الرباط-عبد الحق العضيمي
سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تقرير صادر عنه، يوم الجمعة الماضي، حول “تشجيع التبليغ عن العنف ضد النساء والفتيات ومناهضة الإفلات من العقاب”، تزايد حالات التبليغ عن العنف ضد النساء ما بين عامي 2020 و2022.
وأفاد المجلس بأن عدد الشكايات المسجلة لدى النيابات العامة سنة 2020 بلغ ما مجموعه 64 ألفا و251 شكاية، موزعة بين 53 ألفا و552 شكاية عادية، و10 آلاف و699 إلكترونية.
وحسب المصدر ذاته، فإن سنة 2021 عرفت تسجيل 96 ألفا و276 شكاية، فيما سجلت سنة 2022 ما مجموع 75 ألفا و240 شكاية.
وقال التقرير إن ارتفاع عدد الشكايات المسجلة “يعكس مجهودات خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف في تشجيع التبليغ ودعم الناجيات من العنف وتوجيههن، كما يعكس انعكاسات دخول قانون محاربة العنف ضد النساء الى حيز التنفيذ في توسيع قاعدة التبليغ بتجريمه مجموعة من الأفعال غير المجرمة”.
المجلس، أشار في تقريره إلى “وجود هوة في مسار التبليغ، بين عدد الشكايات المسجلة على مستوى الشرطة القضائية وعدد الشكايات التي تصل إلى القضاء”.
كما سجل أيضا “غياب بروتوكول موحد في تلقي شكايات العنف ضد النساء وغياب شباك وحيد وضعف إعمال الرقمنة في حل إشكاليات الاختصاص المحلي وضعف التنسيق بين خلايا العنف رغم الجهود المبذولة”.
واعتبر المجلس أن تنازع الاختصاص بين مراكز الشرطة والدرك، وكذا تنازع الاختصاص بين المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف بحسب ما إذا تعلق الأمر بجناية أو جنحة، أو التنازع داخل المحكمة الواحدة، بين خلية العنف وقسم قضاء الأسرة، هي “إشكاليات وصعوبات من شأنها أن تدفع الضحية إلى التراجع عن التبليغ، خاصة في ظل تحميلهن أعباء تتبع الإشكاليات الإجرائية المتعلقة بالاختصاص”.
التقرير، الذي استند إلى عينة عشوائية من الأحكام القضائية (180 حكما)، لفت كذلك إلى وجود نقائص كبيرة في إجراءات المحاكمات في قضايا العنف ضد النساء، من قبيل الاستماع إلى ضحايا العنف ضد النساء، لاسيما في جرائم الاغتصاب والاعتداءات الجنسية، في جلسات علنية، وعدم اتخاذ إجراءات لحماية الضحايا.
كما سجل المجلس ضمن تقريره أن عدم إشعار المشتكيات بتاريخ انعقاد الجلسات “يؤدي إلى عدم تتبعها لملفها وعدم مشاركتها في مناقشة القضية وكذا تفويت فرصة تقديمها لمطالب مدنية بشكل فوري”.
ومن بين الإشكالات أيضا التي نبه إليها المجلس في تقريره تلك المتعلقة بحق الحصول على دفاع، حيث قال في هذا الصدد، إن “غالبية الأحكام لم تتمكن فيها الناجيات من العنف على الحصول على دفاع، بل وهناك حالات أخرى تتعلق بجنايات عنف ضد النساء يمتع فيها المتهمون بالمساعدة القضائية بقوة القانون، بينما لم يتمكن الضحايا من التمتع بنفس الحق”.
وفي السياق ذاته، سجل المجلس وجود تفاوت بين المحاكم في تكييف فعل الاغتصاب الزوجي بين اعتباره جنحة عنف زوجي وجناية اغتصاب، والميل إلى تخفيف العقوبات المحكوم بها في حالة الإدانة بالاغتصاب الزوجي، وعدم إعمال أي تدابير للحماية المقررة في قانون محاربة العنف ضد النساء مثل إيداع المعنف في مؤسسة للعلاج النفسي، أو إصدار إنذار بعدم تكرار الاعتداء.
ونبه المجلس إلى تطور جرائم قتل النساء بالمغرب بشكل تصاعدي، إذ انتقل عددها من 29 حالة سنة 2018 إلى 54 حالة سنة 2021، لافتا إلى أن غالبية المتورطين في هذه الجرائم ذكور من أسر الضحايا، وفي مقدمتهم الأزواج، والأغيار.
وحذر المجلس من تعريض ناجيات من العنف لعنف إجرائي إضافي، وقال إن ذلك “قد يدفعهن للإحجام عن مواصلة قضاياهن، أو الإحجام عن التبليغ في حالة تعرضهن لعنف جديد، في ظل إخضاع هذه القضايا إلى القواعد العامة للإجراءات الجنائية أو المدنية دون مراعاة وضعيتهن”.
وأشار إلى “إغفال الأبحاث والتحقيقات التي تجرى في قضايا العنف القائم على أساس النوع للاعتبارات المراعية للضحية”، مشددا في هذا السياق على أن افتقار الضحايا للحماية خلال مرحلة البحت والتحقيق والمحاكمة قد يزيد من شعورهن بالخوف من الانتقام، مما يجعلهن يحجمن عن التبليغ أو يخترن التنازل عن الدعوى أو لا يتتبعن مآل قضاياهن.
من جانب آخر، انتقد التقرير “ضعف الخدمات الطبية المجانية المقدمة إلى الناجيات من العنف والتي تقتصر على الشواهد الطبية ولا تشمل الرعاية الطبية اللاحقة وخاصة في حالة الاعتداء الجنسي”.
وتابع أن “جرائم العنف ضد النساء والفتيات عموما وجرائم العنف الجنسي على وجه الخصوص تؤثر على قدرة الناجيات من العنف على تذكر الأحداث. كما أنه غالبا ما تتردد الضحية أو تتأخر في الإبلاغ، بسبب الصدمة، أو الاضطرابات الناجمة عنها، كالقلق والاكتئاب، أو الشعور بالعار والخوف من الوصم”.
وفي علاقة بالاتجار البشر، قال المجلس إن قانون مكافحة الاتجار بالبشر لا يدقق مفهوم “استغلال وضعية الهشاشة في تعريف الاتجار بالبشر”، كما لا ينص على عدم مسؤولية ضحايا الاتجار بالبشر عن الأفعال غير القانونية المرتكبة تحت الإرغام أو المرتبطة مباشرة بهذا الاتجار.
وفي هذا الصدد، أوصى المجلس بتدقيق مفهوم “استغلال وضعية الهشاشة في تعريف الاتجار بالبشر”، واعتماد التعريف الوارد في المادة الخامسة من القانون النموذجي لمكافحة الاتجار بالبشر، مع التنصيص على عدم مسؤولية ضحايا الاتجار بالبشر عن الأفعال غير القانونية المرتكبة تحت الإرغام أو الجرائم المرتكبة من طرف ضحية الاتجار بالبشر المرتبطة مباشرة بهذا الاتجار.
وعلى مستوى القانون الجنائي، دعا المجلس إلى استبدال مصطلحي الاغتصاب وهتك العرض بمصطلح “الاعتداء الجنسي” الشامل لكل أشكال الاعتداء بالإكراه على أي جزء من جسد الضحية، بما في ذلك الإيلاج باستخدام أدوات، بغض النظر عن جنس الضحية وجنس المعتدي، وتجريم الاغتصاب الزوجي، وتجريم إكراه الغير على القيام بدون رضاه بأفعال ذات طبيعة جنسية مع شخص ثالث.
كما طالب بإعادة النظر في تصنيف جريمة الاغتصاب واعتبارها جريمة ضد الحق في الأمن الشخصي والسلامة البدنية والجنسية والنفسية للأفراد، وليس كاعتداء على الأسرة والأخلاق.
المؤسسة الحقوقية الرسمية، دعت أيضا في تقريرها إلى إلغاء الفصول من 489 إلى 493 من القانون الجنائي ذات الصلة برفع التجريم عن العلاقات الرضائية بين الراشدين.
وشددت على ضرورة تجريم كل صور تزويج الطفلات وتجريم المشاركة في ذلك، وإحداث صندوق ائتماني لجبر ضرر ضحايا العنف القائم على أساس النوع في حالة تعذر التنفيذ على المحكوم عليهم، ووضع آلية للتكفل الطبي والنفسي والقانوني لضحايا أشكال الاعتداء والعنف الجنسي.
وعلى مستوى قانون التنظيم القضائي، أوصى المجلس بإحداث غرف للبت في جرائم العنف ضد النساء على مستوى المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف في أفق إحداث محاكم لجرائم العنف ضد النساء، وكذا إحداث قسم لجرائم العنف ضد النساء بالغرفة الجنائية بمحكمة النقض، وتفعيل دور مكتب المساعدة الاجتماعية في جرائم العنف ضد النساء من خلال مواكبة الضحايا خلال مراحل المحاكمة والتنفيذ، وتخويل أقسام قضاء الأسرة صلاحية إصدار تدابير الحماية دون اشتراط تقديم الضحايا لشكايات زجرية.
وفي مجال السياسات العمومية، دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان الحكومة إلى “تبني سياسة عمومية واضحة تعتمد على النوع وإحداث برامج لمناهضة العنف ضد النساء والتمييز بين الجنسين”.