عيون مغربية تحرس أرض المونديال
قطر/خالد حداد -عبد الله أسعد
منذ حصولها على شرف تنظيم مونديال 2022 قبل 12 سنة، جعلت قطر من ملف “أمن البطولة”، ورشا محوريا للوفاء بالوعود التي قطعتها والتي كان من بينها تقديم نسخة استثنائية من كأس العالم على المستوى الأمني.
ورفعت قطر شعار بطولة خالية من الشغب والجرائم وكل ما من شأنه أن يعكر صفو ضيوف كأس العالم، وهي ماضية في الوفاء بوعدها، من خلال استراتيجية أمنية متكاملة تراعي أدق التفاصيل، وتستحق أن يطلق عليها المثل الشعبي المغربي القائل “البق ما يزهق”.
ولكسب رهان هذا الورش الحساس، استعانت قطر بالخبرة الأمنية المغربية، حيث يشهد المونديال حضورا وازنا لرجال أمن مغاربة، منهم المقيمون في قطر، ومنهم خبرات تم جلبها من المغرب.
حضور مغربي وازن
يقفون في مختلف مرافق العاصمة الدوحة ببذلاتهم السوداء وقبعاتهم، حاملين أجهزة اتصالات لا سلكية، وأعينهم تدور في كل اتجاه، وتراقب “الشادة والفادة”، إنهم رجال الأمن المكلفين بتأمين النسخة الـ 22 من كأس العالم المقامة حاليا في قطر.
يقدمون العون والاستشارة والتوجيه لزوار البطولة وبلغات مختلفة، ما يسهل عملية التواصل معهم، ومن بينهم مئات المغاربة الذين ما إن يتعرفوا على مواطن مغربي، إلا وينخرطون معه في الكلام “المباح”، لأن الحديث عن أمور داخلية تتعلق بأمن البطولة ممنوع منعا باتا، حتى لو تعلق الأمر بأسئلة صحافي فضولي يريد معرفة معلومات قد تفيده في صياغة مقاله، وهذا ما أكده لنا عدد من رجال الأمن المغاربة الذين التقيناهم في مجموعة من الملاعب ومحطات المترو، بل إن حتى التقاط صور تذكارية مع البعض منهم، خصوصا ذووا المراكز الحساسة، أمر غير مسموح.
وينتشر رجال الأمن المغاربة في العديد من المنشآت والمناطق بالعاصمة القطرية، لكن تواجدهم ملحوظ بشكل أكبر في المحيط الذي تتحرك فيه الجماهير المغربية، حيث حرصت الجهات المسؤولة على أمن البطولة، على أن يكون أغلب رجال الأمن المكلفين بتأمين بعثة المنتخب الوطني في مقر الإقامة وفي ملعب التداريب وأيضا في الملاعب التي تحتضن المباريات، مغاربة ليكون التواصل سلسا وسهلا، بينهم وبين الصحافيين والمشجعين.
“أهلا بولاد البلاد”
“أهلا بولاد لبلاد”، تحية دأب عدد من رجال الأمن المغاربة المتواجدين بملعب “الدحيل” الذي يحتضن تداريب المنتخب الوطني، على ترديدها، كلما وصل الصحافيون لتغطية إحدى الحصص التدريبية لـ”الأسود”.
في هذا الملعب تم الاستعانة بمغاربة ينتمون للجيش القطري، من أجل الأشراف على مراقبة عملية الدخول التي تتم وفق إجراءات جد مشددة.
وحسب معلومات حصلت عليها “الرسالة الرياضية” من رجل أمن مغربي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بقوانين العمل، فقد تم جلب العشرات من المغاربة الذي ينتمون للجيش القطري من أجل المشاركة في العمليات الأمنية للبطولة، بعد أن خضعوا لدورات تكوينية في كيفية تأمين التظاهرات الرياضية الكبرى.
وعبر المتحدث ذاته في دردشة قصيرة على هامش إحدى الحصص التدريبية للنخبة المغربية، عن اعتزازه بالمساهمة في توفير كل الظروف الأمنية الملائمة لمنتخب بلاده وعن فخره بما حققه “الأسود” لحد الآن في هذه المسابقة.
ولا يقتصر الحضور الأمني القوي للمغرب على رجال الأمن والجيش المقيمين في قطر، بل يشمل أيضا التحاق خبرات مغربية في مجالات أمنية حساسة، بأرض المونديال، من أجل تقديم الدعم والمساندة لدولة قطر.
وانطلق انخراط المغرب في تأمين النسخة الـ 22 من كأس العالم التي تقام لأول مرة على أرض عربية، بشكل مبكر من خلال توفير تجارب ميدانية ونظرية لوفود أمنية قطرية، حلت بالمغرب في أكثر من مناسبة للإطلاع على خبرات هذا الأخير في التعامل مع التظاهرات الكروية الكبرى، وكيفية تدبير الملتقيات العالمية التي تجلب أعدادا غفيرة من الجماهير.
ويساهم المغرب أيضا في تأمين البطولة من المخاطر “السيبرانية”، علما أنه وقع على مذكرة تفاهم لتبادل المعلومات الخاصة بالمونديال مع السلطات القطرية، وأرسل أطرا مغربية ذات خبرات عالية في مجالات الأمن الرياضي، وجمع وتحليل المعطيات المعلوماتية للاستفادة منها في تأمين هذه النسخة الاستثنائية من كأس العالم.
الأمن والأمان
لم تحتل قطر مكانتها المتقدمة على رأس قائمة الدول الأكثر أمانا من فراغ، فهناك جهود جبارة تبذلها المؤسسات المعنيَة بحفظ الأمن، وفي مقدمتها وزارة الداخلية القطرية التي أرست قاعدة راسخةً تلمسها في كل مكان، بوجود عيون ساهرة على أمن الناس دون تضييق على حرياتهم أو فرض رقابة عليهم، فتشعر بالأمن دون أن تشعر بوجود فرد الأمن في كافة تفاصيل حياتك أو تخشى لقاءه، بل على العكس غالبا ما يكونون داعمين ومساعدين ومبادرين لخدمة جميع ضيوف المونديال بشهامة وإخلاص ودون تمييز أو تفرقة.
هذه المعطيات لاحظناها بشكل كبير في محيط الملاعب وفي مناطق المشجعين، غير أن المعاملة اللينة لا تعني بأي وجه من الوجوه التساهل في تطبيق القوانين والإجراءات المعمول بها.
للدخول إلى أحد ملاعب المونديال، “ضروري المرور من عين لبرة”، سواء كنت صحافيا أو مشجعا أو من كبار الشخصيات، حيث يتم الخضوع لعملية تفتيش دقيقة من خلال تمرير الحقائب والأجهزة الإلكترونية عبر جهاز السكانير، قبل مرحلة الفحص اليدوي عبر تمرير جهاز الكشف عن المعادن على مختلف أعضاء الجسد للتأكد من عدم وجود أي ممنوعات.
ولكي تكون الأمور أكثر وضوحا لا يمكن أن تصل إلى ملعب من الملاعب دون أن تجد لافتات ضخمة مكتوب عليها قائمة الممنوعات، بالإضافة إلى توفر كل الملاعب على مخازن للمواد المحضورة التي يتم حجزها من المشجعين قبل الدخول إلى الملعب، ويمكنهم استعادتها أثناء المغادرة.
“راك معروف”
حينما رفع القطريون شعار تنظيم كأس العالم الأكثر أمانا في تاريخ كرة القدم، لم يكن كلامهم مجرد دعاية، لأنهم أعدوا بالفعل العدة الكاملة، لتكون الطبعة الـ 22 من المحفل الكوني هي الأفضل على المستوى الأمني، كيف ذلك؟
الجواب بسيط، إذ يكفي الإشارة إلى أن كل شبر من قطر مراقب بكاميرات عالية الجودة والدقة يتجاوز عددها 100 ألف كاميرا، تتوفر على أحدث التكنولوجيات المعتمدة في مجال المراقبة الرقمية، وهي شبكة تم الاشتغال عليها منذ سنوات إلى أن أصبحت جاهزة بشكل كامل مع ضربة بداية المونديال.
عيون المراقبة الإلكترونية المنتشرة في المطار ومحطات الميترو وملاعب المونديال “الثمانية” وأغلب الشوارع والساحات الرئيسية وأماكن إقامة المشجعين، ترفع شعار “سير راك معروف” في وجه كل من سولت له نفسه التفكير في القيام بأي فعل مخالف للقوانين، حيث تسهر فرق متخصصىة على متابعة كل صغيرة وكبيرة في مختلف المناطق والمنشآت، قبل إعطاء تعليماتها الفورية لعناصر التدخل السريع لاحتواء أي اختلالات أو تجاوزات من شأنها تعكير الأجواء.
وتوفر منظومة المراقبة الرقمية، درجات أمان عالية، اعترف بها القاصي والداني من ضيوف المونديال، في مقدمتهم من كانوا إلى زمن قريب، ينتقدون قطر ويهاجمونها.
والجميل أيضا في قطر أن ضياع الأشياء والمقتنيات والمتعلقات الخاصة أمر نادر الحدوث مهما كانت قيمتها، وهذا ما وقفنا عليه من تجارب خاصة لأشخاص نسوا هواتفهم أو محافظهم في أماكن عامة، لكنهم عادوا ووجدوها في المكان الذي تركوها فيه، وحتى من يفقدون أشياءهم في سيارات الأجرة أو وسائل النقل سرعان ما يسترجعونها.
“ما يمكنش درجة الأمان في هذا البلاد، تصور أن تضع هاتفك ليشحن في مكان عام، وتذهب إلى المسجد لأداء الصلاة وتعود فتجده في مكانه… صراحة أمر لا يصدق”، بهذه العبارة كشف الدولي المغربي مصطفى حجي عن انبهاره بدرجات الأمان والثقة العالية في قطر، وختم في لقاء سريع معه بـ”سوق واقف” بالقول “الأمن علامة مميزة في هذه النسخة من المونديال”.