قضايا وآراء

في اللاحدث وباقي اللاءات

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //

عصابة الكوكايين الحاكمة في الجزائر مغرمة بعبارات السلب والإعدام والرفض والإنكار والنفي المطلق التي تريد من ورائها التسويق أمام شعبها لعنتريات وبطولات وهمية ماحقة وساحقة عن ممانعة مفتقدة وعن صمود وتصد لا أثر له في الواقع، وأغلب تجلياته هو مجرد تعنت وتطاول واستفزاز لا أقل ولا أكثر. ومن أمثال هذه العبارات الرافضة والفارغة من أي مضمون، ما ظلت قيادات العصابة وأذرعها الإعلامية تردده كلما تعلق الأمر بعلاقاتها مع المغرب، من أن هذه العلاقات وصلت إلى اللاعودة، وأن أمر التوسط أو الصلح بين الدولتين منكر وأن لا وساطة ماضيا وحاضرا ومستقبلا كما عبر وزير خارجيتها السابق بعبارات قطعية تفرض الوصاية حتى على المستقبل الذي أقيل منه هذا الموتور المغرور.

 وقبل يومين عاد الرئيس المعين من قبل العصابة في حوار مع أزلامها وأذرعها الإعلامية لينوع على ألفاظ هذا الرفض المطلق والإنكار التام بمصطلح يتناسب مع التوجه السالب والسلبي للعصابة، عند سؤاله عن حدث الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء، بقوله إن هذا الاعتراف هو لا حدث، من غير أن يبين الحد السياسي أو الواقعي الفاصل بين كون واقعة ما أو موقف ما حدثا أو لا حدثا، ولا أن يشرح لمحاوريه البائسين والمرتجفين معيار التمييز بين الحدث الذي هو كذلك من حيث أهميته وثقله ووزنه وفعله في التاريخ، واللاحدث الذي لا يقام له وزن، ولا يولى أهمية، ولا تعطاه قيمة، لأنه لم يُحدث شيئا يُذكر، ولن يَحدث عنه أمر جديد لاحق، ولا معقبات له. فالرجل وهو يغرف من ديبلوماسية عمياء بدون بوصلة، يعزل دولته وبلده عن ما تعارفت عليه الدول بشأن المعجم السياسي الدولي الواصف للأحداث الدولية والمقوم لها بناء على آثارها وما تحدثه من تحولات وتغييرات في المواقف والعلاقات الدولية، فليس التبون ولا ظواهره الصوتية والخطابية من يعهد إليه بمثل هذه التقييمات والتصنيفات للأحداث الدولية بناء على أهواء وتخرصات تجعل مما تحبه ويعجبها حدثا، ومما تكرهه ولا يعجبها لا حدثا، وكأن العالم يدور في فلك رغباتها وأمانيها.

لندع جانبا ما هرف به التبون من أن اعتراف دولة إسرائيل بمغربية الصحراء، هو اعتراف احتلال باحتلال، وأن فاقد الشيء لا يعطيه، أي أن فاقد الشرعية لا يمكنه أن يمنح شرعية لقضية أخرى، فقد رددنا على هذه المغالطة الفجة بتفصيل، وأقل ما يرد عليها به، أن دولة الجزائر تعترف بشرعية وجود دولة إسرائيل، وتقر بحدود 1967، وباقتسام القدس بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتجالس ممثلي هذه الدولة الإسرائيلية في الأمم المتحدة، وفي مجلس الأمن، وفي الملتقيات الدولية المدنية والعسكرية، وتجمعها بإسرائيل عضوية العديد من المنتديات والهيئات، ولم تفقد الجزائر شرعيتها ولا شرعية القرارات ولا الاتفاقيات التي تصوت عليها أو توقعها بمجرد كون إسرائيل من المصوتين أو الموقعين، فهذا المنطق الذي تكلم به التبون مردود عليه لأنه يتنافى مع الشرعية الدولية التي هو منخرط فيها ومنغمس في مائدتها، ويزعم أنه يحتكم إليها. هذا فضلا عن أن منطق هذا التبون يقتضي أن يكون منطبقا أيضا على الاعترافات الكثيرة والمتصاعدة بمغربية الصحراء، فهل الاعتراف الأمريكي هو أيضا لا حدث واعتراف دولة غير شرعية بدولة أخرى لا شرعية؟ وهل الاعتراف الإسباني هو كذلك غير شرعي لكون الذين صدر عنهم لا شرعية لهم؟ وهل اعتراف الأشقاء العرب ـ الذين تعتبرهم الجزائر كذلك ـ بمغربية الصحراء بل ودفاعهم عن الوحدة الترابية للمغرب التي تستهدفها العصابة الحاكمة في الجزائر، كما هو حال دول مجلس التعاون الخليجي، مجرد احتلال يسوغ احتلالا آخر، ومجرد غريق يتمسك بغريق آخر، ومجرد دول غير شرعية تتكلم عن الشرعية في الصحراء المغربية؟

تلبس العصابة لكل واقعة أو حدث لبوسا، وتضع لكل اعتراف بمغربية الصحراء معيارا أو مقياسا خاصا وموقفا معزولا، وإن تشابهت الأحداث وتطابقت المواقف بشأن مغربية الصحراء من أغلب دول المعمور، فإن ديبلوماسية العصابة تراها لا حدث، ولا موقف، لأنها هي وحدها من يعطي صفة الشرعية أو اللاشرعية للدولة موضوع الاعتراف، وهي من يضفي على الموقف السياسي لهذه الدولة أو تلك صفة الحدث المعتبر أو اللاحدث المهمل.

إن ما يمكن أن يوصف في العلاقات الدولية بأنه حدث سياسي يرتبط ليس بالحدث نفسه من حيث هو واقع من الوقائع المتفرقة أو مجرد موقف عادي من المواقف المعبر عنها، بل بالآثار والانعكاسات التي يحدثها، والتحولات الجذرية التي يسهم فيها، ولا يعتقد معتقد في كل ديبلوماسيات العالم أن الاعتراف الإسرائيلي مجرد لا حدث بكل المعاني والدلالات التي يوحي بها خطاب التبون، من مثل أنه لا وزن له ولا قيمة ولا اعتبار ولا آثار ولا تأثير، وفي نهاية المطاف لا وجود له في الواقع، أو كأنه لم يحدث أصلا.

ولأن ديبلوماسيات العالم تحتكم إلى معيار واضح في اعتبار الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء بالنظر إلى وزن ومكانة إسرائيل في المجتمع الدولي، وبالنظر أيضا إلى التأثير الإيجابي لهذا الاعتراف في مسار التسوية السياسية للنزاع المفتعل في الصحراء، وبالنظر أيضا إلى تقويته للجبهة المناهضة لأطروحة الانفصال، فإن أقل ما يمكن أن يوصف به هذا الاعتراف الإسرائيلي هو أنه رقم ونقطة إضافيان قويان ينضافان إلى رصيد المغرب في الدفاع عن شرعية وحدته الترابية، مقابل تآكل الأرقام والنقط المسجلة لحساب العصابة الحاكمة في الجزائر. فإلى متى ستصمد هذه العصابة أمام تسونامي الاعترافات بمغربية الصحراء، وفتح قنصليات للدول الشقيقة والصديقة بالأقاليم الجنوبية المغربية، والتي اعتبرتها العصابة غير ما مرة لا حدثا ولا قيمة ولا شيئا، فإذا هي الشيء كله والحدث كله في اتجاه انعطافة تاريخية كبرى يُقَرَّر بها واقعا حسم النزاع المفتعل حول الصحراء لصالح مغربيتها القائمة والمكرسة دوليا، شاء من شاء وأبى من أبى من العصابة، وحينها يكون الموقف المعادي للوحدة الترابية للمغرب مجرد أثر من الماضي المقبور، ومجرد لا حدث في فراغات التاريخ، وصرخة في الهواء الطلق، لأن دولة واحدة في العالم هي وحدها من يتمسك به، وهي دولة العصابة، وصوتا واحدا مبحوحا هو من يغرد خارج هذا الكوكب هو صوت غراب البين الذي خلق الحدث بالفعل في منطقته المغاربية باستمرار عربدته وتلاعبه بمشاعر شعبه وبمصالحه الحيوية وبأقواته وأرزاقه، وكذلك عدسه الذي كان بامتياز أغرب حدث مهزلة في حديث التبون، وما عدا ذلك مما تطرق إليه هذا التبون فإنه مجرد حدث لغوي يدعى في العربية لغو الحديث، وجعجعة بلا طحين. ثم إن من خرج عن طوعه وانتفخت أوداجه وزاد من الفجور في خصومته وظهر منه السعار والعوار إثر الاعتراف الإسرائيلي هو هذه العصابة نفسها التي اعتبرت من دون العالمين حدث الاعتراف لا حدثا. فلو كان الأمر كذلك ما رفعت العصابة للخبر ذكرا، ولا أعارته اهتماما، ولا وزعت الأدوار بينها في الرد عليه بين إعلامي رديء مستصرخ للضمير القومي والفلسطيني، وبين ذباب إلكتروني يئن ويطن ويتذكر لجنة القدس، وبين رجل سياسة حامل عصا الترحال إلى أقاليم الأرض وعواصمها للشكوى والبكاء، وبين عسكري يتحسس بندقيته وأقدامه في الأرض… فعلى قدر قوة الحدث كانت صرخة اللاحدث مؤلمة وموجعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق