يُورث الفقر ويُقرب من “الموت”.. تقرير رسمي صادم يحذر من مخاطر “تزويج الطفلات”

العربي وجعلا //
حذر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في رأي حول “زواج الطفلات وتأثيراته الضارة على وضعهن الاقتصادي والاجتماعي”، من المخاطر الصحية التي تهدد حياة الطفلات المتزوجات وأطفالهن، داعيا إلى الإسراع بـ”وضع حد لتزويج القاصرات بمختلف أشكاله، الذي يلحق الضرر أساسا بالفتيات بوصفهن نساء المستقبل”.
أولى المخاطر التي ذكرها الرأي، الذي تم تقديم مخرجاته خلال لقاء تواصلي أول أمس الثلاثاء بالرباط، تتعلق بـ”تعرض الأمهات المراهقات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 10 و 19 سنة لقدر أعلى من احتمالات الإصابة بتسمم الحمل والتهاب بطانة الرحم النفاسي وأنواع العدوى الجهازية، مقارنة بالنساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 20 و 24 سنة”.
وأضاف المجلس، أنه “على الرغم من انخفاض معدل وفيات الأمهات في المغرب، إذ تراجع من 112 وفاة لكل 100 ألف ولادة خلال 2009-2010 إلى 72,6 وفاة لكل 100 ألف ولادة في الفترة 2015-2016، إلا أنه ما زال مرتفعا في الوسط القروي، حيث يصل إلى 111,1 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية”.
وتابع المجلس، أنه “وبالنظر لارتفاع عدد حالات زواج القاصر في الوسط القروي، فإنه من المفيد دراسة ما إذا كانت هناك علاقة بين وفيات الأمهات والزواج المبكر، لا سيما أن المعطيات في هذا الشأن غير متوفرة حاليا”.
وينضاف إلى هذا الأمر، يورد المجلس، المخاطر الصحية التي تتهدد المراهقات وأطفالهن بسبب عدم المباعدة بين الولادات، مشيرا إلى أن النساء المتزوجات المنتميات للفئة العمرية بين 15 و 19 سنة، يعتبرن أقل الفئات لجوء لاستخدام وسائل تنظيم الأسرة.
ونقل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن دراسة تشخيصية لرئاسة النيابة العامة بإقليم أزيلال، أن “حوالي ثلث النساء (26.7 في المائة) المشمولات بالدراسة أنجبن بالمنزل، وهو ما يزيد حدة مخاطر الوفاة أو وفاة الرضيع التي تتعرض لها هذه النساء”.
وحذر المجلس، في هذا السياق، من أن حملهن في تلك السن ينطوي على درجة عالية من الخطورة.
المجلس، توقف أيضا، وهو يحذر من مخاطر زواج الطفلات، عند تعرض القاصرات بشكل كبير للعنف الأسري والزوجي، والجسدي والجنسي واللفظي، مع كل ما قد ينجم عن ذلك من آثار معروفة على المستويين الجسدي والنفسي، من قبيل “الحرمان من الحرية والتعرض لإصابات جسدية والاكتئاب واضطرابات القلق والانتحار”.
وأشار المجلس، في هذا الصدد، إلى المسح الوطني حول السكان وصحة الأسرة لسنة 2018، والذي جاء فيه “أنه إذا كانت النساء اللواتي تقل أعمارهن عن 25 سنة، يتعرضن، على غرار النساء الأكبر سنا، للعنف النفسي المتضمن للعنف اللفظي (94,4 في المائة)، فإنهن في المقابل أكثر عرضة للعنف الجسدي بنسبة 27,2 في المائة مقابل 20,7 في المائة لدى النساء من الفئة العمرية 25-34 سنة و18,5 في المائة في صفوف النساء المنتميات للفئة العمرية 34-49 سنة”.
وبحسب المصدر ذاته، فإن الشخص الممارس للعنف يمكن أن يكون الزوج (43,5 في المائة) أو أهل الزوج (36,4 في المائة) أو شخص من خارج الأسرة (28 في المائة).
وأشار الرأي إلى أن نسبة كبيرة من النساء اللاتي تقل أعمارهن عن 25 سنة (77,5 في المائة) يتعرضن للعنف داخل منازلهن.
المجلس الذي استند في رأيه إلى تقارير وطنية ودولية، نبه أيضا إلى أن أطفال الأمهات المراهقات يواجهون هم كذلك قدرا أعلى من احتمالات انخفاض الوزن عند الولادة، والولادة المبكرة، والاعتلالات الوليدية الوخيمة، محذرا من ارتفاع حالات الوفيات قبل الولادة ووفيات حديثي الولادة والرضع والأطفال.
وقال المجلس في هذا السياق، إنه “عندما يكون سن الأم عند الولادة أقل من 25 سنة يسجل ارتفاعا في وفيات حديثي الولادة (14,9 في الألف، مقابل 13,56 في الألف كمتوسط وطني)، ووفيات الرضع )20,6 في الألف، مقابل 18 في الألف كمتوسط وطني) ووفيات الرضع والأطفال (24,3 في الألف، مقابل 22,16 في الألف كمتوسط وطني)”، لافتا إلى أن معدل المواليد الموتى ووفيات حديثي الولادة يظل مرتفعا بشكل كبير لدى أطفال النساء اللواتي يقل عمرهن عن 20 سنة، حيث يبلغ هذا المعدل 105,4 في الألف، مقابل 24,9 في الألف على المستوى الوطني.
وعلاوة على تهديده لصحة الطفلات، نبه المجلس الاقتصادي والاجتماعي في رأيه، إلى التأثير السلبي الكبير للزواج المبكر على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للفتيات بوصفهن نساء المستقبل، من خلال إقصائهن من منظومة التربية والتكوين ومن ثم حرمانهن من فرص المشاركة الاقتصادية.
بالإضافة إلى ذلك، حذر المجلس من أن استمرار ظاهرة تزويج الطفلات قد يؤدي إلى التوريث الجيلي للفقر والتفاوتات بين الجنسين.
وأفادت المؤسسة الدستورية بأن أغلب الفتيات اللاتي يتم تزويجهن تنحدرن من وسط فقير ويعشن في العالم القروي ولديهن مستوى تعليمي ضعيف أو ضعيف جدا.
وإعمالا للمصلحة الفضلى للطفل ونهوضا بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بالإسراع بوضع حد لتزويج الأطفال بمختلف أشكاله، والذي يلحق الضرر أساسا بالفتيات بوصفهن نساء المستقبل، وذلك من خلال اعتماد إستراتيجية شاملة ترتكز على ثلاثة محاور تتعلق بملاءمة الإطار القانوني مع الدستور والاتفاقيات الدولية، ومحاربة الممارسات الضارة بالأطفال، وكذا وضع نظام معلوماتي من أجل تتبع وتقييم التقدم المحرز في مجال القضاء على الممارسة المتعلّقة بتزويج الطفلات.
وفي هذا الصدد، دعا المجلس إلى ملاءمة أحكام مدونة الأسرة مع الدستور واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، مشددا على ضرورة “المنع الصريح”، في مدونة الأسرة، لجميع أشكال التمييز ضدّ الأطفال، انسجاما مع الفصل 32 من الدستور، مع نسخ المواد 20 و21 و 22 من المدونة الأسرة التي تفتح الباب أمام الاستثناء في تطبيق قاعدة سن أهلية الزواج.
كما طالب المجلس بإدراج تزويج الطفلات عبر عقود «الكونطرا» ضمن مشمولات القانون رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، التي ينبغي تجريمها ومكافحتها.
وأوصى أيضا بوضع نظام معلوماتي مندمج من أجل تتبع وتقييم التقدم المحرز في مجال القضاء على الممارسات المتعلقة بتزويج الطفلات. ونادى المجلس بضرورة إعداد تقرير سنوي، تقدمه السلطة الحكومية المكلفة بالطفولة أمام اللجن المعنية بمجلسي البرلمان، حول تطور وتيرة تزويج الطفلات والتدابير المتخذة في إطار السياسات العمومية ذات الصلة للحد من أسباب اللجوء إلى هذه الممارسة.