية وعلى رأسها مغربية الصحراء.