الانتهازية المستديمة
بقلم: الأستاذ عبد الله الفردوس
مرة أخرى تأبى العصابة الحاكمة في الجزائر إلا أن تفرض وصايتها على مؤتمر دولي ليس لها من سلطة عليه إلا أنها عضو فيه يحظى بشرف الاستضافة وكرم الوفادة وخدمة الضيوف وتيسير مهمة إنجاح أشغال اجتماعهم، وتوفير الأجواء الهادئة لعقد مؤتمرهم والتوصل إلى الخلاصات والتوصيات التي تهم مصالحهم المشتركة، كما يقضي بذلك تكليف الدولة المستضيفة، وتقضي به الأعراف والمواثيق التأسيسية لهذا التجمع. ففي سابقة هي الأولى من نوعها في مؤتمرات منظمة التعاون الإسلامي، استدعت عصابة الدولة المضيفة سيدة لا تربطها بمنظمة التعاون الإسلامي أية رابطة سواء بالعضوية أو بالمراقبة، لمهاجمة المغرب الدولة المؤسس والعضو الفاعل في هذه المنظمة، أثناء انعقاد الدورة 17 لمؤتمر اتحاد مجالس الدول الأعضاء في المنظمة بالجزائر، خلال اليومين الماضيين.
فقد انتهزت العصابة الحاكمة في الجزائر هذه المناسبة الأخوية، لتسميم أجوائها بإقحام المدعوة غلوريا فلوريس عضو مجلس الشيوخ الكولومبي ومسؤولة البرلمان الأنديني بأمريكا الجنوبية، على هذا المنتدى التعاوني الإسلامي، لتأكل الثوم بفمها، وتدفعها لمناصرة أطروحتها الانفصالية وخطتها العدائية ضد المغرب، وتملي عليها خطابا استفزازيا للمغرب في وحدته الترابية، ألقته بهذه المناسبة نيابة عن العصابة الحاكمة في الجزائر، التي باتت تتهرب من مسؤولياتها عن خطابها العدواني والعدائي في مثل هذه المناسبات القومية والقارية والدولية، بكراء واستئجار أبواق تنوب عنها في إلقائه والتشويش به على أشغال المنتديات والمؤتمرات التي تستضيفها، مثلما فعلت قبل أسابيع عندما استأجرت حفيد منديلا من جنوب إفريقيا للتشويش الإيديولوجي والسياسي على بطولة الشان الإفريقية الرياضية التي تحتضنها دولة العصابة، مما أثار استياء واسعا سواء في المغرب الذي تم استهدافه بإعلانات هذا الصغير الحقير الحرب على المغرب من منبر رياضي سلمي قاري، أو في الهيئات القارية والدولية الوصية والمشرفة على هذه البطولة الرياضية الكروية، والتي تمنع استغلال الألعاب الرياضية لممارسة هوايات إيديولوجية سياسية أو لتمرير خطابات الكراهية والحرب والعنف.
كررت العصابة الحاكمة في الجزائر مخططاتها الحربية والعسكرية البئيسة المعهودة منها في الملاعب الرياضية، في مؤتمر منظمة إسلامية جامعة وموحدة وداعمة للوحدة الترابية للمغرب، استغلت شرف الاستضافة لتدنيس ثوب هذه المنظمة، وتعكير أجواء التوافق على القضايا الحيوية للأمة الإسلامية، التي تعتبر القضية الفلسطينية وتحديات الإرهاب والكراهية والانفصال والتقسيم والتجزيء، ومعضلات التنمية، من أبرز بنود جدول أعمال الدورة 17 لهذا الاتحاد البرلماني الإسلامي. فما دخل برلمان كولومبيا فيه وفي جدول أعمال الدورة ليفتتحها ويرسم لها خارطة طريق لإدانة عضو مؤسس وفاعل في منظمة التعاون الإسلامي تحت مرأى ومسمع الجميع بمن فيهم الأمين العام لاتحاد هذه المجالس البرلمانية للدول الإسلامية، بل من سمح لهذه البرلمانية الكولومبية أن تحضر أشغال هذه الدورة، وتدلي بما أدلت به ضد المغرب دون أن تجد من يوقفها عند حدها أو يسأل عن مبررات وجودها في هذا الملتقى وعن من اختارها ودعاها للعبث والعربدة داخل تجمع محترم ومسؤول لدول عربية وإسلامية تعترف غالبيتها بمغربية الصحراء وبالدور الكبير الذي لعبه المغرب في تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي وبعدها منظمة التعاون الإسلامي، وكان آخر تدخل لهذه المنظمة في ما نعلم لمناصرة الوحدة الترابية للمغرب، هو تأييد أمانتها العامة لإجراءات تحرير المغرب لمعبر الكركارات من الشرذمة الانفصالية. فهل يسمح منبر منظمة التعاون الإسلامي ومكانة المغرب الاعتبارية داخلها وميثاقها، بأن يقتحم أجنبي عنها، في شخص هذه الممثلة لبرلمان من أمريكا اللاتينية، اجتماعاتها لممارسة وصاية مقيتة عليها وتمرير إيدولوجية انفصالية تقوض جذريا روح العمل الإسلامي المشترك الذي ترفع الجزائر في هذه الدورة شعارات لتوحيد صفوفه فيما تدعي ، ولا تتفق مع مبادئ وقرارات المنظمة، بل تعتبر تدخلا في شؤونها الداخلية وفي اختصاصات أعضائها والدول المنضوية تحت لوائها. وهل تمثل هذه السيدة المتألية على المغرب، بالفعل صوت البرلمان الأنديني وإجماعه بشأن النزاع الإقليمي حول الصحراء، بل هل تمثل برلمان ومجلس شيوخ بلادها كولومبيا؟ والمعلوم لنا أن هذين البرلمانين الذين تتكلم باسمهما أو باسم أغلبيتهما، لم تكد تمضي بضعة أشهر على إعلانهما لمواقف مؤيدة للوحدة الترابية للمغرب، ونتذكر جميعا الحدث التاريخي الدال في هذا السياق والمتمثل في اختيار البرلمان الأنديني عقد جلسته العامة لأول مرة بمدينة العيون بالصحراء المغربية، عربون دعم وتكريس لمغربية الصحراء، ونتذكر أيضا المواقف الأخيرة لمجلس الشيوخ الكولومبي الذي واجه بقوة قرار رئيس البلاد إعادة العلاقات الديبلوماسية مع الكيان الوهمي الانفصالي، ورفض بشكل قطعي التآمر الانفصالي اليساري على العلاقات المغربية الكولومبية.
فمن تمثل هذه السيدة المفترية في اجتماع لمنظمة وحدوية إسلامية ليست لا هي ولا بلدها ولا برلمانها عضوا فيها، ومن أعطاها الإذن بشتم بلادنا واستفزازها، من منبر هذه المنظمة. الأمر واضح كل الوضوح، فالسيدة حلت ضيفة على الجزائر وتتكلم باسم الجزائر وتمثل صوت العصابة الحاكمة في الجزائر وصوت دماها المتحركة في تيندوف، لاستعراض ما عجزت العصابة وأزلامها عن إحداثه بشكل مباشر ومكشوف وصريح من استفزاز ومساس بالحضور المغربي الوازن. ولأن مثل هذه المهازل والمخازي والمناورات التي تحدثها هذه العصابة في أي اجتماع قاري أو عربي أو إسلامي أو دولي يعقد على أرضها، يتكرر دوما وبشكل مستديم ومستفز ومقيت، فإن المنظمات والهيئات والتظاهرات الدولية مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى حفظ مصداقيتها وصيانة أعمالها وأشغالها من العبث الصبياني للعصابة، باجتناب عقد أي اجتماع مسؤول فوق ترابها، وإن كان ولا بد فيلزم إخضاع تدخلاتها في تنظيم واحتضان واستضافة هذه الاجتماعات والمنتديات للمراقبة والمحاسبة، منعا لانتهازها مناسباتها للعدوان على المغرب أو على أي بلد شقيق أو صديق تناصبه العداء. ونحن نعلم أصلا أن دولة العصابة غير مؤهلة بتاتا في وضعها السعاري الحالي، لتحمل مسؤوليات تفوق مؤهلاتها واستعداداتها وقدراتها على احترام ضيوفها والوفاء بالتزاماتها.