قضايا وآراء

جناية نظام العصابة على إفريقيا

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //

كان ممكنا لنظام العصابة الحاكم في الجزائر أن يتفادى السقوط الأخلاقي الذي زج فيه دولة الجزائر وشعبها، في مناسبة رياضية سلمية شرفها فيه الاتحاد الإفريقي بتكليف هذا النظام باستضافة بطولة الشان للاعبي كرة القدم المحليين الأفارقة، لو كان في العصابة رجل حكيم ورشيد يقدر عواقب الأمور حق قدرها ويحسب حسابا لسمعة وتاريخ الجزائر وللعيش المشترك بهذه القارة، فضلا عن التجسيد العملي لعلاقات حسن الجوار والوفاء بالالتزامات والتعهدات بحسن السيرة والسلوك وتسهيل مهمة الوفود والضيوف المدعوين لهذا العرس الرياضي القاري وكذا المتوافدين على أرض الجزائر بغض النظر عن انتماءاتهم وجنسياتهم وخلافاتهم واختلافاتهم، فالذي يجمعهم هو انتماؤهم لإفريقيا وعضويتهم في الاتحاد الرياضي الإفريقي صاحب الدعوة والرعاية والإشراف، ومنظم الحفل والمستجيب لطلب الجزائر إسناد تنظيم هذه الدورة من البطولة لها، وفق التزامات متفق عليها تضمنها دفتر تحملات يُحَمِّل الجهة المستضيفة مسؤولية كاملة عن أي خلل أو خرق في استضافة وتنقل وأمن وسلامة المنتخبات المشاركة والجماهير والوفود المرافقة لها. غير أن العصابة الحاكمة في الجزائر والمتربعة على جماجم الشهداء وضحايا العشرية السوداء، والمتاجِرة في كل الممنوعات والمحرمات بدءا بالذمم والبشر والقضايا العادلة للشعوب وانتهاء بالأقوات والأرزاق والسلع والكوكايين والمخدرات، أبت إلا أن تحول هذا العرس الرياضي إلى مأتم وأن ترقص على جنازته، وأن تسممه بكل التطاولات والتدخلات الحقيرة التي غطت على هذا الحدث الكروي الذي لم يشهد العالم الرياضي مثيلا له في العراقيل والمضايقات والمهازل والجرائم والجنايات وإقحام إعلانات الحرب والقتل وبث الكراهية والإساءة لأعضاء الاتحاد الرياضي الكروي الإفريقي وعلى رأسهم المنتخب الوطني المغربي صاحب اللقب والتتويج لدورتين متتاليتين أخيرتين.

ففي الوقت الذي كان منتظرا فيه تشريف المنتخب المغربي، حامل الألقاب، بدعم حضوره في هذه الدورة وبإتاحة الفرصة أمامه للمنافسة النبيلة والدفاع عن ألقابه وعن التميز في اللعبة الكروية، وعن المستوى الرياضي المشرف قاريا وجهويا، عملت العصابة كل ما في وسعها وجهدها من الحيل والدسائس والمكائد لإقصاء هذا المنتخب المغربي الشاب، بل البراءة منه وإنكاره ومحو ألقابه ومسح اسمه من سجل تاريخ الرياضة الإفريقية، والإيعاز للأبواق الإعلامية الرسمية للعصابة بتجاهله وسبه وشتم شعبه والتطاول على دولته وعلى مقدساته وأرضه وتاريخه من قبل مرتزقة وضعت منبر هذه التظاهرة الرياضية رهن إشارتهم لتهديد السيادة المغربية والدعوة إلى الحرب. كانت البداية برفع فيتو السيادة الجزائرية المفترى عليها في وجه هذا المنتخب الرياضي، وهو الفيتو السياسي البئيس والحقير القاضي بإغلاق الحدود والأجواء على حركة الولوج والطيران والسير والجولان بين المغرب والجزائر، واشتراط السماح بعبور وقدوم المنتخب المغربي، وبدون جمهوره أو الوفد المرافق له من صحافيين وإعلاميين من حدود دولة أخرى وعبر طائرة غير رسمية للمنتخب تُكترى من بلد ما، وفي رحلة مهربة تطوف أرجاء المعمور، قبل أن يسمح لها على مضض بدخول أجواء الجزائر وحيث سيلقى الضيوف المغاربة على الاتحاد الكروي الإفريقي، كما في سوابق استضافات الجزائر لهم، ألوانا من التنكيل والتعذيب والإهانة والانتقام. وكانت نهاية هذه المشاركة المغربية بإعلان الجزائر، في غياب تام وذهول لأصحاب العرس ومنظميه، عن الانتصار الماحق على هذا المنتخب الرياضي المغربي الشاب القاعد في قاعة الانتظار بمطار الرباط سلا على أمل الحصول على ترخيص لإقلاع طائرته في رحلة مباشرة إلى قسنطينة بالجزائر حيث مقر استضافته المزعومة أو تعذيبه بأصح عبارة.

وإذا كنا لا نلوم العصابة الحاكمة على هذه التصرفات اللاأخلاقية والسوابق العدوانية، لأن أخلاق العصابة لا يمكنها إلا أن تكون كذلك، ولا يتوقع منها إلا الشر المستطير وسوء المعاملة والتدبير، في غياب الدولة المدنية المسؤولة التي تفكر في مصالح شعبها وفي سمعتها وجوارها وفي وصورة القارة والمجموعة التي تنتمي إليها، فإننا نحمل المسؤولية كاملة لأهلها من الاتحادين الكرويين الإفريقي والدولي، الذين شهدوا هذه المهزلة والمذبحة الرياضية، وفضلوا تمرير رسالات وإشارات لا تفهمها العصابة عن ضرورة فصل السياسي عن الرياضي وعدم إقحام نزاعات سياسية في ملاعب رياضية، وكان المأمول في الاتحادين القاري والدولي وهما شاهدا عيان على خروقات وجرائم العصابة في حق المجتمع الرياضي الدولي، أن يضربا بقوة على يد هذه العصابة، التي لا تنزل عن تعنتها واستفزازها إلا عندما تزلزل بقرارات رادعة، مثل تلك القرارات والتهديدات التي تلقتها من الجامعة العربية إبان عقدها لمؤتمرها الأخير بالجزائر، حينما حاولت العصابة تطبيق نفس سيناريو استضافتها الآن لبطولة الشان الإفريقية، بحيل ودسائس لإقصاء الوفد المغربي إلى قمة الجامعة العربية بالجزائر، ولأن العصابة على قدر كبير من الجبن آنذاك أمام الزعماء العرب، وضعت جانبا حجة عدم التنازل عن سيادتها الجوية القاضية بمنع المغاربة وطيرانهم من ولوج أجوائها، وانبطحت للوفد الديبلوماسي المغربي الذي سافر في رحلة مباشرة إلى الجزائر وبواسطة طيرانه الخاص، وكان ما كان مما علم حينها من دسائس أخرى ومؤامرات واستفزازات للعصابة انتهت كلها باشمئزاز القادة العرب الحاضرين في مهزلة ما أسمته العصابة بقمة “لَمّ الشمل”، واستغراب كل هذا الكم الزائد من العداء والحقد والتطاول الذي تدحض فيه العصابة وتجر إليه شعبها ودولتها المغلولة والمغلوبة على أمرها. ولأن الأمر في هذا المحفل الرياضي القاري يتعلق بإفريقيا وبمسؤولين أفارقة، فإن العصابة رفعت صوتها التحقيري للمقررات الإفريقية، واستطالت بلسانها وبألسنتها المعارة والمستعارة وبسلوكاتها الاستفزازية المتكررة على هذه القارة المستضعفة، وحسبت نفسها سيدة إفريقيا وقائدتها وصاحب الكلمة الأخيرة في من يحضر ومن لا يحضر إلى الجزائر من أعضاء المجموعة الإفريقية، وفي من ستقصيه وتفرض عليه شروطها المجحفة، ولو كان ضيفا تحت حماية ورعاية ومسؤولية الاتحاد الإفريقي في حله وترحاله للمشاركة في استحقاق إفريقي لا جزائري. خلاصة القول، لقد أفسدت العصابة هذا العرس الرياضي الإفريقي وجنت بالغ الجناية على السمعة الكروية الإفريقية التي شرفها المغرب بنتائجه الرياضية الباهرة وأعلى قيمتها ومكانتها بين الأمم والقارات، ورفع سقف المطالب الإفريقية بإنصاف الاتحاد الرياضي الكروي الدولي للقارة الإفريقية التي تريد لها العصابة الحاكمة في الجزائر أن تظل صوتا نشازا في المجتمع الدولي وبؤرة توتر دائم ومصدر المآسي والقلاقل والنزاعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق