قضايا وآراء

نظام غير جدير بالثقة

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //

رغم بيانات العصابة الحاكمة في الجزائر خلال لقاءاتها الدولية، وفي عدد من تصريحاتها الوهمية حول نجاحات سياستها الخارجية، وتطابق وجهات نظرها مع الدول الوازنة والمؤثرة، وحول عودة الديبلوماسية الجزائرية بقوة إلى الساحة الدولية، وجعلها البلد قطبا محوريا للسلام في العلاقات القارية والعربية والدولية، إلا أن الوعي الدولي والإقليمي والقاري والعربي يزداد يوما بعد يوم تأكدا من أن هذا النظام البائس كاذب ومخادع ومخاتل ومضلل وغاش لكل من وثق في التزاماته وعهوده. فهو يصبح على رأي وموقف ويمسي على غيره من المواقف، ويتنكر لكل التزاماته، ويغالط المجتمع الدولي بما يقدمه ويؤخره من مواقف حسب أهوائه، وما يكيل به من مكاييل متعددة في القضية الواحدة أو في ما يشبهها من قضايا، فهو مع مبدأ تقرير المصير للشعوب، ثم يرفضه لكل شعوب الأرض ويخص به كيانا وهميا خلقه ورعاه وغذاه ليكون حصاة مزعجة ومقلقة في حذاء المغرب، وخنجرا مسموما مغروسا في ظهر الاتحاد المغاربي، وعقبة كأداء في نهضة الاتحاد الإفريقي. ويصرح صباح مساء بأنه ليس طرفا في النزاع المفتعل حول الصحراء، وأن قضية هذا النزاع معروضة على لجنة تصفية الاستعمار بالأمم المتحدة، وعلى أنظار مجلس الأمن والمنتظم الأممي، وأنه ينتظر كما باقي دول المعمور مسار ملف النزاع في أروقة هذا المنتظم، ثم إذا به وهو يصرح بهذا الموقف الدعائي الغاش للمجتمع الدولي، يقرر بشكل أحادي مصير النزاع، بإقامة دولة وهمية للكيان الانفصالي على الأراضي التابعة إداريا لهذا النظام، برئيس ووزراء من ورق وجيش من المرتزقة مسلحين وصلت بلاغات حربهم المعلنة من الجزائر في العامين الأخيرين إلى أزيد من ثمانمائة بلاغ وهمي للهجوم والقصف والتدمير والقتل ودك خنادق “العدو”.

نظام تؤكد واجهته المدنية أنه ليس طرفا في هذا النزاع وأن أرضه هي مجرد أرض لجوء، ومع ذلك يرفض إحصاء اللاجئين من قبل الوكالة الدولية لغوث اللاجئين، وتحديد هوياتهم ومنحهم بطاقات اللجوء، مع كل ما يترتب عليها من حقوق للاجئين في التنقل والاختيار والحرية وحفظ الحد الأدنى من الكرامة والعيش الآمن، ويضرب طوقا شديدا على مخيمات هؤلاء المحتجزين ويتاجر في معاناتهم وفي المساعدات الدولية المقدمة لهم، وينصب عليهم أزلامه من أدعياء الرئاسة والوزارة والقضاء والحكم، فيَعتقلون ويعذِّبون ويصادِرون ويَحكمون، ويمارسون على أرض تابعة إداريا للجزائر كل سلطات الحكم والدولة والمؤسسات، بدون أي اعتراف دولي بهذا العمل المشين الذي لا تضمنه أو تقره المواثيق الدولية، وإن أقرته قوانين الغاب وسطو العصابات والميليشيات المنبوذة عند أهل الأرض جميعا، تلك القوانين الغابرة والمارقة التي تصنف العهود الدولية أصحابها ضمن حركة الإرهاب، وضمن التهديدات الإرهابية التي تكافحها دول المعمور، إلا العصابة الحاكمة في الجزائر التي تراها حقوقا لتقرير المصير الذي ترفعه وتضعه حيث شاءت.

ليس هذا الخرق، على عظمه وجرمه في حق الدول والشعوب والمواثيق الدولية ومسار حل النزاعات المسلحة، هو وحده الذي تتحدى به العصابة الحاكمة في الجزائر القوانين الدولية، بل إنها عمدت في الآونة الأخيرة إلى جر ميليشياتها لارتكاب خروقات ترتبط بأبشع أنواع النصب الدولي على منظمات وتجمعات وهيئات ومقاولات، باسم ولاية الميليشيات الانفصالية وسيادتها الوهمية على أرض الصحراء وثرواتها وساكنتها، لتوقيع عقود واتفاقيات خارج القانون الدولي، وبعيدا عن موافقة وإقرار الدول التي تنتمي إليها هذه الهيئات أو المقاولات، فبعد توقيع ما يسمى باتفاقية الصيد البحري بين الميليشيا الانفصالية، التي لا تملك سيادة على الثروات البحرية للصحراء ولا على مياهها، وتَجَمُّع للصيادين بجزر الكناري، تخرج هذه الميليشيا في الأسبوع الفارط باتفاقية وهمية أخرى مع شركة أسترالية للتنقيب عن المعادن والثروات البترولية، بهدف إحداث مشاريع للتنقيب المعدني في المنطقة العازلة المحرمة التي تسميها الميليشيا بالمناطق المحررة، دون أن يكون لها فيها أي وجود أو تواجد، ودون أن تملك أية سيادة مفترضة أو واقعية على حبة رمل من رمالها الظاهرة، فبالأحرى على ثروة من ثرواتها الباطنية المحتملة.

وبغض النظر عن مدى صحة خبر منح تراخيص في البر والبحر والجو، والذي تنشره بين الفينة والأخرى الهيئات الوهمية للميليشيا الانفصالية في مخيمات المحتجزين، وتذيعه على نطاق واسع وسائل الإعلام الرسمية للعصابة الحاكمة في الجزائر، وتقدمه كمنجز وكأمر واقع رغم أنف الحقيقة والواقع والقوانين الدولية المنظمة للشراكات ومنح التراخيص السيادية، فإن مسمى هذا الصنيع البائس هو النصب والاحتيال، فكما قال تبون الجزائر: إن فاقد الشيء لا يعطيه، وأن من لا يملك شيئا لا يحق له التصرف فيه، ينطبق على هذه الحالة المشبوهة والوهمية بامتياز، أكثر من انطباقه على العلاقات الاستثمارية بين دولة المغرب وباقي دول المعمور المعترف بها أمميا.

إننا نعلم يقينا أن العصابة الحاكمة في الجزائر هي من يدفع ثمن كل خسارات وتكلفة هذه الاتفاقيات والتراخيص الوهمية، من ثروات وأرزاق الشعب الجزائري، وما دامت هذه الثروات في أيادي العصابة العابثة بمصالح الجزائر، فإنها لن تعدم مصارف لها في التضليل والعبث بالاستقرار والسلام والأمن في المنطقة، أما المغرر بهم سواء من محتجزي مخيمات الذل والعار الذين يمنون بتحصيل فوائد وعائدات وسيادات وهمية في الحرب على المغرب، أو من المقاولات والشركات والهيئات التي تتعاقد مع الميليشيا الانفصالية وبرعاية مؤسساتية للدولة الجزائرية، فلن ينالوا غير الحسرة والندم على وثوقهم في عصابة بصفة نظام يحكم،  ومرتزقة بصفة دولة ذات سيادة. ولو كان لهؤلاء الشركاء السعداء بالتراخيص الوهمية والاتفاقيات الباطلة والمزورة ذرة عقل ويقظة ومصداقية وواقعية، لنظروا حيث يفترض أن يوجهوا استثماراتهم ليكتشفوا أن تحالف العصابة الحاكمة في الجزائر وميليشياتها الانفصالية قد باعوهم الوهم، وسوقوا عبرهم لأطروحاتهم العدوانية، وأن هذا يغني العصابة عن السؤال عن مستقبل الشراكة ومسار العمل للإنتاج والربح الذي تستثمر فيه الشراكات، فيما تستثمر العصابة في الأوهام والمغالطات والتضليلات. فلا المنطقة العازلة التي يعلن نظام العصابة صباح مساء عن الأقصاف والهجومات الضارية التي تجري فيها، آمنة لحركة قدم سريعة وعابرة، فبالأحرى لآلة ثقيلة مستقرة للتنقيب عن معدن أو حفر بئر أو توطين مستوطنين، ولا المياه الإقليمية للمغرب في صحرائه التي تجوبها سفن الصيد والملاحة المغربية والدولية المشروعة، مشرعة للميليشيات ومن تحالف معهم لوضع مجرد أصبع أو مجداف في عرضها. إن مثل هذا التضليل للمغفلين سواء في مخيمات الذل والعار، أو في أصقاع الأرض من أستراليا إلى جزر الكناري وإلى القادم من مقاولين ومتعاقدين دوليين مع العصابة على أساس اتفاقيات وهمية للنصب والاحتيال، يراكم على العصابة الحاكمة في الجزائر تبعات وتداعيات سلبية، أقلها الوصول إلى اقتناع دولي جازم بأنها غير جديرة بالثقة في التزاماتها، ومن ثمة تعريضها للمساءلة القانونية على خرقها المتواصل للقوانين الدولية المعمول بها، وتصرفها العابث بالأمن والاستقرار ووحدة وسيادة الدول، وتشويشها المتصاعد على مسارات الحل السياسي لنزاع مفتعل تؤكد أفعال وأعمال العصابة الحاكمة في الجزائر يوما بعد يوم، أمام أنظار العالم، أنها الطرف الوحيد والأوحد في تأجيجه واستدامته وتوفير الحطب والغاز لمد حريقه في المنطقة برمتها، ومعاكسة ومعاداة كل الدول والشعوب التي تتوق للتحرر من أضراره وتداعياته على مصالحها وعلاقاتها وسياداتها مثلما وقع مع إسبانيا ودول من الجوار، فضلا عن الدول العربية الشقيقة التي تشن عليها العصابة حربا شعواء في إعلامها الموتور. وفي هذا السياق، فإن استدعاء واشنطن لوزير خارجية العصابة الحاكمة في الجزائر للمثول أمام التحقيق الأمريكي النهائي حول شطحات العصابة وعبثها بالأمن والسلام والاستقرار في المنطقة مقدمة ضرورية، سيكون لها ما بعدها إما بثني العصابة عن غيها وعربدتها، أو قطع دابرها وتحرير المنطقة من كوابيسها وإرهابها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق