طي ملف الحرائق
بقلم: الأستاذ عبد الله الفردوس
طوت العصابة الحاكمة في الجزائر ملف حرائق الغابات بمنطقة القبايل خلال صيف 2021، مع كل ما صاحب هذا الحدث المفتعل من استغلال مقصود ممن افتعله لاتهام المغرب بالتورط في إشعال النيران، بتقديم شبان قبائليين قرابين حكمت عليهم في نهاية الشهر الفارط بالإعدام وعددهم 49 متهما ومحكوما. وقد مر موضوع الإدانة والحكم بالإعدام مرور الكرام كخبر عاد في الإعلام الدولي الذي تابع ملف هذه الحرائق ومعه ملف اتهام المغرب بالتسبب فيه، دون أن يثير سؤالا يهمنا نحن في المغرب حول صدقية الاتهامات الجزائرية لبلادنا، ولماذا لم تثر العصابة الحاكمة في الجزائر خلال تقديمها للمتهمين أدلة عن تواطؤ محتمل للأظناء ولتنظيم “الماك” مع المغرب للقيام بهذا الفعل الإجرامي.
كلنا نعلم أن ملف حرائق الغابات، من أكثر الملفات التي استخدمتها العصابة أمام الرأي العام الجزائري والدولي لتبرير قطع العلاقات مع المغرب ووصف بلادنا بالعدوان، دون تقديم أدلة بل عشر دليل. وفي هذه المحاكمة التي دامت أشهرا لم يثر ملف إدانة المتهمين ما يفيد تخابرهم مع جهات مغربية أو مشرقية، وتم طي ملف الحرائق بالحكم بإعدام المتهمين، دون أي تحقيق في مصداقية اتهام المغرب، أو انتزاع دليل واضح وحجة دامغة لإثبات المزاعم الخطيرة بتورط البلد الجار في جريمة إنسانية وبيئية مدانة دوليا.
لم يكن مع العصابة أدنى دليل، لأنها تعلم قطعا أنها من صنعت ملف الحرائق ووجهت الاتهام واستخدمته في قضاء أغراضها الدنيئة، ثم سارعت إلى طيه بإصدار أحكام في ملف يتعلق بتداعيات هذه الحرائق، ومنها قتل الشاب الجزائري جمال بن إسماعيل وإحراقه والتمثيل بجثته، دون إخبار الرأي العام بمصير التحقيق في الحرائق نفسها، التي أطالت ألسنة نيرانها لتصيب العلاقات مع دولة في الجوار، وتؤثر على الروابط بين الشعبين، وتشعل فتيل الأحقاد والكراهيات إلى غاية اليوم. لقد قضت العصابة وطرها وحققت مبتغاها في نقل النيران إلى القلوب، واصطناع مظلومية، ولم تكلف نفسها بعد ذلك فك الألغاز ولا تقديم توضيحات ولا تبديد شكوك، ولا حتى الاعتذار عن تلفيق تهم كاذبة لبلد جار وشقيق اكتوى من حرائق الغابات في صيفين متتابعين، ولم يتهم بالمثل جيرانه في الشرق، وإنما شمر عن ساعد الجد والعمل، وعمل على إخماد الحرائق في أكثر من بؤرة بفضل سياسته الاستباقية والتوقعية وتجهيزاته التي وفرها في أحلك الظروف لتدبير هذه النوازل والمخاطر القائمة، من غير أن يلقي باللائمة على عدو خارجي أو داخلي يمسح فيه فشلا سياسيا أو سقوطا أخلاقيا، كما هو حال العصابة.
لقد استغلت قضية حرائق غابات القبايل من طرف العصابة الحاكمة في الجزائر أيما استغلال ضد الشعب الجزائري أولا، وضد المغرب ثانيا، وعلم العالم الطرف الحقيقي المستفيد من هذا الحدث لتعطيل الحراك الشعبي وتقسيم الشعب الجزائري، وإثارة الفتنة في صفوفه، من جهة، والتخويف من عدو خارجي يتربص الدوائر بالشعب ويجلب الشرور والكوارث لجيرانه، ونجحت العصابة مؤقتا في تمرير هذا السيناريو البائس للتغطية على كل جرائمها ضد الشعبين المغربي والجزائري، وزيادة جرعات الكراهية لدى قطاع كبير من البسطاء والمغفلين والمغرر بهم، والمغرورين الذين انضموا إلى جوقة العصابة وخدامها وأزلامها، لكن مع هذه المحاكمة التي طوت بالحيل والدسائس والتلبيسات ومسرحيات مفبركة على هامش الحريق، أهمها مسرحية مقتل الشاب ابن إسماعيل، تنبعث من جديد أسئلة مصداقية ومصير الاتهامات الموجهة إلى المغرب، خاصة بشأن إشعال الحرائق والتواطؤ مع حركة الماك السلمية المتهمة كذلك بالتسبب في الحرائق. لن تجيبنا العصابة عن أي سؤال من هذه الأسئلة المعلقة على تحقيق لم يتم وأدلة لم تقدم، في أمر خطير تشيب له الولدان وهو: دخول المغرب وعملائه إلى غابات تيزي أوزو، وقيامهم بإحراق الأشجار والحيوان والإنسان، في اعتداء سافر على الشعب الجزائري وعلى البيئة المتوسطية. فلو كان العالم يصدق العصابة ويولي اتهاماتها اهتماما، لوضع المجتمع الدولي والمحاكم الدولية والتقارير الأممية بلادنا في مرمى الإدانة والعقوبات، غير أن الحاصل هو اقتراب ساعة العصابة بكل ما أنجز عنها من تقارير وإبلاغات دولية عن انتهاكاتها للحقوق، وقيامها بجرائم ضد الإنسانية، ومساعيها لإغراق المنطقة المتوسطية والشمال إفريقية في أتون الحرب والكراهية، فضلا عن الاتجاه إلى تصنيف دولتها كدولة مارقة وراعية للإرهاب، وفاقدة للمصداقية والموثوقية بعد كل الذي خططته من مؤامرات ودسائس ومكائد تخطت المغرب إلى جواره الإقليمي وإلى دول وضعتها العصابة في مرمى الإضرار بمصالحها والتدخل في قراراتها السيادية.
إن كل شروط إدانة العصابة الحاكمة في الجزائر بالتورط، ليس فحسب في أحداث حرائق الغابات، بل في كل الحرائق والحروب التي تشعلها في المنطقة وفي العالم العربي والإسلامي، باتت متوفرة، وتنتظر الوقت المناسب والإشارة الدولية القوية لتنزيلها وتطبيقها، بعد أن بلغ سيل الأكاذيب والتزوير والانتهاك والخداع والتحريش والتضليل درجات قصوى تجاوزت فيها العصابة كل الخطوط الحمراء، وتخطت فيها كل المبادئ الأخلاقية في حدودها الدنيا، وهي تدلي ذات الشمال وذات اليمين بتصريحات عشوائية واتهامات باطلة، ومن أعلى قياداتها التي تجالس ممثلي الدول والأمم، دون أن يرف لها جفن بشأن ما تخلفه هذه الاتهامات والتصريحات المجانية وغير المسؤولة من امتعاض وتقزز واحتقار لعصابة مجرمة تمثل دولة، وتتحكم في قرارات مصيرية تضر بمصالح الشعوب، وتدعي بهتانا وزورا على رؤوس الأشهاد أنها تسعى للم الشمل، وأنها قطب راحة وسلام، وعامل استقرار وأمان.
نحن أمام عصابة حقيقية تعيش على الأحقاد وإثارة النعرات، وتتاجر في القضايا العادلة للشعوب والدول، وعلى رأسها قضية الشعب الجزائري نفسه الذي تنفث فيه سمومها، وتتغذى من الكراهيات التي تختلقها وترعاها في المنطقة، معتقدة بغبائها أن حيلها ستنطلي على المجتمع الدولي، وأن السكوت المغربي عن إساءاتها المتكررة وسعارها الدائم، سيجعلها تفلت من عقاب التاريخ، وها هو هذا التاريخ ومن غير أن يستدعيه المغرب، بدأ في لف حبل النهاية على عنقها بتحويل كل اتهاماتها وادعاءاتها الباطلة، إلى إدانة صارخة لها وبأيديها التي ترتد مكائدها إلى نحرها، ليعلم الشعب الجزائري وكل أحرار العالم أي طينة هي هذه العصابة التي حشرنا معها في الجوار.