الضيافة الجزائرية

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس /
وجدت العصابة الحاكمة في الجزائر ضالتها الذهبية للبقاء على كراسي حكم الجزائر وخنق أنفاس الحراك الشعبي، وتتمثل هذه الضالة في استمرار تغذية العداء والكراهية بين الشعبين المغربي والجزائري في كل المناسبات، وفي كل الميادين الرياضية والسياسية والثقافية والاقتصادية والديبلوماسية… واستطاعت العصابة في وقت قياسي وظرف وجيز أن تسود صحيفة العلاقات بين الشعبين، مما لم يسبق في تاريخ النزاع حول الصحراء المغربية أن عاشتها هذه العلاقات… حيث استثمرت العصابة، بكل خبث ومكيدة، الأكاذيب والإشاعات التي اختلقتها عن اعتداء مغربي واستهداف مغربي … وأرجعت كل المشاكل التدبيرية في إدارتها للشأنين الداخلي والخارجي للجزائر إلى من أسمتهم العصابة تارة بـ”المخزن المحتل” وتارة بـ”المطبعين واليهود” وتارة بـ”دولة هوك” وتارة بـ”العدو التاريخي” وما إلى ذلك من العبارات الساقطة التي صدرت من أعلى هرم الدولة والقيادة العسكرية والهيئة الديبلوماسية التي كان يمثلها بوضوح المدعو عمار بلاني الديبلوماسي المكلف بسب المغرب وشتمه والتحريض ضد الشعب المغربي، ناهيك عن الأبواق الإعلامية الجزائرية الرسمية التي انخرطت في سعار يومي منقطع النظير، ملأ دنيا الجزائريين أعصابا مشدودة إلى أصابع اللاعبين بالمصائر والبصائر، تحولت مع مرور الأيام إلى رهاب وحماس للانتقام وتصريف عنف كان موجها أصلا للعصابة فحولته في اتجاه المغرب، ونجحت بنسبة كبيرة في الاستعداء عليه من كثرة ترديد مزاعم وأكاذيب، واختلاق مشاهد لأحداث الاعتداءات المغربية والتوسع في تركيبها وحلها وعقدها، حتى لكأنها واقع تراه العين، خالقة بذلك جوا نفسيا محتقنا يوجه في خفاء لينفجر في وجه المغاربة كلما جمعتهم المجامع بأشقائهم الجزائريين، في مباراة رياضية، أو في محفل قاري أو دولي لمناقشة شؤون الاقتصاد والتنمية والفكر وحتى الطبخ وصناعة الحلويات.
ومن هذا المنطلق العدائي والشقاقي الذي عملت العصابة على تكريسه في العلاقات بين الشعبين الجارين، لإطالة عمرها الافتراضي، وتجميل وجهها القبيح الملطخ بدماء الجزائريين الأحرار، سواء من شملتهم مجازر العشرية السوداء، أو حرائق الغابات، أو الاغتيالات ومخططات التصفية الجسدية في الداخل والخارج، يمكننا أن نفهم، وربما أن نتفهم، سبب هذه الكمية الهائلة من منسوب الحقد والكراهية والعنف الذي شحنت به العصابة مختلف طبقات وفئات وهيئات الشعب الجزائري، ضد أشقائها المغاربة الذين لا يكنون حقيقة وواقعا أي عداء للشعب الجزائري، بحكم تربيتهم على حسن المعاملة والجوار وإيمانهم بالمصير المشترك الذي يجمعهما، شاءت العصابة أو أبت.
إن ما شهده ملعب مدينة وهران في الأسبوع الفارط من اعتداءات وحشية لفظية وبدنية ضد منتخب الشبان المغاربة الذي حل ضيفا على الجزائر، لم يكن حدثا معزولا واستثنائيا في الأجواء التي شحنتها وجيشتها العصابة الحاكمة في ظرف عامين، بالنظر إلى سوابق مخزية للعصابة في تظاهرات رياضية دولية استضافتها، وكانت كل عناوينها العمل على الإساءة للشعب المغربي عبر اعتداءات متكررة على ممثليه الذين أوفدهم لهذه التظاهرات، فمن التضييق عليهم في المطارات، إلى سبهم وشتمهم، إلى تحقير رموزهم ومقدساتهم، إلى التلاعب بنتائجهم الرياضية، إلى تسليط السفلة ومندسي العسكر والمخابرات عليهم في الملاعب والميادين الرياضية لاستفزازهم بالسباب القبيح ومنكر القول وزوره وبهتانه، من غير مراعاة لخلق الضيافة ولا للجوار ولا للقرابات العائلية ولا للغة ولا للدين ولا للتاريخ ولا للمستقبل ولا لأي أمر مشترك ومقدس بيننا لا يحل نقضه ولا لعنه ولا قطعه. كان متوقعا لهذا الشحن المتواصل للشعب الجزائري في مواجهة شظف العيش وطغيان العصابة ببروباغاندا العدو المغربي المتربص الدوائر بالجزائر، أن يصبغ أجواء أي لقاء مغربي جزائري بحمامات دم وقى الله منها بلدينا وشعبينا إلى غاية اليوم، بفضل الحكمة المغربية وجنوح المملكة إلى التهدئة وترجيح مصالح البلدين على كل ما افتعلته العصابة من قطائع وإغلاقات للأجواء، واتهامات ظالمة تشيب لها الولدان.
سوابق العصابة الحاكمة في الجزائر في غرس العداء والكراهية بين الشعبين المغربي والجزائري صار اليوم أكثر من أي وقت مضى معلوما للقاصي والداني، وخصوصا مع التحضيرات الجارية لعقد قمة الجامعة العربية بالجزائر، التي كشفت للشعوب والدول العربية، حجم الكارثة التي تسببت فيها العصابة الحاكمة في الجزائر بعدائها الشديد للمغاربة وللمغرب، بسبب الهوية، وتخريبها لجوارها العربي الغربي. فيكفي أن تكون مغربيا أو عربيا يقدر المغرب ويحترمه ويدافع عن وحدته الترابية، لتكون هدفا لسهام الدولة الجزائرية قبل شعبها الذي تطعمه وتسقيه سمومها وألبانها الفاسدة. ولا تزال الطبقات السياسية والشعبية في العالم العربي مصدومة من هول ما تكتشفه يوما بعد يوم من سوء الخلق والمعاملة، وانحطاط لكل القيم الأخلاقية الأخوية والإنسانية، وعلى رأسها خلق الضيافة التي تشكل شرف ونخوة العرب، والتي ضربت بها العصابة عرض الحائط، وجعلتنا نضع أيادينا على قلوبنا كلما استضاف هذا البلد الشقيق الذي خربته العصابة وسممته، لقاء دوليا أو إفريقيا أو عربيا أو إسلاميا، بسبب من سوء المعاملة والتنظيم والعنصرية، الأمر الذي يجعل أية مشاركة في الفعاليات التي تنظمها مغامرة محفوفة بالمخاطر خصوصا مع تفاقم الصراعات بين الأجنحة والعصابات المشكلة لنظام الحكم، والتي لا تفوت الفرص دون أن تستغل أرض الجزائر وشعب الجزائر والقيم التي تجمعه بباقي شعوب العالم، لممارسة ابتزاز رخيص يشمل المشاعر مثلما يشمل الشراكات والاتفاقات والالتزامات والمعاهدات التي تسفهها هذه العصابة من غير حياء ولا ذرة إحساس بالمسؤولية عن الأضرار والخسارات التي تحدثها في الجوار الإفريقي والعربي والأوروبي.
وإلا فماذا يعني أن تتشبث إلى حد الهوس بعقد قمة الجامعة العربية على أرضها، وتضع لها شعارا نبيلا وواعدا ومغريا عنوانه: “قمة لم الشمل العربي”، يستقطب إليه الشعوب والدول العربية التواقة إلى الوحدة والتضامن وتعزيز قيم التعاون العربي المشترك، ثم تحتال على القمة وتلتف بممارسات عدوانية ومشبوهة ضد بلد عربي جار يعاني معها ويلات تشتيت الشمل والتقسيم وقطع العلائق والتهديد بالحرب والافتراء والتضليل، وتحريش الشعب الجزائري وتحريض الأجنبي والمستعمر؟