قضايا وآراء

المغرب العالمي… رغم أنف العصابة

بقلم: الأستاذ عبدالله الفردوس

ليس مبالغة ولا مناكفة ولا مزايدة، في هذه اللحظة الفارقة التي اندلعت فيها مشاعر الإعجاب والتضامن الشعبي والرسمي من مختلف بقاع العالم مع المنتخب الرياضي المغربي في مونديال قطر، بعد مشاركته الطيبة وإنجازاته الباهرة التي أوصلته إلى مصاف الأربعة الأوائل الكبار، وبعد إسقاطه لأساطين هذه اللعبة ولأساطير التفوق والاحتكار الأوروبي للنجومية والريادة، أن ندعي واقعا وحقيقة، أن أنظار العالم وقلوب العالمين باتت في اتجاه القبلة المغربية. فهذه الهتافات باسم المغرب منتخبا وشعبا وأرضا وهوية حضارية، ورفع أعلامه وبيارقه فوق الرؤوس وفي أعالي الأبراج المضاءة بالأحمر القاني في ساحات عربية وإسلامية ودولية، وعلى رأسها الساحة الفلسطينية التي تكررت فيها في الضفة والقطاع وغزة وفي القدس الشريف مشاهد التجمعات الجماهيرية الكبرى التي غرست علم المغرب خفاقا فوق باب العامود، وفوق أسوار المدينة المقدسة، وفي مباني التلفزيون، وتكرر الأمر نفسه وبشكل غير مسبوق في كل بقاع الدنيا، مع تنظيم حفلات ونظم أشعار وتأليف مقاطع غنائية ورفع دعوات في أندونيسيا والشام والعراق والحجاز والخليج العربي وفي مصر المحروسة وغيرها من البلدان الشقيقة والصديقة القريبة والبعيدة، هي كلها أحداث متواصلة تعبر بالفعل عن لَمّ شمل الشعوب على المغرب وعلى قلب واحد ينبض بالأمل في مزيد من الانتصارات والنتائج المباركة التي احتضنتها هذه الشعوب كمكتسبات لها، واحتضنت أبناء المنتخب المغربي كأولادها ورجالها وأبطالها، وسمعنا في ما تناقلته وسائل الإعلام والمواقع التواصلية الاجتماعية العالمية مشاهد جماعية وعائلية، لأصوات الحناجر تصدح: “كلنا مغرب”…
أفبعد هذا الذي رأته الأعين وسمعته الآذان من شعوب طيبة وخيرة ونبيلة، أخرجت خير ما لديها من حب ووفاء وأصدق ما تكنه لبد وشعب مثله فريقه الرياضي أحسن تمثيل، ليس فحسب في فن رياضي كروي، بل في فن الحياة والسلوك والأخلاق الحميدة والعزة والأنفة الحقيقيتين والقيم الحضارية الإسلامية والعربية والإفريقية السامية، أفبعد هذا يمكن أن تلتفت الأنظار والأفكار إلى عصارات الأحقاد والضغائن التي أنفقت عصابة تحكم بجوارنا ذهبها وفضتها وطريفها وتليدها لوأد الوئام والود والاحترام، ولتشتيت الشمل ونفث السموم؟
لم ينفق المغرب درهما ولا دينارا لكي يلتئم هذا الشمل المجموع عليه، ولا امتلك أبواق العصابة ولوبيهاتها ولا غازها وشيكاتها لاستمالة أحد، ولكنه ملك القلوب واستمال الوجدان، بما عززه من تضامن، وما آثره من صبر، وما بناه من بيت مشترك ومشروع للتعاون والإخاء والتبادل والتقاسم، بما في ذلك تقاسم الأفراح والمسرات، ولو أنفق المغرب مال الأرض كلها ما ألف بين هذه القلوب الطيبة الوفية، ولكن الله ألف بينها، وقيض لسان حسود حاقد ليشعل شرارة في الأعواد حتى يعرف طيب عرف العود الأصيل، وتشم رائحته الزكية على بعد آلاف الكيلومترات.
نقول هذا القول في عالمية المغرب وفي الأخلاق المغربية الرفيعة التي حاولت عصابة بالجوار أن تطمسها بكل أشكال التشويه والاتهامات والقذورات التي تخرج من أفواهها، بما فيها الاتهام بالعمالة والخيانة والصهينة والتطبيع والشيطنة والتوسعية ونشر المخدرات والموبقات، والاعتداء والاحتلال وحرق الغابات وقتل الأبرياء واستهداف المدنيين…وما إلى ذلك من الافتراءات والابتزازات والأراجيف، فأبى الله إلا أن يتم للمغرب صبره على هذا الأذى من جار غادر وخائن وحقير، بإشهاد العالم على أن العصابة لا يؤلمها من المغرب شيء، قدر التحامه بقضايا الأمة المصيرية وتحقيقه لانتصارات، بفضل صموده وحكمته ووحدته وروحه الحضارية السلمية الضاربة العمق في التاريخ، وهي انتصارات تحتضنها كل الشعوب المحبة للخير، وتعتبرها أملها في تحقيق مثيلاتها لصالح السلام والاستقرار في العالم، ولصالح القضايا العادلة للشعوب المضطهدة أينما كانت.
لم يُسقط الفريق الوطني المغربي في مونديال قطر نظراءه الدوليين الأقوياء الذين واجههم في مباريات ومقابلات ومبارزات تنافسية نبيلة وشريفة، وإنما أسقط في الحقيقة قيم الاحتقار والاحتكار والإذلال وفرض الوصاية الاستعمارية على الشعوب، وأسقط الأقنعة عن كيانات عدوانية متوحشة تُبطن في شعارات توحيد الأمة ولمّ شملها أخس وأحط ممارسات النخاسة والمتاجرة في دماء الأحرار والشهداء، وأنذل أشكال تضليل الشعوب والتحريش بينها والفرح بأقراحها وأحزانها. ولأن العصابة رغم كل ما أنفقته خلال أعوام في سبيل التحريش بين الشعوب، قد خسرت هذا الرهان البئيس والحقير في أقل من شهر، وارتد كيدها إلى نحرها، فإنها اليوم وفي عز صعود النجم المغربي المضيء سماء الكرتين القدمية والأرضية، تجد نفسها بدون أقنعة ولا ورقة التوت، ومن ثمة كان منها ما يراه العالم وتنقله وسائل الإعلام الدولية والعربية والإفريقية من سعار وعته وحمق واستعراء بما تكشفه من عوارها وهي تنقل عبر وسائل إعلامها وأبواقها وأزلامها أخبارا مزيفة عن الانتكاسة المغربية الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية، فيما وسائل الإعلام العالمي تنقل بالصوت والصورة مشاهد الانتصارات المغربية من الرياضة إلى الثقافة إلى الاقتصاد إلى السياسة إلى الديبلوماسية. ويكفينا أن العالم أنصفَنا وظلمتنا عصابة، ويكفي أن الشعب الفلسطيني الأبي والصامد هتف باسم فريقه المغربي، وحضنه وحضن رايته وبلده، كما لم يفعل مع أي فريق أو بلد في العالم، رغم كل ما بذلته العصابة من بروباغندا وادعاءات لزرع الكراهية والبغضاء وابتزاز المشاعر الوطنية الفلسطينية بشعارات ظالمة ومظلومة وشارخة ومشروخة.
فشكرا للعالَم الطيب من أشقائنا وإخواننا وأصدقائنا على كل هذه المشاعر النبيلة الفياضة، وعلى هذا الحب الصاعد من الوجدان ومن طيبة الأعراق، والذي تجاوز المنتخب الرياضي المغربي والنخبة الوطنية المغربية إلى المغرب نفسه أرض الحضارات وملتقى القلوب ومهوى الأفئدة…وإنها لمسؤولية ثقيلة أن نحمل رسالة هذه الشعوب وأن نحظى بشرف تمثيلها في المحافل الدولية، وقطعا لن نخون الواجب والعهد، ولن نخون كل هذه الأفراح والقلوب الطيبة التي بادلتنا صدقا بصدق ووفاء بوفاء. ولنترك العصابة الملعونة على رؤوس الأشهاد تزيد من نصب فخاخ الغدر والخيانة والنذالة وبؤس الحال، وتزيد من تصعيد سعارها إلى أن تعزل نفسها كلية عن العالم وتسقط أخلاقيا في معركة الصدق والحق، ويكون تدميرها في آخر تدبيرها. لقد أرادت العصابة الحاكمة في الجزائر أن تجعل الرياضة سياسة عدوانية واستكبارية فكانت كذلك، لكن قلبها الله لتكون وبالا عليها وباءت بغضب من أمتها وقارتها وشعبها على ما أحدثته من شقاق وفرقة وتشتيت شمل وتمزيق صف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق