القمة العربية والعصابة المتآمرة
بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //
تزداد الشكوك في نوايا نظام العصابة الحاكم في الجزائر بشأن استضافة هذا البلد لقمة جامعة الدول العربية وما تعلنه ظاهريا من مساعيها لإنجاح القمة وضمان مشاركة أوسع وعلى أعلى مستوى لقادة الدول العربية، وكذا ما وضعته العصابة من شعارات براقة من مثل: المصالحة ولَمِّ الشمل، لا تمت بأي صلة إلى قناعاتها وإلى أعمالها التي ترقى إلى مستوى الجرائم في حق الوحدة العربية والعمل العربي المشترك. فبعد إحباط قادة الدول العربية لكل مناورات ومؤامرات هذا النظام البائس والمجرم لجر مؤتمر القمة إلى خدمة أجندات معادية للأمة والمتاجرة في قضاياها، بفرض شروط ملزمة على هذا النظام، تراجع نسبيا عن مخططه العدائي والعنصري، وعبر ظاهريا عن استعداده لضمان التهدئة وانعقاد القمة في أجواء صحية وإيجابية، متنازلا في ذلك، على مضض، عن إملاءاته وتدخلاته في جدول أعمال القمة وقائمة الدول المشاركة فيها، بعد أن كان يلوح بها (الموضوع السوري، الموضوع الإيراني، إقحام الكيان الوهمي لمرتزقة البوليساريو، خريطة المغرب، مسألة التطبيع، استبعاد المغرب وعزله، الشأن المصري والشأن اليمني… وهلم بؤسا وسوء تدبير…).
غير أن مواصلة نظام العصابة تصعيده لحملاته ضد المغرب البلد العربي الجار والشقيق، وعلى بعد أسابيع من التاريخ المقرر لانعقاد القمة، تزيد من تأكيد خداع هذا النظام لجامعة الدول العربية، وعدم مصداقيته في ادعاءاته حمل مشعل المصالحة العربية ولَمِّ الشمل العربي، فضلا عن عدم جاهزيته الأخلاقية والتنظيمية والأمنية لتنظيم اجتماع وتظاهرة كبرى في مستوى وحجم ورهانات قمة جامعة الدول العربية، بعد تأكيده فشله الذريع في تنظيم أكثر من تظاهرة إقليمية ودولية فوق التراب الجزائري خلال الفترات التي سبقت بقليل الاتفاق النهائي على موعد عقد القمة العربية وعلى استضافة الجزائر لها.
لقد كان منتظرا، صوريا وشكليا على الأقل، من حكام الجزائر في أفق لهثهم المحموم والبئيس إلى حد التذلل والخنوع للحصول على شرف استضافة القمة العربية، وحتى يضمنوا مرور القمة في أجواء هادئة، أن توقف العصابة مؤقتا كل حملاتها المسعورة والضارية على المغرب، بما فيها البلاغات الوهمية التي تبثها صباح مساء في قنواتها الإعلامية الرسمية عن استهداف مرتزقتها المسلحين للتراب الوطني المغربي، وعن نجاحها في إسقاط ضحايا وقتل جنود ودك حصون، والتهديد بالغزو ونشر الرعب والإرهاب في مددنا الآمنة، مع وصف المغرب على الدوام بالعدو والمحتل، وتصعيد اللهجة في المحافل الدولية والإقليمية ضد بلادنا، وإقامة الأفراح وإطلاق الهتافات والشعارات المعادية لوحدتنا الترابية، وتحريش الأبواق الإعلامية الموالية للعصابة وأزلامها وديبلوماسيتها لمضايقة المغرب بدءا من المحافل الدولية وانتهاء بالملاعب الرياضية الجزائرية التي يتعرض فيها لاعبو الشعب المغربي من مختلف الرياضات للاستفزاز والاعتداءات المشينة اللفظية والبدنية بأمر من العصابة العسكرية الحاكمة، ناهيك عما لم نثره من اتهامات خطيرة باطلة في حق بلادنا، اتخذتها العصابة ذريعة لقطع العلاقات مع المملكة المغربية وإغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية بين البلدين، وقطع أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، وانتظار سقوط بلادنا في ما تسميه أبواق العصابة بالموت بردا ومجاعة وفقرا وحرمانا.
وسط هذه الأجواء المشحونة بالكراهية وبمزيد من تصعيد الحرب والأكاذيب ضد بلادنا، توهِم العصابة الشعوب العربية على أنها تجمع كلمة العرب، وتوحد الصفوف، وتلم الشمل، وتنصر الوحدة العربية، وتعمل لصالح العمل العربي المشترك، ولصالح القضية الفلسطينية المفترى عليها، فيما هي من طرف خفي تدبر، كعادتها دائما، لمؤامرة كبرى تشي كل المؤشرات إلى حد الساعة باتجاهها نحوها، وعدم تلقيها بإيجابية كل الإشارات والتنبيهات إلى خطورة أفعالها وأقوالها على وحدة الصف العربي. ومثلما أن العصابة كسرت منذ عقود اتحاد المغرب العربي، وعطلت مسيرته التنموية والحضارية التي كان بإمكانها أن تجعل البلدان الخمسة للاتحاد رائدة قاريا ودوليا بإمكاناتها وثرواتها المادية والبشرية والثقافية المشتركة والمتكاملة، في زمن التحالفات والشراكات الدولية القوية، ها هي تسعى وبنفس المنظور والمخطط المعادي للمغرب، إلى تكرار سيناريو المغرب الكبير المشرذم، وتطبيقه على جامعة الدول العربية، عن طريق التحريش بين الدول العربية وشعوبها، ونشر الكراهيات والخصومات التي لا تتعلق فقط بالملف المغربي بل وأيضا بالملف الليبي والملف التونسي والملف اللبناني والملف المصري والملف اليمني وهكذا دواليك تنفرط حبات الوطن العربي ويتمزق حبله في أيدي عصابة لا يردعها خلق ولا ضمير، ولا تؤثر فيها دروس الهزائم التي منيت بها كل محاولاتها صب الزيت على نار الأزمات العربية المتلاحقة، والخوض في التباساتها والمتاجرة في الأزمات والقضايا المشروعة للأمة، وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني.
فالعصابة من شدة غبائها وعنفها وتمكن السعار من كل مفاصيلها، لم تنتظر انعقاد القمة العربية فوق أراضيها، بكل ما يلزمه ذلك من حسن تنظيم واستقبال وحتى التقاط الصور المزكية لزعامة العصابة وريادتها ورياستها وقيادتها، أو على الأقل مرورها بسلام وأمان، لتصريف مواقفها ومخططاتها وأجنداتها، وإنما تعجلت الفرح واستبقت نجاحها، لا نجاح القمة ولا الأمة، بما أبدته وكشفت عنه من إرادة قوية وثابتة للإساءة للعمل العربي المشترك، وتطبيلها اليومي المتصاعد بالقضاء على المغرب وهزيمته وإلحاق الضرر به، وعزله جغرافيا وسياسيا.
فأي قمة عربية هذه، وحدوية جامعة للشمل، سيسلم زمام تنظيمها لعصابة تعمل على تشتيت الشمل، ولم يبدر منها أي بادرة في اتجاه الجنوح إلى السلام والتعاون، والتفكير في مستقبل آخر ممكن وواعد للعلاقات العربية البينية، وعلى رأسها العلاقة مع بلد عربي جار وشقيق، لم يثبت للدول العربية المتضامنة معه في الدفاع عن وحدته الترابية، أنه مس الجزائر والشعب الجزائري بأذى أو ضرر، فيما العصابة الحاكمة في الجزائر والتي تدبر ملف العلاقات المغربية الجزائرية تعلن جهارا مناصبتها العداء للمغرب وتسليط الميليشيات المسلحة والإرهابية عليه، وسعيها إلى تحطيمه والإضرار بمصالحه في كل ما اتخذته من خطوات لقطع العلائق وإغلاق الحدود وإقفال الأنابيب، ولو تمكن لها أن تقطع الهواء على شعبه لفعلت.
عن أية قمة عربية ناجحة وجامعة للشمل تتحدث العصابة، وهي عاجزة حتى عن لم شملها المشتت بين خلايا العصابة وأجنحتها المتصارعة على الحكم والتقرير في مصير الدولة الجزائرية ومستقبلها؛ جناح يسعى إلى التهدئة وعقد القمة والانحناء لنزعات الكراهية وعواصفها إلى حين، وجناح يسعى في هدم القمة وتخريبها على رؤوس عاقديها، بالإيعاز لأزلامه بمزيد من السعار والنباح وتوتير الأجواء بين الجزائر والمغرب وباقي الدول العربية؟ وإلى حين أن يقر قرار العصابة على ما تريد أن تفعله بقمتها، وأن تحدثه من شروخ وانقسامات في الصف العربي المتداعي أصلا، فإن الجامعة العربية مدعوة إلى صيانة أفعال عقلائها وحكمائها عن كل هذا العبث السياسي والبؤس الديبلوماسي والتحضير الأمني والتنظيمي الكارثي، ومدعوة إلى أن تصد كل محاولات العصابة تسخير منبر الجامعة العربية للتآمر على وحدة أراضي الدول العربية وأمنها وسلامتها واستقرارها، وتسويق الأوهام والفتن في أرجاء الوطن العربي.