قضايا وآراء

أسئلة إلى قيس تونس

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //

لا تزال تداعيات الخطوة العدائية المجانية للرئيس التونسي ضد المغرب، تثير ردود الفعل بين الشعبين التونسي والمغربي خاصة وهما المعنيان المباشران بالانعكاسات الخطيرة لخطوة غير محسوبة العواقب في سياق توتر إقليمي كبير بين الجزائر والمغرب بخصوص النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، والذي ظلت تونس الشقيقة تتعامل معه بحذر ونأي عن نيرانه أو اصطفاف يزيد المنطقة المغاربية تشرذما وتهديدا لأمنها واستقرارها.
إن ما زاد هذه الخطوة القيسية غير المبررة وغير المنسجمة مع العلاقات المتينة والقوية بين الشعبين المغربي والتونسي، هو التجاهل التام من قبل قيس تونس لمشاعر الشعب المغربي بشأن وحدته الترابية، بل الاستمرار في مسلسل المجازفة بالعلاقات التونسية المغربية، بالتمادي في تجريح الموقف المغربي الصريح والسليم والشرعي والأخوي الذي عبرت عنه ردود الفعل المغربية سواء الديبلوماسية أو الشعبية أو الإعلامية، والاستهانة بها وتحقيرها، والتمادي أيضا في استغراب المبررات التي ساقها الخطاب الديبلوماسي المغربي لتنبيه قيس إلى خطورة ما قام به تجاه المغرب من إعلان العداء والاصطفاف مع عدوه في ظروف حساسة للغاية تمر بها القضية الوطنية الأولى للمغرب والمغاربة، وصدرت بشأنها بلاغات حربية فاقت 800 بلاغ محرر من طرف الميليشيا التي استقبلها قيس تونس بحفاوة وتحية وفرش للبساط الأحمر، وهي البلاغات التي تذيعها هذه الميليشيا والعصابة الحاكمة في الجزائر صباح مساء بين هجوم على أراضينا ودك لمعاقل قواتنا المسلحة وقتل لجنودنا واختراق لحدودنا وما إلى ذلك مما لا شك أن الشعب التونسي وقيس تونس يقرأه ويسمعه على الأقل في الإعلام الجزائري.
أولم يكن يكفي هذا الهجوم المتواصل على بلد شقيق ورفيق وصديق لكي يبرأ قيس تونس من المشاركة في دعم هذا الكيان إن لم يكن بلده يعترف به أو يؤيده؟ أو على الأقل أن يلتزم الحياد في هذا الصراع، إن كان يعتقد بغموض الموضوع والتباسات القضية، وتعذر الحسم بين شرعية دفاع المغرب ” الشقيق” عن أراضيه المستهدفة وقضية وحدته الترابية، وشرعية الأطروحة الانفصالية للجمهورية الورقية والوهمية التي فرش لها البساط لغزو تونس؟
أولم يكن ممكنا تجنب الإساءة للعلاقات التونسية المغربية، بل وتوقع ما في هذه الخطوة من عداء وإساءة، خصوصا بعد أن صارت قضية الصحراء المغربية والسيادة المغربية على كافة التراب الوطني بالنسبة للشعب المغربي ولقيادته محكا ومعيارا ومقياسا ومنظارا لأي شراكات أو صداقات أو أخوات قائمة أو ممكنة بين المغرب وسائر دول المعمور، مثلما أن السيادة التونسية معيار ومنظار تونس والشعب التونسي إلى العلاقات بين الدولة التونسية وكافة الدول التي تقيم معها علاقات على أساس الاحترام المتبادل لسياداتها ووحدتها الترابية؟
قد يقول قائل خصوصا من الجانب التونسي، وهو ما أظهرته بلاغات الديبلوماسية التونسية وعتابات واستغرابات بعض الأشقاء التونسيين من ردود الفعل المغربية القوية، أن ثمة مبالغة مغربية في تقييم هذه الخطوة العادية والتنظيمية، وثمة تهويل وتضخيم ديبلوماسيان وإعلاميان حَمًّلا الاستقبال التونسي لابن بطوش ما لا يحتمله من تأويلات تصب كلها في تحريف القصد من الاستقبال وتصويره على أنه عداء ومؤامرة وتواطؤ وما إلى ذلك من الأوصاف السلبية التي لا تعكسها العلاقات التونسية المغربية المتينة والهادئة والمتزنة، وأن الديبلوماسية المغربية وكذا الشعب المغربي خاطئان ومخطئان في تفهم وتقييم خطوة تونسية عادية وملتزمة بالمساطر التنظيمية لاستضافة قمم ومؤتمرات وملتقيات دولية لا دخل لتونس في الاعتراض على المدعوين لها من دول أو منظمات وهيئات وشخصيات، أو الامتناع عن استقبالهم، فقد نصدق هذا القول الذي لم يأت على سبيل الاعتذار أو التوضيح الديبلوماسي المتمتع بالمصداقية والموثوقية، ولا على سبيل تطييب الخاطر والطمأنة العاطفيين بين إخوة وأشقاء يكن بعضهما للبعض من الاحترام والرعاية للمصالح ما يجعلهما جسدا واحدا إذا اشتكى عضو منه تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، وإنما على سبيل التصعيد ضد المغرب وإدانة الموقف المغربي ومن ثمة إهانة واحتقار مشاعر ملايين من أبناء الشعب المغربي الذين مستهم هذه الخطوة من دولة شقيقة طالما بادلوا شعبها مشاعر الأخوة والتضامن بل التضحية بالغالي والنفيس في معركة التحرير والوحدة والاستقلال. كان المطلوب في مثل هذه النازلة تفهم مشاعر الغضب المغربية التي مصدرها طعنة غادرة غير متوقعة من تونس، في ساحة معركة مصيرية يواجه فيها المغرب هجمة غير مسبوقة من قوى الاستعمار والاستكبار وأذنابها وأذيالها ووكلائها، لوقف مساراته التنموية والوحدوية، ومساومته وابتزازه، وليس تحقير هذه المشاعر الغاضبة والاعتزاز في الآن نفسه باستثارتها وتأجيجها. وللتدليل على أن ما فهمته الديبلوماسية المغربية وكذا الشعب المغربي من خطوة قيس تونس كان بالفعل هو الفهم الصحيح الذي يرى أن ثمة عدوانا غاشما ومقصودا من هذا القيس، ولا غبار عليه ولا يحتمل التهوين ولا حتى التهويل، نذكر الأشقاء التونسيين بما يأتي:
ـ أن الديبلوماسية التونسية في الوقت الذي ردت فيه على المغرب باستنكار موقفه من خطوة قيس، ونفيها أن تكون عدائية، عملت في الآن نفسه على تصعيد العداء والتطبيل لجمهورية الوهم وتبرير الأطروحة الانفصالية بألفاظ التبجيل والتهليل، وادعاء أن الأمر مندرج في السيادة التونسية وأن الرد المغربي يمس بهذه السيادة، مما يؤكد أن أمر هذه الخطوة القيسية كان مخططا له ليصيب العلاقات المغربية التونسية في مقتل، بخدمة أجندة مدبرة لتوريط مؤتمر اقتصادي واستثماري دولي وقاري تستضيفه تونس في تصفية حسابات و توقيع صفقات مشبوهة لا شأن لمؤتمر القمة هذا بها.
ـ أن تونس الشقيقة وقيسها المغالط وديبلوماسيتها المزوِّرة، تابعوا كلهم منذ الإعلان عن خطوة فرش البساط الرئاسي لرأس الميليشيا الانفصالية، كيف استقبلت العصابة الحاكمة في الجزائر وأبواقها الإعلامية هذا الخبر المخطط والمنتظر منها، بالحفاوة والفرح والانبساط، والنكاية في الشعب المغربي، ومديح تونس والثناء على قيسها والترحيب به في نادي الحلف المعادي للمغرب. فلو لم يكن القصد الإساءة إلى المغرب كما فهمته ديبلوماسية المملكة المغربية وأيضا ديبلوماسية العصابة الحاكمة في الجزائر وخدامها في تيندوف، لخرجت الديبلوماسية التونسية بموازاة ردها العنيف على المغرب برد أعنف على الأبواق الجزائرية التي رحبت بالخطوة العدائية التونسية واحتفلت بها بوصفها ضربة موجعة من تونس للمغرب وللمخزن، ولنبهت إلى أن هذا التأويل المغرض والمضل يصب الزيت على النار، وأنه صوت فتنة بين الشعبين المغربي والتونسي. فهل فهم الجزائريون من خطوة قيس هذه غير ما فهمه المغرب، حتى يكون الرد على الفهم المغربي بكل هذه السلبية، مع إلقاء التحية وتبادل التهاني مع الفهم الجزائري للمراد من الخطوة، إنه قمة التناقض الصارخ في مطالبة المغرب والمغاربة بعدم التهويل والتضخيم، ومن ثمة مطالبتهم بالسكوت عن أي تعليق على خطوة قيسية تمس مشاعرهم الوحدوية والوطنية وتمس بسيادتهم، تحت طائلة اتهامهم بالمساس بالسيادة التونسية، مع مد الحبل والصوت واللسان للعصابة الحاكمة في الجزائر وللميليشيا المسلحة ضد المغرب، لوصف ما حدث على أنه انتصار تونس على المغرب، وضربة موجعة من الشعب التونسي للشعب المغربي، ومنعطف جديد في المعركة ضد المغرب.
السؤال باختصار، وبعيدا عن الأسئلة التقنية والتنظيمية المتعلقة بالجهة التي استدعت ابن بطوش زعيم الميليشيا الانفصالية، وضللت المؤتمرين والدولة اليابانية الراعية للقمة المستنكرة لهذا الصنيع، هو ألم تكن السيادة التونسية محط مساس بها جراء القيام بهذه الخدمة الغادرة للشعبين التونسي والمغربي، وفي ليل دامس؟ ألم يكن تحريف مقاصد مؤتمر دولي اقتصادي واستثماري لا شأن لزعيم عصابة به، ولا لنقاشات سياسية جانبية، طعنة غادرة لمصداقية تونس وموثوقيتها ومساس بسيادتها وتورط في التزوير والتلاعب الذي لن تغفره اليابان صاحبة الحق والرعاية لهذه البادرة السلمية والتنموية؟ ولماذا لم يلجم قيس تونس الأصوات التي ارتفعت لدعم خطوته باسم أنها ضربة موجعة موفقة ومرحب بها لأنها استهدفت المغرب ملكا وشعبا وأرضا، وسكت عنها رضى بما فهمته من خطوته، واختار أن يستنكر صدور هذا الفهم نفسه لخطوته من الديبلوماسية المغربية ومن الشعب المغربي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق