مجتمع

دراسة تكشف مبررات القضاء منح الإذن بـ”تزويج الطفلات”..تقاليد وخوف من علاقات جنسية غير شرعية

الرباط- عبد الحق العضيمي //

خلصت دراسة أنجزها المجلس الوطني لحقوق الإنسان وصندوق الأمم المتحدة للسكان بالمغرب، حول “المبررات القضائية المعتمدة لتزويج الطفلات”، إلى أن “تزويج الطفلات تحول من استثناء إلى قاعدة بسبب ارتفاع نسب الاستجابة إلى الطلبات المقدمة إلى المحاكم”.
الدراسة التي تم تقديم نتائجها اليوم الاثنين بالرباط، استندت في تأكيد خلاصتها إلى الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل بشأن تطبيق مدونة الأسرة، والتي جاء فيها، أن عدد طلبات الزواج من أطفال، التي تم تقديمها خلال سنة 2018 وصلت إلى 32 ألف و104 طلبات، فيما بلغت 30 ألف و312 طلبا سنة 2016.
وتشير الإحصائيات نفسها إلى أنه خلال الفترة ما بين 2011 و 2018 استجابت المحاكم إلى 85 في المائة من هذه الطلبات، مؤكدة أن الطفلات شكلن حوالي 99 في المائة من مجموع المعنيين بهذه الطلبات خلال الفترة ما بين 2007 و 2018.
وقالت الدارسة، إن “مدونة الأسرة لم تحط تزويج الأطفال أو القاصرين بضمانات قوية”، داعية في هذا الصدد إلى “تثبيت الفصل 19 الذي يجعل سن الزواج محددا في 18 سنة وإلغاء الاستثناء الذي يبيح تزويج الأطفال”.

الخوف من الوقوع في علاقة جنسية

وكشفت الدراسة الرسمية عن المبررات التي يعتمدها القضاء في تحديد شرط المصلحة في تزويج الطفلات، من قبيل “التقاليد والأعراف”، و”الخوف من الوقوع في علاقة جنسية خارج إطار الزواج”، و”الحماية من مخاطر الزواج غير القانوني”.
وقالت الدراسة، إنه “في كثير من طلبات تزويج الطفلات يستند فيها أصحاب هذه الطلبات على الأعراف والتقاليد بالمنطقة والتي تقتضي تزويج الفتيات في سن مبكر تحصينا لهم أو خوفا من فقدان فرصة الزواج”، مشيرة إلى أن تعليل صدور الإذن يتم بعبارات من قبيل “وحيث أن العرف في مثل هذه المناطق يعزز زواج البنت بمجرد بلوغها مثل هذا السن”.
ولاحظت الدراسة أن بعض الطلبات المقدمة إلى أقسام قضاء الأسرة تستند على الظروف الاجتماعية للطفلة التي ترغب أسرتها في تزويجها، كالحالة التي تعاني فيها من اليتم أو وفاة أحد الوالدين، موردة أنه غالبا ما تستجيب المحاكم لهذه الطلبات “متى كان سن الطفلة قريبا من سن الرشد القانوني وتوفرت باقي الشروط الأخرى”.
وفي المقابل، أفادت الدراسة بأن القضاء يرفض منح الإذن بتزويج الطفلة في الحالة التي يغيب فيها الأب دون أن تنتقل النيابة القانونية للأم بشكل قانوني.
وسجلت الدراسة أن عددا من الطلبات المقدمة إلى المحاكم للحصول على إذن بتزويج الطفلات تعتمد على مبررات من قبيل “الخوف عليهن من العنت أو الوقوع في المعصية أو الفساد”.
وتابعت الدراسة أن “عددا من المقررات القضائية التي تستجيب للطلب تعتمد على المبرر نفسه، حيث يتم تبرير شرط المصلحة في الخوف من دخول الطفلة في علاقة جنسية خارج إطار مؤسسة الزواج، وتعتمد لذلك عدة مبررات من قبيل الاتقاء مما يخشى منه العنت أو ما تتطلبه المحافظة على العفة والشرف والحماية والإحصان من الوقوع في الفساد”.
وأكدت الدراسة أن محاكم أخرى لا تعتبر هذا مبررا كافيا للاستجابة إلى طلبات الزواج، وزادت “حتى وإن أدلى ولي أمر الطفلة بلفيف عدلي يشهد شهوده بأن ابنته يخاف عليها من الوقوع في الفساد”.

طلبات مغلفة بدواعي غير حقيقية

وبخصوص تزويج “الطفلة” المغتصبة من مغتصبها، وقفت الدراسة على نماذج من طلبات تزويج الطفلات التي يكن ضحايا اغتصاب أو تغرير أو علاقة جنسية خارج إطار مؤسسة الزواج أو حمل غير مرغوب فيه.
ولاحظت الدراسة أن غالبية هذه الطلبات تكون مغلفة بدواعي أخرى -غير حقيقية – كرغبة أسرة الطفلة في إحصانها، منبهة إلى أنه لا يتم الإشارة في المقال الافتتاحي لكون الطفلة صحية اعتداء جنسي، لتردف أنه “غالبا ما يتم الكشف عن هذا المعطى عند جلسة البحث الاجتماعي، حيث تصرح به الطفلة طواعية عند الاستماع إليها على انفراد، أو يصرح بذلك أحد والديها، للضغط معنويا على المحكمة لمنح الإذن بتزويج الطفلة”.
واستطردت الدراسة أنه “في أحيان أخرى يتم الكشف عن ذلك حينما يأمر القاصي باستدعاء الخاطب للتعرف عليه، وتضطر أسرة الطفلة للبوح يكون الخاطب بتواجد بالسجن، وفي أحوال أخرى يتم الكشف عن هذا المعطى نتيجة الخبرة الطبية التي تفيد بأن الطفلة تعرضت لاغتصاب، أو أنها حامل”.
الدراسة، سجلت وجود تفاوت في إعمال السلطة التقديرية بين أقسام قضاء الأسرة، وأحيانا بين محاكم أول درجة ومحاكم الاستئناف بخصوص تقدير ظرف الاغتصاب، وما إذا كان مبررا لقبول الطلب أو رفضه.
وفي هذا السياق، أشارت الدراسة إلى مقرر صادر عن قسم قضاء الأسرة بمراكش قضى برفض طلب تزويج طفلة بعلة أنها غير متوفرة على النضج الكافي والوعي اللازم لمعرفة الحقوق والواجبات التي يرتبها عقد الزواج وأن زواجها الذي يهدف إلى إضفاء الشرعية على جريمة الاغتصاب “هو زواج محكوم عليه بالفشل في أية لحظة، ويشكل ضررا لها”.

أذون تركز على السن والمظهر

من جهة أخرى، كشف الدراسة عن الثغرات التي تعتزي مدونة الأسرة، ومنها على الخصوص عدم تحديدها لسن أدنى للزواج، وعدم التنصيص على إلزامية الجمع بين البحث الاجتماعي والخبرة الطبية، وإغفال التنصيص على الاستماع للطفلة، وعدم إلزامية احترام مقتضيات المواد 20 و21 من مدونة الأسرة.
ولاحظت الدراسة أن المبررات التي تعتمد عليها المحاكم تركز بشكل كبير على الظروف الاجتماعية والاقتصادية بحيث يبدو وكأن الهدف من تزويج الطفلة هو إيجاد حل أني لمشاكل الفقر والهشاشة والتسرب المدرسي.
كما انتقدت الدراسة غياب المعطيات المتعلقة بالصحة الإنجابية في معالجة طلبات تزويج الأطفال، لافتة إلى أن الأسئلة التي توجه إلى الطفلات غالبا ما تركز على تاريخ صيام رمضان كمؤشر لمعرفة تاريخ وصول الطفلة إلى سن البلوغ في المقابل يلاحظ عدم إعطاء أي معلومات للطفلة حول مخاطر الزواج المبكر ومخاطر الحمل المبكر سواء من طرف القضاة أو المساعدين الاجتماعيين، فضلا عن تركيز بعض الأذون القضائية على معياري السن والمظهر الخارجي للبت في الطلبات المقدمة إلى المحاكم.
وسجل المجلس الوطني لحقوق الّإنسان في دراسته ضعف الاستدلال بالاتفاقيات الدولية في صياغة الأذون المتعلقة بتزويج القاصرات، موردا بأنه توقف في المقابلات التي تم إجراؤها على عدم وجود تخصص داخل المعهد العالي للقضاء لتكوين قضاة أقسام قضاء الأسرة رغم تدريس مدونة الأسرة على خلاف التكوين التخصصي الذي يتيحه المعهد لفائدة قضاة المحاكم الإدارية والتجارية.

تجريم تزويج الأطفال

إلى ذلك أوصت الدراسة بـ”تثبيت الفصل 19 الذي يجعل سن الزواج محددا في 18 سنة وإلغاء الاستثناء الذي يبيح تزويج الأطفال”ن و”تجريم تزويج الأطفال بشكل غير قانوني والوساطة في ذلك باعتبارها صورة من صور المشاركة في هذه الجريمة”.
كما طالبت الدراسة بـ”رفع سن إلزامية التعليم إلى 18 سنة”، و “حفظ حق الطفل في النسب بغض النظر عن الوضعية العائلية لوالديه”، و”تفعيل دور النيابة العامة كطرف رئيسي في تسجيل الأبناء المزدادين خارج إطار مؤسسة الزواج في الحالة المدنية وفي إقامة دعاوى النسب حماية لحقهم في الهوية”.
ودعت الدراسة إلى “إعادة النظر في الإطار القانوني الناظم للاعتداءات الجنسية ضد الأطفال بما يكفل تحقيق الملاءمة مع المعايير الدولية وعدم الإفلات من العقاب “، و”الارتقاء بتجربة أقسام قضاء الأسرة إلى محاكم أسرة متخصصة وإحداث محاكم استئناف للأسرة”، مع “ضمان التفرع والتخصص العاملين في أقسام قضاء الأسرة”، و”مراجعة مناهج تكوين القضاة بالانفتاح بشكل أكبر على الاتفاقيات الدولية وإدماج مبادئ الصحة الإنجابية”.
وعلاوة على ذلك، أوصت الدراسة كذلك بـ”مراجعة الخريطة القضائية بما يكفل تقريب القضاء إلى المتقاضين ومراعاة بعد النوع الاجتماعي في تعيين القضاة”، و”مراجعة القانون المنظم للمساعدة القضائية بما يكفل فعلية الولوج للقضاء للفئات الهشة”، وتوسيع نطاقه ليشمل كل مراحل الدعوى وجميع أنواع الطعون وكذا المعونة القضائية”.
وبخصوص مدونة الأسرة، دعت الدراسة إلى المراجعة الشاملة لهذه المدونة، وكذا إلى مراجعة القانون الجنائي وقانوني المسطرة المدنية والجنائية والتنظيم القضائي وباقي القوانين ذات الصلة بما يكفل تحقيق الملاءمة مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق