قضايا وآراء

ونراه قريبا

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //

قبل أشهر من توقيع المغرب ونيجيريا ومجموعة دول غرب إفريقيا على مذكرة التفاهم بشأن أنبوب الغاز نيجيريا المغرب، كانت الأبواق الإعلامية المعادية للمغرب ولإفريقيا عموما ترى هذا الأنبوب مجرد خيال ووهم وفرضية مستحيلة غير قابلة على الإطلاق للتحقق، لأسباب كثيرة عددتها، حتى لكأن آخر ما يمكن لهذه الدول المصدرة أو دول المصب أو دول العبور أن تفكر فيه هو إنجاز أنبوب مستحيل ومتمنع، يتطلب من الاعتمادات المالية ما تعجز عنه خزائن الأرض، فضلا عن ضعف مردوده الذي يتآكل، ويزداد ما يحمله في أحشائه من غاز غلاء في ثمنه، كلما عبر أرض دولة من الدول الكثيرة الشريكة، مقابل المردود والربح الكبيرين في المال، والاقتصاد في الجهد والوقت لمشروع آخر منافس هو أنبوب نيجيريا الجزائر، الذي يمتلك حسب هذه الأبواق المعادية كل حظوظ النجاح والنجاعة والمردودية، بالنظر إلى قلة عدد المتدخلين، وتقلص مسافة العبور من إفريقيا إلى أوروبا، وتوفر الموارد المالية المناسبة للاستثمار في المشروع.

كانت تكفي هذه الحملات الضخمة والقوية من خبراء مزعومين وديبلوماسيين جامدين وسياسيين موتورين وإعلاميين في ركبهم، لصرف الاهتمام عن أنبوب غاز مكلف وغير واقعي، واستبعاده من قائمة المشاريع الممكنة في التعاون الاقتصادي والطاقي لدول إفريقية ومجموعات دولية، غير أن رياح هذه الحملات المغرضة جرت في اتجاه مزيد من دعم نيجيريا والمغرب ودول غرب إفريقيا التي هي أراضي عبور الأنبوب، لهذا المشروع الذي بدأت الدول الوازنة في العالم تنظر إليه على أنه من أكبر المشاريع التنموية والطاقية في هذا القرن ( ينظر تقرير وكالة بلومبرغ الأمريكية)، لوضع حد لأكبر التحديات والمشاكل التي تواجهها ساكنة إفريقية تقدر بقرابة نصف مليار نسمة، تتواجد على الساحل الغربي لشمال إفريقيا والتي تضمها 15 دولة ناهضة، بالإضافة إلى جدوى هذا الأنبوب في ضمان الأمن الطاقي للدول الأوروبية بموثوقية ومصداقية لا تتوفر لخط أنبوب غازي آخر على مسار نيجيريا الجزائر، ظل قابعا في طي الإهمال والنسيان منذ بدء التفكير فيه في ثمانينات القرن الماضي، ثم مناقشته في بداية هذا القرن، ثم التوقيع على اتفاق ثلاثي بين نيجيريا والنيجر والجزائر عام 2009 لإنجازه وتجدد التوقيع في عام 2002 وفي هذا العام أيضا، في انتظار حلول يوم القيامة، دون أن يتحقق منه إلا ما شهدناه مؤخرا من خرجات للسب والشتم والسخرية الحاقدة، بعد تفعيل الالتزامات المغربية النيجيرية الجادة بإنجاز أنبوب القرن.

في الخميس الفارط جرت بالعاصمة الرباط مراسيم التوقيع على تجسيد مشروع القرن بين المغرب ونيجيريا ودول مجموعة غرب إفريقيا، وسط توقعات قارية ودولية بنجاحه في سياق دولي داعم ومشجع، استثمره المغرب بذكاء وخبرة، خاصة لاستقطاب التمويلات والإقناع بمزايا المشروع وجدواه، مع تعزيزه بالدراسات المواكبة والمتينة والضامنة لإرسائه على قواعده السليمة والصحيحة، تقنيا واقتصاديا وماليا وديبلوماسيا وبيئيا وتنمويا. وفي هذا الإطار تحركت الأبواق الإعلامية والديبلوماسية لخصوم المغرب وأعداء إفريقيا، للترويج هذه المرة لفرية أخرى تتمثل في أن مشروع هذا الأنبوب النيجيري المغربي وإن حفت به كل الإرادات الحسنة لتنزيله وتجسيده في أرض الواقع، فإنه تلزمه عشرات السنين والسنين لرؤيته النور، وآنذاك سيكون العالم قد تحول طاقيا إلى مصادر أخرى جديدة نظيفة وخضراء، وسيعود غاز الأنبوب من حيث أتى، دون أن يحقق أي هدف من أهدافه المتأخرة والمتجاوزة… وعلى قدر ما تثيره هذه الفرية من شفقة على الهامسين بها إلى الأبواق الإعلامية، بقدر ما تحفز المجموعة الإفريقية المعنية والمجموعة الدولية المستثمرة في هذا الأنبوب، لمزيد من رفع تحدي الزمن والتمويل، والعمل على تسريع وتيرة الإنجاز.

إن ما تبين بعد رفع تحدي الإقناع بهذا المشروع وانخراط دول كبرى ومؤسسات مالية وصناديق تمويلية في مسارات بنائه وتجسيده ودعمه، أن المغرب لا يعرف شيئا اسمه المستحيل، وأن ما يراه العدو والخصم والجاحد بعيون نائمة في قاعة الانتظار، على أنه بعيد المنال، يراه المغرب واقعا قريبا، خصوصا إذا كان هذا المأمول والمنتظر بحجم الرهانات الكبرى على حل معضلات التنمية في إفريقيا ومعضلات الهجرة والبطالة والبيئة والإسكان والتعمير وكهربة العالم القروي وخلق ملايين فرص الشغل في عدد من المناطق والدول التي يعبرها الأنبوب الموعود … وغير ذلك من التحديات التي لا يمكن لأنبوب وهمي يفاخر بقصر المسافة التي تتوفر له، وقلة الدول الشريكة والمستفيدة أن يحققه.

 فمشروع الأنبوب النيجيري المغربي يتجاوز كونه مجرد عبّارة أو آلية سريعة ناقلة للغاز من نيجيريا نحو أوروبا، إلى مشروع تنموي واعد بنقلة نوعية في نهضة قارتنا الإفريقية سيكون له ما بعده، وبذلك فليفرح الشركاء في الخير والأمل والعمل بثمرة الصدق وحسن التدبير والقصد إلى تعميم الاستفادة والربح وتبادل المصالح بين أكبر قدر ممكن من الدول الشريكة، فيما تنتكس فيه أعلام الشر والاحتكار وضيق الأفق وقصر النظر التي تصفق للمشاريع الواهية والوهمية والعاجزة عن الانخراط الفعلي والصادق في غير مشاريع الابتزاز والمؤامرة والتقسيم وخدمة الأطروحات العدوانية والاستعمارية.

مغرب التحديات لا شيء مستحيل في عرفه، وإذا كان الغلاف الزمني لهذا المشروع الكبير الذي انطلقت مسيرته، يتطلب سنوات لتحقيقه كاملا على أرض الواقع ورؤية ثمراته، بالنظر إلى رهاناته الاقتصادية والتنموية الكبرى، فليكن ذلك مادام موجها للمستقبل وللأجيال الإفريقية الجديدة التي ستجد نفسها أمام نموذج تنموي رائد في التعاون وشراكة “رابح- رابح”، بدل مواصلة انتظار مشروع وهمي، يزعم منافسته للمشروع النيجيري المغربي، فيما هو يراوح مكانه في الأوراق منذ ما يقرب من أربعين سنة تجاوزت بكثير الزمن الافتراضي المحدد للإنجاز الفعلي والنهائي للمشروع النيجيري المغربي. فإن كان من مشروع فاشل يستحق أن يكون موضوع تنكيت وسخرية، فهو هذا المشروع الجزائري الذي قطع ثلث قرن في غرفة الإنعاش، ولا يُذكَر أو يتذكر إلا حينما يثار موضوع التقدم في أشغال مشروع الأنبوب النيجيري المغربي، لتبدأ المعاكسات والعنتريات وسلسلة من المزايدات والاستفزازات التي تدل على أن أمر الأنبوب العابر للجزائر ليست وراءه نوايا حسنة وصادقة لبناء قوة سلام واستقرار وتعاون في المنطقة، بل نوايا سيئة للاستقواء والاستعلاء والابتزاز، ومن ثمة إغراقه دوما في فشل وعطل مستديمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق