مجتمع

بوعياش تؤكد: تعنيف النساء أضحى ظاهرة مجتمعية

حكيمة أحاجو

كشفت أمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن العنف ضد النساء والفتيات يعد الانتهاك الحقوقي الأكثر تفشيا والأقل اعترافا به في العالم.
وأوضحت في معرض مداخلتها في لقاء عقد بأبوظبي بالإمارات العربية المتحدة، حول “الإعلان العربي لمناهضة جميع أشكال العنف ضد المرأة والفتاة بين النص وسبل التنفيذ”، أنه في كل إحدى عشرة دقيقة، تُقتل امرأة أو فتاة على يد شخص قريب، كما تتعرض واحدة من كل ﺛﻼث ﻧﺴﺎء في العالم ﻟﻠﻌﻨﻒ اﻟﺠﺴﺪي أو اﻟﺠﻨﺴﻲ خلال ﺣﻴﺎﺗﻬﻦ.
وأضافت بوعياش، أن الرقمنة بدورها أدت إلى بروز أشكال جديدة من العنف عبر الانترنيت بأشكال شتى، منها تفشي خطاب الكراهية المعادي للنساء، وإساءة استخدام الصور لانتهاك الحياة الخاصة أو الاستدراج أو الابتزاز، فضلا عن حالات العنف والتحرش الجنسي والتمييز.
وفي هذا الصدد، قالت بوعياش إن النساء أصبحن أمام عنف افتراضي، وعنف في الواقع، وعنف يعاد إنتاجه، وعنف عابر للأمكنة، وعنف يتخطى حدود الأزمنة، واصفة أن تعنيف النساء والفتيات جائحة لا تقل خطورتها عن الأوبئة التي تهدد سلامة الأفراد والجماعات، وهو ما يقتضي من الدول- حسب تعبيرها- “العمل على تظافر الجهود لمواجهتها، انطلاقا من مبدأ العناية الواجبة”.
واعتبرت أن ما يزيد في تفاقم من خطورة، تعنيف النساء والفتيات هو أنه لا يتم التبليغ عن معظم هذه الانتهاكات، وفي حال تم ذلك، فغالبا ما يفلت الجاني من العقاب، مؤكدة أنه ظاهرة تطرح علامات استفهام ذات أبعاد متعددة عن قبول واقع العنف ضد النساء والفتيات، وعن مدى فعلية القوانين لمناهضة المآسي الاجتماعية وذات التكلفة الكبيرة، لأن ظاهرة العنف لا تتقيد بالضرورة بالظروف الاقتصادية ولا الجغرافية ولا المجتمعية، مما يلزم الدول بتوفير السبل القانونية والتعاقدية، والأدوات الملزمة لسيادة القانون وبرامج وطنية للنهوض، بما فيها فنية، تربوية تقوم بمساءلة الممارسات المجتمعية.
ومن هذا المنطلق، عبرت المسؤولة الحقوقية عن دعم المغرب للإعلان العربي لمناهضة جميع أشكال العنف ضد المرأة والفتاة، بهدف تعزيز الترسانة التشريعية والقانونية لجامعة الدول العربية وأجهزتها المختلفة.
وفي سياق متصل، طالبت بضرورة ملاءمة القوانين والتشريعات لمناهضة الإفلات من العقاب، والوقاية والتكفل بالنساء ضحايا العنف وبذل العناية الواجبة لحمايتهن، وتعميق النقاش المجتمعي حول المساواة والمناصفة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة وغيرها من الأولويات الحقوقية.
وأوضحت أن العنف ضد المرأة أصبح ظاهرة مجتمعية ذات روافد بنيوية في جل المجتمعات وأضحى مكونا أساسيا في جرائم متعددة من قبيل الاتجار بالنساء والفتيات وغيره، خاصة أمام التزايد المضطرد والمقلق في حدته، وتناسل صور جديدة للعنف الموجهة ضد المرأة، على الرغم من الجهود التي تبذلها جميع الجهات الفاعلة، بما في ذلك المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، مما يحــد من قــدرة النساء علـــى التمتـــع بحقـوقهن ويمنعهن مــن الانخراط التام والفعـــال فـــي الديناميات المجتمعية.
وذكرت بوعياش، أن المؤسسات الدولية والأممية، كالتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، شددت على ضرورة ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية والبرتوكولات الأممية، وزيادة التعبئة وحماية المدافعات عن حقوق المرأة، لأنه ما كان لهذه الممارسات الحاطة بكرامة الإنسان أن تجد مكانتها في النقاشات الحقوقية لولا تعبئة النساء والفاعلات اللواتي كسرن جدار الصمت وانتزعن للضحايا حقهن في الكلام، لحكي مآسي حياتهن الاجتماعية والثقافية والنفسية.
وفي هذا الإطار، اقترحت بوعياش التوافق حول موعد منتظم لتقييم التطورات المسجلة بعد إطلاق الإعلان العربي لمناهضة جميع أشكال العنف ضد المرأة والفتاة، ومناقشة الإشكاليات لصياغة أنجع السبل لتدبيرها، وبناء القدرات بما يكفل رصدا موضوعيا ودقيقا للإشكاليات المسجلة على مستوى الولوج للحقوق، وتكثيف الجهود لتغيير المعطيات الاجتماعية والثقافية ومواصلة العمل من أجل مأسسة فعلية وفعالة لمساواة والمناصفة.
وشددت المتحدثة على أن الإجراءات الاستباقية للوقاية من العنف ونشر الوعي والحماية ومبادرات تجويد السياسات العامة، واعتماد استراتيجيات لنشر ثقافة المساواة ومكافحة الصور النمطية، مع الحرص على عدم السقوط في مقاربة تبسيطية واختزال أسباب المشاكل التي تعاني منها المرأة في عدم قدرة النصوص القانونية على توفير الحماية اللازمة لها، سيمكن لا محالة من تدارك التأخر الذي سجلته المنطقة العربية في تفاعلها مع موضوع العنف ضد النساء ومع توصيات الآليات الأممية وبذل مجهودات أكبر لمواكبة التطورات الدولية في مجال حقوق الإنسان وبناء ثقافات مجتمعية داعمة وحاضنة للمشاركة النسائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق