قضايا وآراء

الوساطة مرة أخرى

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //

لا حديث للجزائر الرسمية وأبواقها الإعلامية إلا عن موضوع رفض الوساطة مع المغرب والتحذير من تأكيد وقوعها، والتنديد المتواصل من أعلى هرم الدولة وخارجيتها بأي محاولة للاقتراب من موضوع الوساطة الذي تراه العصابة الحاكمة في الجزائر عيبا ديبلوماسيا وسلوكا مشينا في سابقة لا يعرف لها مثيل في العلاقات بين الدول، ففي آخر خرجة للعصابة الحاكمة في الجزائر استنكرت إقحام محادثات حول الوساطة مع المغرب في زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للجزائر، واعتبرت ذلك إساءة للملك عبد الله وظلما له، وكأن مساعي الخير، إن حدثت بالفعل، منكر من السلوك وتصرف ديبلوماسي غير مقبول. مما يؤكد بصفة عامة على أن دولة الجوار قد انقلبت عندها القيم السياسية والديبلوماسية وعلاقات حسن الجوار ولَّم الشمل العربي وتبني نهج خفض التوتر ومساعي المصالحة وإيثار نهج الحوار والتفاهم إلى رذائل، مقابل تفضيل التصلب والتعنت والتحريض ورد كل يد ممدودة لطي الخلافات والنزاعات المفتعلة.
والحقيقة الماثلة للعيان أن العصابة الحاكمة في الجزائر تستثمر بقوة في موضوع النزاع مع المغرب، وتجني منه في سياستها الداخلية ما يضمن لها مواصلة التحكم في رقاب الجزائيين عبر تضليل الشعب الجزائري عن عدو خارجي مفترض يتآمر عليه ويستهدف كيانه ووجوده وطموحاته، وعبر صناعة مظلومية خارجية، وأحداث متفرقة ووهمية عن عدوان من جهة المغرب، لا أثر له بتاتا في واقع الحال، وكل ما يحدث في الجزائر من سوء تدبير ومن قرارات عشوائية ومن هجوم للجراد وتلبد السماء بالغيوم وتآكل عشب الملاعب وخسارة مبارة رياضية… باتت تنسب للمغرب، ولو عثرت بغلة في الطريق فإن المغرب هو من تسبب في ذلك. كل هذه الطوابير الطويلة الممتدة المنتظرة لحصتها الغذائية أمام المحلات التجارية وأمام شاحنات توزيع المواد الضرورية للعيش هي بسبب مضاربات وتهريبات تأتي من دولة “هوك” كما وصفها هرم الحكم في الجزائر. البعبع المغربي مقصود ومصنوع بكل تفاصيله الإرعابية في ثكنات العصابة الحاكمة في الجزائر وبرعاية منها قطعة قطعة، ومن ثمة تبدو أي مساعي للوساطة والمصالحة مع المغرب، ضربا لمخطط مرسوم وعدواني على الشعب الجزائري قبل غيره، وهذا المخطط هو جوهر السياسة الداخلية الجزائرية قبل أن يكون مخطط خارجيتها. فقطع العلاقات مع المغرب وإغلاق الحدود البرية والبحرية والأجواء يستهدف عزل الشعب الجزائري عن محيطه، وحجب حقيقة تأخير العصابة لقطار التنمية الجزائرية في كل المجالات، مقارنة مع التقدم المغربي الهادئ على الساحة الإقليمية والقارية والدولية، واكتساحه بمشاريعه الواعدة وانتصاراته الديبلوماسية المشهد التنموي الإفريقي بالتحديد.
مخطط التشويش والشغب على المغرب والتحرش به لا يستقيم مع مطلب التهدئة ونزع فتائل التوتر، لأن في ذلك هزيمة لتآمر العصابة الحاكمة في الجزائر على شعبها ومنع عودة حراكه ومطالبه بتنحيها وبدولة مدنية وبانتهاء عهد تزوير وتزييف إرادة الشعب، ولذلك تحاول العصابة بكل ما أوتيت من جهد وعنف في مخاطبة الوسطاء وسعاة المصالحة مع المغرب، استبعاد تأثيرهم على ما تصنعه في مختبراتها من دسائس وحيل لإطالة النزاعات مع بلدان الجوار، وصناعة الأزمات واختلاق المشاكل للتغطية عن فشلها في تدبير ما تولته من أمور البلاد والعباد، وتخدير المواطنين بحكايات للأطفال عن الغول والغولة بـ”الغابة” المجاورة.
وحيث إن منطق العصابة هو المتحكم في تدبير الدولة الجزائرية لسياستيها الداخلية والخارجية، فإن جل مخاطبيها في أمر الوساطة عربا أو عجما، أو من تزعم أنهم لم يتطرقوا في حديثهم معها إلى مساعي للمصالحة مع المغرب، متهمون أو مهددون بالاتهام بالتدخل في الشؤون الداخلية الجزائرية وفي قراراتها السيادية.
والمعلوم أن المغرب الذي ما فتئ يعلن رسميا ومن أعلى سلطة في البلاد مد يد الحوار للبلد الشقيق والجار والإعلان غير ما مرة عن استعداده للجلوس إلى طاولة المناقشة المفتوحة بصدر رحب، لم تتوجه إليه الأنظار لطلب المصالحة مع الجزائر، لأن الجميع يعلم أنه ليس هو من بادر إلى قطع العلاقات ولا هو من أغلق البر والجو وأنبوب الغاز والهواء، ولا هو من اتهم الجزائر بأي تهمة في حرائق أو اغتيالات أو أزمات، ولا هو من هدد بالحرب والانتقام، ولا طلب مصالحة أو وساطة، وظل يتفرج على عنتريات وتشنجات وشطحات العصابة بمزيد من دعم جبهته الداخلية والاستعداد لمواجهة أي انحرافات عدوانية خطيرة متوقعة من سلوكات العصابة. مع اعتبار مساعي الوساطة والصلح في حد ذاتها سلوكا رفيعا وأخلاقيا من المبادرين إليها من الأشقاء والأصدقاء، ينم عن نبل وخير كثير. فشتان بين دولة تتمتع بكل مقومات الدولة العريقة والحكيمة والمنفتحة والراعية للسلام والاستقرار والأمن في منطقتها، والتي تستحق أن تعيش كريمة عزيزة في المجتمع الدولي الحديث، وبين عصابة تنتمي إلى عهد الدناصير تأكل الأخضر واليابس وتبدد كل ثروات بلادها ومكتسبات شعبها لضمان حمايتها من قدر الزوال والغروب والتنحي إلى الأبد. لذلك لا ينتظر من هذه العصابة أي خير يرجى لإطفاء ما أشعلته من حرائق والعودة إلى جادة الصواب، فقد قطعت أشواطا كبيرة في عدوانيتها وحالتها المرضية المزمنة، وتَجَبُّرها على شعبها وعلى جوارها وتطاولها على الدول، وستكون الكلمة للتاريخ ولمنطقه الذي أردى عصابات مثلها في شر عملها وسوء عاقبتها، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق