سياسةوطني

إلى محيي الدين عميمور… الجزائر المزورة

محمد باها المرابط //

في مقال “محيي الدين عميمور” الذي نشر على موقع  “رأي اليوم” لصاحبه عبد الباري عطوان، يوم  الأحد 16 أكتوبر الجاري، تحت عنوان : “من هواري بومدين إلى الشاذلي بن جديد”، أشار فيه إلى الأزمة القائمة بين المغرب ودولة الجزائر الحديثة فقرة ورد فيها…  “وهكذا قلت إن بعض الأشقاء ما زالوا يخدعون أنفسهم ويظنون أنهم يخدعون القراء بالادعاء أن الجزائر خلقت لجارها وشقيقها المغرب البلد العربي المسلم مشكلة الصحراء التي تستنزف خيرات المغاربة وتُجبرهم على القبول بخيارات سياسية مجحفة وظالمة …في حين يعرف القاصي والداني والسائر والراكب والمستيقظ والمستلقي أن القطر الشقيق هو الذي خلق المشكل لنفسه”.

كان من الممكن أن نغض الطرف عن مثل هذا الكلام الذي لا يبتعد عن الأطروحة التي تتبناها الدولة الجزائرية التي لا يسجل التاريخ أنها كانت موجودة قبل 1962، والتي يعود الفضل في تأسيسها إلى الاستعمار الفرنسي، والدليل على ذلك هو ما سبق وأن صرح به فرحات عباس سنة 1936 أي قبل عشرين عاما من انطلاق الثورة الجزائرية، “لو كنت قد اكتشفت أمة جزائرية لأصبحت وطنياً ولم أخجل من جريمتي، فلن أموت من أجل الوطن الجزائري، لأن هذا الوطن غير موجود، لقد بحثت عنه في التاريخ فلم أجده، وسألت عنه الأحياء والأموات وزرت المقابر دون جدوى” وهذا ما يجعلنا نرد عليه بنفس اللغة، (بأن مثقفي جزائر (الثورة) التي استقرت وبعد صراع طويل بين يدي النخبة العسكرية اختارت أن تعيد كتابة تاريخ المنطقة المغاربية حسب ما يخدم مصالحها، وهو ما يعكسه مقال الدكتور عميمور، ويفضح مدى تردي ثقافة النخبة السياسية التي أفرزتها ثورة الجزائر، التي عملت على طمس تاريخ المنطقة المغاربية،  فالقاصي والداني والسائر والراكب والمستيقظ والمستلقي، يعرف أن الجارة الجحود، التي ولدت من رحم الاستعمار، أن منطقة الصحراء كانت مغربية، لا فرق بينها وبين “تيندوف وكولم بشار” ومناطق أخرى ضمتها فرنسا إلى الجزائر متجاوزة بذلك ما ورد في اتفاقية الحماية بينها وبين المغرب، وخير دليل على ذلك هو أن سكان (تندوف وكولم بشار) عندما قرر ديغول إجراء الاستفتاء لتقرير مصير الجزائر، خرج سكانها رافعين راية المغرب ورافضين المشاركة في هذا الاستفتاء باعتبارهم مغاربة وليسوا جزائريين، وهم إلى غاية اليوم ينظر إليهم بوصفهم مغاربة، فالتاريخ يسجل كما ورد في كتاب توفيق المدني الذي يحمل عنوان (جغرافية الجزائر) بأن الحدود بين المغرب والأيالة العثمانية (جزائر اليوم) رسمت في عهد السعديين مع العثمانيين الذين كانوا يحتلون منطقة المغرب الأوسط، وما على السيد عميمور إلا أن يلقي نظرة على تاريخ منطقة المغرب الكبير، قبل الاحتلال العثماني، ودور المغرب في الدفاع عن هذه المنطقة حين كان الموحدون في مدينة تلمسان ووهران، وكيف أحدثوا في مينائها قاعدة عسكرية للبحرية المنظمة لصد غزوات الدول الأوربية على المنطقة، وقطع الطريق على الجيوش الأوربية التي كانت تتوجه إلى فلسطين في حربها الصليبية، فالمغرب لم يلجأ في تاريخه إلى أي دولة سواء كانت عربية أو إسلامية أو غربية طلبا للحماية، ويمكن اعتبار معاهدة الحماية، هفوة من هفوات التاريخ، حيث أجبر عليها، ولم يكن هو الذي طلبها، على عكس ما فعله سكان الجزائر، أو قراصنتها حين التجأوا إلى الدولة العثمانية لحمايتهم من هجمات الدول الأوربية، وذلك بعد ضعف الموحدين وسقوط منطقة المغرب الأوسط في حروب داخلية. وهذا ليس كلامنا بل كلام المؤرخين الجزائريين أنفسهم.

وحين يقول السيد عميمور بأن الأشقاء المغاربة هم الذين خلقوا لأنفسهم مشكلة الصحراء، لأنهم لم يقبلوا بإجراء الاستفتاء، لتقرير مصير الشعب الصحراوي، فإن السيد عميمور، يبدو أنه يعاني من مرض الجهل التاريخي المركب، رغم المناصب التي تولاها، فمنطقة الصحراء التي يتكلم عنها، يقول عنها توفيق المدني، في نفس الكتاب إنها جزء من التراب المغربي، ويجهل أن إسبانيا انتزعتها من المغرب تحت ضغط القوة، وبمباركة فرنسا وإنجلترا، وأن ما انتزع بالقوة لا يعطي للغاصب أي حق فيه، وهو ما فرض على إسبانيا رد هذا الحق إلى أصحابه.

إن مشكلة مثقفي وساسة جزائر اليوم من خريجي مدرسة لصوص الثورة الجزائرية وتجارها، هي أنهم يبحثون لدولتهم عن هوية تاريخية وثقافية وسياسية واقتصادية، لأنها ولدت من رحم الاستعمار تلو الاستعمار، أقول هذا، لأن تاريخها مبصوم ببصمات المغرب بدءا من الأدارسة فالمرابطين والموحدين مرورا بعد ذلك بالمرينيين والعثمانيين، وهذا معناه أن الشخصية السياسية والتاريخية والاقتصادية، ظلت ضائعة لفترة تزيد عن خمسة قرون، أي منذ ضعف الموحدين. وهنا أحيل السيد عميمور على ما قاله المفكر مالك بن نبي عن العلاقة بين الحق والباطل حيث يقول: “أنا لا أحارب الباطل إلا بنصرة الحق وإظهاره، فإن الباطل كان زهوقا من تلقاء نفسه” فهل كان الدكتور عميمور، في هذا الموضوع يحارب بالحق لنصرة الباطل، أم أنه يحارب بالباطل لإخفاء ضعف الجزائر بالافتراء على التاريخ ونصرته للباطل أمام قوة الحق المغربي.

مشكلة الدكتور عميمور وغيره من المثقفين الجزائريين لا يخرج عن دائرة البحث عن الهوية حتى ولو التجأوا إلى تزييف حقائق التاريخ، ذلك أنه في الأسابيع الماضية قامت قيامة بعض هؤلاء المثقفين ، عندما قررت وزارة الثقافة المغربية رفع دعوى على شركة “أديداس”، بسبب صورة الزليج المغربي الذي طبعته على أقمصة المنتخب الجزائري لكرة القدم، وقالت عنه إنه مستوحى من قاعة المشور بمدينة تلمسان، وهنا سقطت من حيث لم تشعر، في تأكيد بأن الزليج مغربي، وأن مدينة تلمسان التي أسسها ــ وحسب ما ورد في كتابات بعض المؤرخين الجزائريين ــ (أن بني يفرن من ملوك زناتة ومن تلاهم من الأدارسة والمرابطين والموحدين هم الذين بنوا تلمسان، وأن الأدارسة بنوا فيها مسجدا للصلاة، ثم بعد ذلك قام يوسف بن تاشفين عندما بسط نفوذه عليها ببناء مدينة جديدة في جانبها الغربي وتسمى اليوم مدينة تقرارت، ومعناه في لغة الأمازيغ “المحلة”، وأصبحت بعدها المركز الرسمي للحكومة المرابطية، مما دفع به إلى تشييد دار الإمارة والمسجد الجامع بها، كما بنى فيها قصر تلمسان القديم الذي كان موقعه غرب الجامع الكبير، فمدينة تلمسان هي مدينيتن (أقادير أو تلمسان القديمة، وتقرارت هي تلمسان الحديثة بعد أن اندثرت مدينة أقادير). كما أن الموحدين جعلوا منها عاصمة الولاية الغربية لدولتهم وأتموا بناء جامعها الكبير الذي بدأ بناءه المرابطون.

يخلص السيد عميمور في مقاله، وهو يلمز المغرب ــ وبكل  حقد ــ إلى القول “بأن المغرب لو قام بتنفيذ القرارات الأممية بإجراء استفتاء لسكان الصحراء الغربية في بداية السبعينيات. لاختار معظم الصحراويين الانضمام للمغرب، ولكان المغرب العربي اليوم قلعة صامدة تدعم نضال المشرق العربي وتواجه الأطماع الأوربية، ولما اضطر الأشقاء إلى تسول الدعم ممن يعيش هو نفسه على الدعم، لأنه كيان مصطنع”.

وهنا أسأل السيد عميمور، عن أي قلعة عربية يتحدث، هل تلك التي انطلقت منها الجزائر في بدايتها وبتآمر مع بعض القادة القوميين، في مهاجمة المغرب ومحاولة إسقاط نظامه، حيث لا ننسى الدور الذي لعبه المرحوم جمال عبد الناصر، وبتحالف مع الجيش الجزائري لإسقاط النظام الملكي في المغرب، وكذا الضباط المصريين الخمسة الكبار الذين أسرهم المغرب، واحتفظ بهم كضيوف لا كأسرى إلى أن سلمهم المغفور له الحسن الثاني سنة 1965 في مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في القاهرة.

عن أي قلعة عربية يتكلم السيد عميمور؟ هل عن تلك التي حاول المغرب أن يبنيها مع جمال عبد الناصر، والدول العربية التي زارها المغفور له الملك محمد الخامس سنة 1960، والدعم الذي قدمه إلى الثورة الجزائرية ومناصرته لها في الجامعة العربية وفي منبر الأمم المتحدة، وكان من لطف الأقدار به أن وافته المنية قبل أن يرى كيف انقلبت مصر على المغرب، وكيف انقلب جيش الأشقاء الهجين على المغرب، وخططوا للإطاحة بنظامه لإضعافه وأصبحوا يطمعون في ضم مزيد من أراضيه وثرواته، بالإضافة إلى ما ضمه الاستعمار الفرنسي؟

عن أي قلعة عربية أو إفريقية يتحدث السيد عميمور، ما دامت الجزائر تصر وبكل إلحاح، وتبذل قصارى جهودها، لتشويه وإسقاط النظام المغربي، وتحالفها مع إيران لتسقطه في ما أسقطت فيه العراق وسوريا واليمن ولبنان، خدمة لأجندتها المعادية للدول العربية والإسلامية.

وإذا كان السيد عميمور يلمز المغرب في تطبيعه مع إسرائيل ويتحسر على العرب والمغرب العربي، فإن السياسة لا تبنى على العواطف والمشاعر، ولو كانت كذلك لكانت الجزائر أول من أخذها بعين الاعتبار، ولما نهجت سياسة العداء وزرع الكراهية بين الشعبين، فالمغرب وعبر تاريخه، كان هو ذلك الدرع الواقي، والقلعة الحصينة التي دافعت عن الإسلام والعروبة سواء في شمال إفريقيا وفي غرب القارة الإفريقية وعمقها أو في الأندلس، وهو نفس النهج الذي يسير عليه اليوم، وسياسته الثقافية والاقتصادية والدينية كانت عمودية وليست أفقية، وما يربطنا بالجزائر ــ إذا كان يريد السيد عميمور أن يعرف ــ أن الروابط التاريخية السياسية وفي جزء منها الثقافية والتراثية وحتى الاقتصادية، التي تربطنا اليوم بالقارة الإفريقية جنوبا، لا تختلف عن تلك التي تربطنا بإسبانيا أو بإنجلترا، فقد نسج المغرب وعلى مدى قرون عددا كبيرا من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والسياسية مع هذه الدول، وبيننا وبين إسبانيا كثير مما هو مشترك، ثقافيا واقتصاديا، فالتراث المعماري المغربي والعربي في إسبانيا، ورغم الخلافات التي تشهدها هذه العلاقة ومنذ تنظيم المسيرة الخضراء حتى والمغاربة يطالبون باسترجاع سبتة ومليلية، لم تقم إسبانيا بطرد المغاربة القاطنين فيها، ولم تجردهم من أملاكهم كما فعلت وتفعل الجزائر العربية المسلمة التي تسابق الزمن هذه الأيام لعقد القمة العربية التي تتزامن والاحتفال بذكرى استقلالها تحت شعار “لم الشمل”. فلا داعي للتباكي على العروبة وعلى الوحدة المغاربية، يا سيد عميمور، لأن آخر من يمكن له أن يتباكى على العروبة وعلى شعب فلسطين هي الجزائر، التي شردت 40 ألف أسرة مغربية، وقتلت واغتالت خيرة قادتها، ومن أبنائها أكثر من مائة وخمسين ألفا، وهو الرقم الذي لم تسجله إسرائيل في تاريخ اغتيالاتها للفلسطيين. وسيبقى المغرب أكبر مصداقيا وأخلاقيا من الجزائر، وبدون تخلي الجزائر عن أطماعها ومخططها للزج بالشعبين الشقيقين في حرب، سيكون نظام هذا البلد الشقيق هو الخاسر الأكبر وليس المغرب، لأن المغاربة وكيفما كانت أوضاعهم واختلافاتهم غير مستعدين للتخلي عن شبر من أراضيهم المقدسة، وما اعتمادهم على مسارات الحل السياسي والديبلوماسية السلمية والهادئة، إلا أكبر دليل على القدرة الإقناعية المغربية بشرعية قضية الوحدة الترابية للمملكة، وأن هذا التوتر والتشنج والنزاع المفتعل مآله إلى زوال طال الزمن أم قصر..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق