رياضة

هنا قطر .. أرض المونديال التاريخي

قطر/خالد حداد -عبد الله أسعد 

أينما تولي وجهك في كل شبر من قطر بشوارعها الفسيحة ومبانيها الشاهقة، لا بد أن تصادف شيئا يحيلك على النسخة الـ 22 من كأس العالم لكرة القدم التي ستقام لأول مرة على أرض عربية، خلال الفترة الممتدة من 20 نونبر إلى 18 دجنبر.

فمنذ حصولها على شرف تنظيم مونديال 2022، قبل 12 سنة، استثمرت قطر كل إمكانياتها، لتقديم بطولة استثنائية وغير مسبوقة على جميع المستويات والأصعدة، ورفعت سقف التحدي عاليا لجعل هذه التظاهرة العالمية، مناسبة لتقديم أوراق اعتمادها كوجهة بارزة لاحتضان التظاهرات الرياضية الكبرى، وهاهي اليوم تكتسي أبهى الحلل، بعد أن تزينت سماؤها بأعلام البلدان المشاركة، وأرضها بملاعب بتصاميم مبتكرة، تختزل بين جدرانها ومعمارها الفريد، سنوات من العمل الدؤوب والجاد، وتنطق أحجارها وأسوارها فتقول “هنا قطر .. هنا أرض المونديال”.

“بوابة ” بلد كأس العالم 

عندما تحط بك الطائرة في مطار”حمد الدولي” بالعاصمة الدوحة، تدرك بسرعة أن هناك شيئا استثنائيا، فالحركية كبيرة، ومعدلات تدفق المسافرين مرتفعة وغير مألوفة، دون أن يؤثر ذلك على سلاسة الإجراءات لتفادي الاكتظاظ.

فما إن تلفظ الطائرات ما في جوفها من مسافرين، وأغلبهم من مشجعي المنتخبات المشاركة في مونديال قطر، تثير انتباهك جنبات المطار المزينة ببعض اللوحات الترويجية للمونديال، قبل المرور عبر قاعة التسجيل التي تعد الخط الأخير الفاصل بين بوابة النزول من الطائرات، ومكان تسلم الأمتعة، وما إن تقطع هذه المسافة، تجد نفسك في ممر طويل بمخارج متعددة، منها ما يؤدي إلى شبكة المترو، ومنها ما يأخذك إلى مكان توقف سيارات الأجرة والحافلات، لتبدأ رحلة الإمتاع والإبهار في بلاد المونديال.

مطار “حمد الدولي” الذي يعد بوابة قطر على العالم، شهد بدوره “ولادة جديدة”، بعد أن تمت توسعته وإعادة هيكلة مرافقه، ليكون جاهزا لاستقبال ضيوف “العرس” العالمي، ويقدم لهم تجارب جديدة كليا، ويواصل دوره الريادي، بعد أن ارتفعت قدرته الاستيعابية إلى أكثر من 58 مليون مسافر سنويا، حسب المسؤولين القطريين.

وشملت التحسينات والتطويرات عديد الجوانب، وفقا لأعلى معايير الخدمات، مرورا بخيارات الضيافة وعروض التسوق التي لا حصر لها.

ومن أهم المعالم الجديدة التي تشد الأنظار في مطار “حمد الدولي” حديقة “أورتشارد” الرائعة التي تتوسط مرافق التوسعة الجديدة، وتضم مسطحا مائيا جميلا، مما يجعلها منطقة جذب للمسافرين عبر المطار، كما أنها تزخر بأشكال متنوعة من الحياة النباتية، حيث يوجد بها أكثر من 300 شجرة، وأزيد من 25 ألف نبتة، تم جلبها من غابات مستدامة من جميع أنحاء العالم.

ويتيح التصميم الفريد للمكان، تأقلم الأشجار والنباتات الموجودة بها، بسهولة مع الظروف الداخلية والاستمرار في النمو، فيما يوفر الضوء الطبيعي المنساب عبر السقف الشبكي الزجاجي، أجواء هادئة داخل المطار تبعث على الارتياح والتحفيز والروح الإيجابية لدى جميع المسافرين.

وتتيح توسعة مطار “حمد الدولي” للمسافرين الانتقال بسلاسة من منطقة إلى أخرى واستكشاف العروض والمزايا الفاخرة التي يزخر بها بداية من توفير خيارات المأكولات العالمية إلى روعة استكشاف المجموعات والأعمال الفنية والمتاجر الفاخرة، منها متجر الفيفا الوحيد في العالم.

على أهبة الاستعداد

المتجول في شوارع العاصمة القطرية بأبراجها الشاهقة ومراكزها التجارية الفسيحة، يلمس بسرعة كبيرة أن هناك أمرا غير عادي، حركية ورواج وحماس وسط المواطنين والمقيمين، وإجراءات وتدابير استثنائية، تعد ببطولة ناجحة ومميزة، بل وفريدة من نوعها على مستوى تاريخ المسابقة العالمية.

ولإنجاح هذا الحدث، اختارت اللجنة المنظمة أن تروج للبطولة على أوسع نطاق، من خلال أفكار مبتكرة، وصلت إلى حد توشيح ناطحات السحاب المتواجدة في قلب العاصمة، بصور عملاقة لأبرز نجوم “الساحرة المستديرة” المشاركين في الدورة، كما أن الحملة التسويقية تشمل أيضا، حسب ما عاينته “الرسالة الرياضية”، نشر لافتات في كل الشوارع والمرافق العامة، وشاشات تفاعلية في “المولات”، تلهب حماس المشجعين، بالإضافة إلى إضاءة الواجهات الأمامية لعدد من البنايات العملاقة، بألوان الأعلام الوطنية للمنتخبات المشاركة.

من “درب لوسيل” إلى “كورنيش” الدوحة مرورا بـ “سوق واقف” وانتهاء بجزيرة “اللؤلؤة”، لا صوت يعلو على صوت المونديال، فعاليات متعددة للمشجعين، تضعهم في قلب الحدث، واحتفالات تستمر إلى ساعات متأخرة من الليل، وسط جاهزية كاملة لقطر ببنيات تحتية مميزة، تحولت معها العاصمة الدوحة والمناطق المتاخمة لها إلى خلية نحل متكاملة، وسط ثورة هائلة في بناء شبكة طرق حديثة، لتحسين سهولة الحركة والوصول لكافة ملاعب “الحدث الكوني” البارز.

” كورنيش” الدوحة الذي يعد “القلب النابض” للاحتفالات والفعاليات خلال المونديال، شهد طوال الفترة الماضية مرحلة إعادة تأهيل متكاملة على اعتبار أنه سيستضيف أحد أهم “الكرنفالات”، ويتعلق الأمر بمهرجان الفيفا للمشجعين، علما أنه لم يكن المنطقة الوحيدة التي شهدت ثورة تغيير مقارنة بما كانت عليه في كأس العرب التي أقيمت في 2021، فمرحلة التطوير الشاملة همت مناطق عدة، أعقبتها خطوات عديدة بالتركيز على المعالم السياحية والأثرية التي تعد مقصدا مهما لزوار المونديال، إذ تم العمل على إعداد برامج متكاملة في كل من “سوق واقف” والمتاحف القطرية وجزيرة “اللؤلؤة” و”قطيفان الشمالية”، وفي كافة المعالم الأخرى التي أعلنت جاهزيتها لاستقبال جميع المشجعين للاستمتاع بتجربة اكتشاف قطر عن قرب ومعايشة الأجواء المونديالية بطابع قطري وعالمي.

إلى جانب ذلك، تسارعت الخطوات في منطقة “لوسيل” الحديثة التي تعد مدينة “كاملة الأوصاف” استحدثت خصيصا، لتعكس رؤيا جديدة لقطر الحديثة والمتطورة المستشرفة للمستقبل، علما أن ملعبها الكبير  سيكون مسرحا للمشهد الختامي لكأس العالم في 20 دجنبر.

قلب المونديال

خطف حفل افتتاح “مهرجان المشجعين” الألباب، ليلة أول أمس السبت، في أجواء أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها خيالية، بحضور جماهيري ضخم، بحديقة “البدع” وعلى “كورنيش” الدوحة.

ومعلوم أن النسخ الأخيرة من كأس العالم، ارتبطت جميعها بإحداث مناطق خاصة بالجماهير، للاحتفال ومتابعة المباريات، لكن في الطبعة الحالية من كأس العالم، ستكون الأمور مختلفة، وغير مسبوقة، كما وكيفا، حيث أعدت اللجنة المنظمة برنامجا متكاملا وغنيا لضيوف قطر، للاستمتاع بنسخة يراد لها أن تكون متفردة وتاريخية.

 وحرص جياني انفانتينو رئيس الفيفا على حضور حفل افتتاح مهرجان المشجعين، إلى جانب عدد من أساطير الكرة العالمية،  يتقدمهم الإسباني إيكر كاسياس، والثنائي البرازيلي روبرتو كارلوس وكافو، وكذلك الثلاثي الفرنسي يوري دجوركاييف، وديفيد تريزيغيه، ومارسيل دوسايي، وآخرون.

وقال انفانتينو في كلمته بالمناسبة “نحن فخورون بكل المشجعين من جميع أنحاء العالم”، وأضاف “أهلا بكم وحياكم في قطر”، ثم أعلن افتتاح فعاليات المهرجان الذي وصفه بـ “قلب المونديال” والمكان المثالي لمشاهدة مباريات كأس العالم في أجواء حماسية رائعة، حيث المتعة لا تقتصر على إثارة كرة القدم فحسب، بل تشمل أيضا برنامجا ترفيهيا منوعا، فبالإضافة لكونه وجهة كروية يلتقي فيها المشجعون من جميع أنحاء العالم لمشاركة مشاعرهم، والاحتفال بالأجواء الفريدة التي يتسم بها العرس الكروي الأغلى، سيكتشف الزوار أنشطة مميزة للمؤسسات الراعية ومعارض مكرسة لكرة القدم.

كما تشمل الفعاليات الرئيسية في منطقة “الكورنيش”، شاشات كبيرة لعرض المباريات، بالإضافة إلى مهرجانات موسيقية، وأنشطة ثقافية والعديد من عروض الشارع الممتعة من حول العالم.

وأعطت الفنانة اللبنانية ميريام فارس، والنجم الكولومبي مالوما، ضربة بداية العروض الفنية المصاحبة للبطولة على امتداد الأسابيع الأربعة المقبلة، بمشاركة فنانين عالميين حائزين على مختلف الجوائز المرموقة في عالم الموسيقى، وعلى رأسهم ديبلو، وكيز دانيال، ونورة فتحي، وترينيداد كاردونا، وكالفين هاريس…

الملاعب ..الحلقة الأقوى

لاشك في أن الملاعب تعد الحلقة الأقوى في ملف التنظيم القطري للنسخة الـ22 من المونديال، بعدما أصبحت الأيقونات الثمانية جاهزة قبل نحو عام من ضربة البداية، لتنجح قطر في كسب الرهان وتتفوق على جميع الدول التي نالت شرف الاستضافة في النسخ السابقة.

الملاعب الثمانية التي صُممت وفق أعلى معايير الجودة، وشكلت في طياتها انعكاسا للإبداع القطري، يفوح منها عبق التاريخ وعراقة الماضي، من خلال تصاميمها التي تحاكي الثقافة القطرية والفن المعماري إلى جانب التركيز على مفهوم الاستدامة.

الوقوف أمام أي ملعب من “مسارح المونديال” الثمانية، يجعلك مشدوها، أما الدخول إليها فقد يفقدك اهتمامك بمشاهدة المباريات، بالنظر لجماليتها ورونقها، فانطلاقا من ملعب “البيت” الذي سيحتضن مباراة الافتتاح، ومرورا بملاعب “خليفة”، و”الجنوب”، و”الثمامة”، و”974″، و”المدينة التعليمية”، و”أحمد بن علي”، وانتهاء بملعب “لوسيل” الذي سيحتضن المشهد الختامي، تشكل الفخامة العنوان الأبرز لكل واحد منها بتفاصيل داخيلة رائعة وبمرافق صديقة للبيئة، حيث تمت مراعاة العديد من الجوانب في مرحلة البناء لهذه الملاعب المتقاربة من بعضها البعض، من خلال حلول مبتكرة حولت مسار المونديال من الصيف إلى الشتاء لأول مرة، وقد مرت هذه الملاعب بتجارب ناجحة عبر استضافتها للكثير من المباريات الدولية والبطولات القارية.

ولم يقتصر الأمر على ذلك بل شكل الإرث جانبا مهما في هذه الملاعب لمرحلة ما بعد البطولة، سواء من خلال الملاعب التدريبية المحيطة بها أو في الحدائق العامة والمسارات المختلفة والمراكز الرياضية والترفيهية التي تضمها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق