قضايا وآراء

الصورة من أجل فك العزلة

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //

تبذل العصابة الحاكمة في الجزائر الغالي والنفيس، في غياب مشاريع إنقاذ بلادها ومعها المنطقة من الويلات التي تسبب فيها تدبيرها للشأنين الداخلي والخارجي، من أجل تسجيل انتصارات وهمية ومزيفة والقيام بمبادرات فارغة وصورية تعطي انطباعا بوجود تحرك إيجابي من جانبها، وحيوية ودينامية في ديبلوماسيتها، واستقطابها للنقاش والزيارات والملتقيات التي تجعل من دولة العصابة وكيانها الوهمي محورا إقليميا ودوليا وعربيا وإفريقيا، ونجما صاعدا في السماء، بل كوكبا تدور حوله جميع الكواكب، الأمر الذي جعل الصورة الملتقطة عن هذه الحركات المصطنعة والمفتعلة تنوب بالفعل عن حقيقة ومصداقية الأفعال والنوايا والمنجزات والانتصارات الإيجابية غير المتحققة في الواقع.
إن تهافت العصابة الحاكمة في الجزائر على أخذ اللقطات المصورة هنا هناك عن تحركات لا أفق لها ولا قيمة، ثم تسويق هذه الصور في الداخل والخارج الجزائريين، للتعويض عن العجز التام في إحداث تغيير حقيقي في مواقفها العدوانية والاستعلائية، لا تعكس وجود إرادة حقيقية للانخراط الفعلي في عمليات السلام وتثبيت الاستقرار في المنطقة المغاربية والمتوسطية والإفريقية والعربية، والتطلع إلى تنمية مستدامة عبر شراكات حقيقية استراتيجية وتكاملية مع دول الجوار. فكل ما يهم العصابة هو أن تجد لأطروحتها الانفصالية قدما وتواجدا ولو في صورة ملتقطة وعابرة، هي كل ما تأمل الحصول عليه للاحتفاظ به وجرده في إطار الانتصارات والمنجزات واصطناع الأحداث والمواقف وتزييف الحقائق، ومن ثمة تسويقها واستدامة تأثيرها في المتلقي الجزائري والمتلقي المحتجز في تيندوف وتنفيس ضغط الواقع على الكيان الوهمي، وأول تنفيس تحدثه الصور الوهمية والكاذبة التي تسوقها العصابة هو فك العزلة عنها وإظهارها بمظهر الحضور الوازن في الساحة الدولية والإقليمية، وإعطاء الشرعية لأعمالها البهلوانية الفارغة، من تدشينات وزيارات واتفاقيات واستقبالات وتنظيم ملتقيات، وتقديم أرقام مهولة مزورة عن نسب التقدم والتطور وعن حجم الاستثمار والمداخيل حتى في المجالات التي لا أثر لوجودها في الواقع الجزائري وفي حقيقة التدبير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكل ذلك يمكن للصوت والصورة والخطابة والدعاية الإعلامية أن تعوضه في مشهد مسرحي، أشبه ما يكون بالمشاهد والصور المفبركة والبلاغات المزورة عن دك حصون العدو المغربي وإسقاط قتلى والاقتراب من معركة الحسم بدخول قلاع العدو ومدنه.
نقول هذا بمناسبة ردود الأفعال الاستغرابية الدولية على مجموعة من الأحداث المختلقة من قبل العصابة الحاكمة في الجزائر، والتي سرعان ما ينكشف اختلاقها واصطناعها في الصورة والخبر فقط، من غير أن يكون لها حصول أو حدوث أو حتى مجرد إشارة في الواقع، فهكذا تابعنا مع العصابة ما تلتقطه من صور لقاءات وزرائها مع وزراء دول من العالم، سواء في زيارة مبرمجة أو على هامش لقاء دولي، حيث تقوم العصابة بتسويق الصورة على أنها اجتماع داعم للأطروحة الانفصالية، أو موجه ضد المغرب، وكذلك فعلت في كل المواقف التي التقطت فيها صور على هامش الجمعية العامة للمنتظم الأممي التي خرجت فيها العصابة الحاكمة في الجزائر ببلاغات تخصها مليئة بالافتراءات والتأويلات للصور المأخوذة بما فيها الصور التي التقطت لاستقبالات مرتزقتها في عدد من الدول أو مع وفود ووزراء دول مشاركة في ملتقيات، والتعليق عليها بأنها اعتراف بجمهورية الوهم وأنها محادثات ثنائية مشتركة لدعم تقرير مصير شعب الجبهة، الشيء الذي اضطر كثيرا من الدول التي التقت وفودها بمبعوث جزائري أو بمندس من المرتزقة لتوضيح موقفها من قضية الصحراء المغربية، وأن اللقطات المصورة أو الاجتماعات المزعومة لا علاقة لها بأي اعتراف بالمرتزقة وميليشياتها، كما في حالة اللقطة المصورة عن اجتماع وفد هذه العصابة مع مسؤولين من دولة جنوب السودان أنكروا دلالة الصورة على أي اعتراف مزعوم بدولة لا يعترف بها المنتظم الأممي. الشيء نفسه وقع مع اللقطات المصورة والبلاغات الوهمية للعصابة الحاكمة في الجزائر في ما استعدت له من تنظيم من مناورات عسكرية مشتركة مع الجانب الروسي في إطار تدريبات مبرمجة للشهر القادم لتعقب إرهابيين في الصحاري وتدميرهم، فقد أوهمت العصابة من أبواقها الدعائية أن مشهد هذه التدريبات والمناورات وبالذخيرة الحية وعلى الحدود المغربية يُستهدف بها المغرب عبر استعراض العضلات والغمز في الوحدة الترابية للمغرب، الأمر الذي استدعى من الشريك الروسي في هذه التداريب المحدودة والمحددة الموضوع، أن يخرج ببيان يكذب فيه تأويلات العصابة وتوجيهاتها وتحريفاتها لهذه المناورات العسكرية، بالإشارة إلى أنها لا تستهدف أي طرف ثالث في إشارة منها إلى المغرب الذي تضعه العصابة ضمن مزايداتها الداخلية خاصة في هذه الأعمال المشتركة مع روسيا، وكأن الأمر يتعلق بتضامن مع الأطروحة الانفصالية والعدوانية للجزائر.
وقس على ذلك كل التحركات العدائية للعصابة الحاكمة في الجزائر، والتي تستهدف إنتاج الصور المزورة المسوقة على أوسع نطاق، على أنها هي واقع الانفتاح الجزائري على العالم، وعلى أنها مظهر من مظاهر نجاحات الديبلوماسية الجزائرية واستعادتها مواقع متقدمة وحلفاء أقوياء وشركاء وازنين. فسرعان ما تتبخر الصورة ويبقى الوضع على ما هو عليه من عزلة جزائرية تامة، ومن انتظار عقوبات دولية قاسية، ومن ضرب لمصداقية الدولة الجزائرية ومن تفشّ للدسائس بين أجنحة العصابة، هذا فضلا عن خسارة ملايير الدولارات في سبيل التقاط صور مزيفة لا تعكس حقيقة العلاقات الجزائرية المتداعية وواقع أوضاعها المتردية؟
على الصورة الملتقطة تعول العصابة لتمرير القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر، ولا يهمها من أمر هذه القمة إلا هذه الصورة التي ستلتقطها العصابة وتجمعها مع ملوك ورؤساء وقادة الدول العربية كدليل على تزكية العصابة وتأهيلها ومنحها صك العظمة والشرف في ميدان لا تملك شرفه ولا مؤهلات استئمانها عليه. والغريب أنها وهي تطمع في شهادة الشرف لم تكفها كل مساحيق الانبطاح والخضوع لشروط استضافة القمة وتجميل السيرة والسريرة، لإخفاء وجهها القبيح وأنيابها المكشرة ونواياها السيئة التي أعلنتها وتعلنها اليوم على أبواب القمة من ولاء تام للحضن الإيراني وعداء واستهداف واستفزاز لعدد من البلدان العربية، وعلى رأسها المغرب الذي أعلنت بشأنه على لسان مرتزقتها أنها تعد له طائرات الدرون الإيرانية لقصفه وتدميره.
لم تصبر العصابة الغبية لشهر أو شهرين إلى حين تنشيط الكاميرات والتقاط الصورة الوحدوية والتوحيدية التي تحلم بها وتتقمص بشأنها دور الناصح البريء الأمين الساعي إلى لَمِّ الشمل والشتات، إذ غلب طبعها تطبعها، وسقط القناع عن القناع، وانزلق بها التنطع والغباء والطيش مرة أخرى إلى إعلان الحرب وتصعيد العدوان والاستفزاز السافرين.
فهنيئا للعصابة على الصورة الوهمية التي فكت بها عزلتها الواقعية، وعزاؤنا للشعب الجزائري في ملايير الدولارات من أمواله وأرزاقه التي أنفقتها العصابة من أجل التقاط صورة عن نجاح وهمي وخادع وكاذب، ولا شيء غير الصورة البراقة والموهومة ومعها جعجعة في الهواء بغير طحين ملموس ولا مضمون مفيد ولا غد أفضل.
إن المطلوب من العصابة التقاط الإشارات الدولية التي تُجمع كلها على مروقها وانحرافها بالجزائر دولة وشعبا، بدل التهافت على إدمان التقاط الصور الفاشلة والمغرضة عن انفتاحها وانفكاك العزلة عنها وعن أطروحاتها العدوانية وعن ديبلوماسيتها الكريهة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق