جوهرة أم مسخرة…
بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //
على بعد ثلاثة أسابيع من موعد عقد القمة العربية المرتقبة في دولة الجزائر تواصل العصابة الحاكمة في هذه الدولة الجارة، إساءاتها واستفزازاتها الخبيثة لقمة جامعة الدول العربية ولدولة محورية من دولها، المتمثلة في المملكة المغربية الشريفة، إذ بمناسبة يوم الديبلوماسية الجزائرية أدلى وزير خارجيتها بتصريحات مشينة بشأن الصحراء المغربية، أقل ما يقال عنها أنها تزيد من تكريس تشتيت الشمل العربي، وصب الزيت على النار الموقدة التي تطلُع من أفئدة العصابة الحاكمة في الجزائر، فمن جملة ما صرح به رئيس ديبلوماسية العصابة أن قضية الصحراء جوهر الديبلوماسية الجزائرية، مختزلا في ذلك كل الملفات الداخلية والخارجية للجزائر في هذا الملف المفتعل، أما باقي الملفات الديبلوماسية الجزائرية التي تهم أساسا وحقيقة الجزائر دولة وشعبا، فهي مجرد تفاصيل صغرى، وفروع على هامش الجوهر الصحراوي أو جوهرة الصحراء، أو لنقلها صراحة “جوهر العداء المستحكم ضد المغرب” منذ نصف قرن، والذي تحول بالفعل إلى مادة لتفاخر حكام الجزائر وتنافسهم داخليا على درجات الوطنية، فكلما زاد العداء للمغرب كلما زاد سلم ارتقاء الظهور والرقاب واعتلاء الكراسي، وكلما تقربت الدول إلى أطروحاتهم الانفصالية والعدوانية على المغرب كلما توطدت العلاقات وسالت الخزانة المالية للجزائر بالمنح والعطايا والمطايا. ومع كل هذا التأكيد الجزائري على محورية ومركزية وجوهرية الصحراء المغربية في السياستين الداخلية والخارجية للعصابة الحاكمة في الجزائر، لا تجد العصابة أي حرج في التصريح أمام دول المعمور والمنتظمات الدولية أنها ليست طرفا معنيا بقضية النزاع حول الصحراء، وأن هذا النزاع محصور بين المغرب والميليشيا الانفصالية، وأن موقفها لا يتجاوز مساندة القرارات الأممية بشأن إنهاء النزاع، وأنه لا علاقة لنزاع الصحراء بأزمتها مع المغرب، وما إلى ذلك من تصريحات وخطابات مراوغة، يمحوها التورط الجزائري الدائم والمستمر في ملف هذا النزاع، حتى بات العالم برمته يشهد أن العصابة الحاكمة في الجزائر هي مبتدأ ومنتهى النزاع، وأنه لا طرف آخر أو لا صوت يعلو فوق الطرف أو الصوت الجزائري في مواجهة الطرف الثاني المغربي بشأن هذا النزاع، وحتى الميليشيا الانفصالية التي تعتبر قضية الصحراء قضيتها المركزية والجوهرية، لا تجرؤ على منافسة العصابة الحاكمة في الجزائر في تبني القضية والاستئثار بالقول الفصل فيها، وبالطواف بها في المحافل الدولية، وبعرقلة أي حل ممكن لإنهاء مأساة آلاف المحتجزين على ذمة القضية.
لقد أوغلت العصابة الحاكمة في الجزائر في استغلال ملف النزاع حول الصحراء المغربية لأهداف تخصها وتخص وضعها الاعتباري أمام شعبها وأمام المطالب المتعاظمة بتنحيتها، ووجدت في الملف الصحراوي أحسن ذريعة لتعطيل التنمية، والحجر على الحريات، ومواصلة ابتزاز العواطف والمشاعر الوطنية الجزائرية، وإحلال الفوضى والشغب في المنطقة المغاربية، واستقطاب الإرهاب والاستعمار إليها، للإفلات أولا من الحساب والعقاب على الثروات المهدورة في قضية خاسرة لا تهم الشعب الجزائري من قريب أو بعيد، وثانيا لاستدامة أجواء عسكرة الحياة الجزائرية بحجة المؤامرات الخارجية المتربصة والعدو المغربي الغاشم، ومن ثمة تسهيل مأمورية العصابة في اتهام أحرار الجزائر المطالبين برحيلها، بالخيانة العظمى، لأن هذه العصابة قد سجلت قضية الصحراء ضمن سيادتها الديبلوماسية، وسجلت العداء ضد المغرب ضمن الهوية الوطنية للجزائر، التي عليها مدار الحياة والموت في البلد الجار، والحقيقة أن عليها مدار حياة العصابة وبقائها واستمرار نهبها لثروات الشعب الجزائري، باسم الانفاق على قضية لا تعني هذا الشعب في هويته وحياته، بقدر ما تعني التغطية على جرائم العصابة التي تحكمه. هذا هو جوهر الديبلوماسية الجزائرية في الحقيقة، التي تتخذ من ملف الصحراء المغربية ورقة ضغط وتخويف وترهيب وابتزاز في الداخل والخارج الجزائريين، علما أن هذه الورقة/ الجوهرة ذات الحدين القاتلين للعصابة صارت لعبة مكشوفة في العالم، في انتظار أن تنكشف كل حيثياتها وملابساتها ومخططاتها الخبيثة للشعب الجزائري الذي ستكون له كلمته الأخيرة، إن عاجلا أو آجلا، للانتقام والقصاص مما فعلته وتفعله العصابة من عبث بأمنه واستقراره ومستقبله.
إن ما خطب به رئيس ديبلوماسية العصابة من جوهرية قضية الصحراء بالنسبة له ولأزلامه، هو قمة المهزلة والمسخرة والخزي، وهو إعلان إفلاس ديبلوماسية دولة مفلسة تلفظ أنفاسها الأخيرة،وباتت تتحرك في رقعة ضيقة،وبات ملفها الوحيد والأوحد هو الهيمنة على أرض بلد وشعب يقاوم نزعاتها العدوانية بالحكمة والموعظة الحسنة، والصمود والتصدي لانحرافات هذه الديبلوماسية البئيسة، ولمساعيها غير الحميدة لإقحام شعوب المنطقة في حرب طاحنة ستصلى العصابة نارها قبل غيرها.
جوهرية قضية الصحراء بالنسبة لديبلوماسية العصابة كما صرح بذلك وزير خارجيتها في احتفائه بنجاحات ديبلوماسيته، أكبر دليل على نفاقها الدولي وغبائها السياسي ورهانها على الخسارة تلو الخسارة دون رادع حياء أو مراعاة لمصلحة أو وفاء للمبادئ والقيم الديبلوماسية الدولية، وأكبر دليل أيضا على الورطة التي تضع فيها العصابة دولة الجزائر أمام أنظار المجتمع الدولي، وأنظار المنتظم الأممي الذي أخذ علما مرة أخرى بكون العصابة الحاكمة في الجوار طرفا رئيسيا وجوهريا في نزاع الصحراء. وبدون جلوس هذا الطرف العدواني إلى طاولة المفوضات والموائد المستديرة التي أقامتها الأمم المتحدة لتسوية النزاع وطيه، لا يمكن للمغرب أن يفاوض أشباحا أو مقاعد فارغة أو عملاء ووكلاء تسيرهم العصابة الجزائرية بأجهزة التحكم عن بعد.
لقد أفرغت ديبلوماسية العصابة الحاكمة في الجزائر كل بيضها السياسي الداخلي والخارجي في سلة النزاع حول الصحراء، ولم تعد لا قمة العرب ولا قمة العجم ولا قضية فلسطين ولا قضية الشعب الجزائري التحررية والتنموية تهمها في شيء، لأن سياسة العداء للمغرب لم تعد أولوية فحسب من بين أولويات كثيرة، بل صارت رهان حياة أو موت، وسنجعل بحول الله وبقوة الشرعية المغربية، هذا التوجه البئيس والغادر لمكرمات المغرب والخائن لدماء شهدائنا المشتركين، وبالا وخسرانا مبينا وجحيما ومهلكة، فحُطاما ثم حسرة على العصابة، فدون جوهرة الصحراء المغربية هلاك العصابة ومن والاها، وإن غدا لِناظِره لَقريب، لنرى هذا الجوهري المزيف الذي يذهب جفاء مِن الجوهرة الأصيلة اللامعة والصافية الباقية في وطنها الأبي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.