قضايا وآراء

تونس التي كانت فصارت

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //

أقدم الرئيس التونسي الحالي على آخر خطواته العدائية المجانية ضد المغرب بعد سلسلة من الاستفزازات التي كانت حصيلة صفقاته مع نظام العصابة الحاكمة في الجزائر لجر تونس إلى محور وكلاء إيران في المنطقة المغاربية وشمال إفريقيا.
دولة تونس الشقيقة المعروفة بمواقفها الديبلوماسية الحكيمة والمعتدلة والمتوازنة من النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، والتي لم يسبق لها في كل المحطات التاريخية لهذا النزاع، ومع كل الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم تونس أن اعترفت بالكيان الانفصالي الوهمي، ورغم أنها لم تساند المغرب فإن بلادنا ظلت تحترم الاختيارات الديبلوماسية التونسية في ما تسميه بالحياد بين الأشقاء، على أمل أن تلعب دورا في تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع وأن تكون عنصر دعم للوحدة المغاربية التي ضحت شعوب المنطقة ونخبها ورجالات المقاومة والكفاح من أجل تحقيقها، قبل أن تغرقها العصابة الحاكمة في الجزائر في الكراهيات والنزاعات المفتعلة وتعطيل مسيرتها بغرس كيان انفصالي وهمي مزق وقسم وطعن كل الأحلام الوحدوية ومشاريع البناء والنماء.
تونس التي كانت تنظر بمرارة إلى تبخر الأحلام الوحدوية وتأمل في غد أفضل تلعب فيه دورا نصوحا يليق بإرثها النضالي الوحدوي وبتاريخ شعبها الأبي الذي يأبى أن يعيش بين الحفر والمطبات، ويعمل على توفير الظروف المثلى لإعادة مشهد التلاحم المغاربي في مواجهة مخططات التجزيء والتقسيم والعدوان على سيادات الدول ووحدتها الترابية ومشاريعها النهضوية والتنموية والديمقراطية، هذه تونس التي كانت والتي نعرفها، ونحب فيها صمودها في وجه المؤامرات والوصايات وانتصارها للحياة والسلام والاستقرار والأمن والأنوار ضد العدم والظلامية، هي التي ينزلق بها رئيسها الجديد، في سرعة قصوى، وضدا على كل مكتسباتها الحضارية المتجذرة والديبلوماسية الهادئة، إلى الارتطام بالجدار، وإلى التوغل في قعر مستنقع العصابة الحاكمة في الجزائر، التي تنظر دائما إلى تونس كملحقة لسياساتها العدوانية وكميدان لتصفية حساباتها المغاربية والإفريقية والعربية والمتوسطية.
وإذا كانت تونس الثورة والدولة المؤثرة والشعب الأبي والمؤسسات الراسخة والنخب المثقفة والمتنورة متمنعة على الوصاية والإهانة والتحكم، فإن الطلعة البهية لرئيسها الجديد وفخامته، وفي وقت قياسي، قد مرغ مصداقية بلد الزيتونة في الوحل، وسلم البلد بأكمله لمصير مجهول، بتسليم مفاتيحه للعصابة الحاكمة في الجزائر الوكيل الرسمي للنظام الإيراني في المنطقة. كان الاحتفاء المجاني ببروتوكول رئاسي ومراسيم الدولة التونسية بزعيم ميليشيا البوليساريو مجرد القطرة التي أفاضت كأس السموم في الديبلوماسية التونسية الجديدة، وفي غفلة من الشعب التونسي وقواه الحية، التي لم تجد العبارات المناسبة لوصف هول ما وقع.
كل المبررات التي ساقتها الديبلوماسية التونسية الجديدة في دفاعها عن قرار استضافة رأس الفتنة والإرهاب ومعانقته، تزيد من تأكيد تورطها في التآمر على الشعبين التونسي والمغربي، فلا أحد أجبر قيس تونس على كل هذه الحفاوة الرئاسية بكيان وهمي، في المؤتمر الياباني الإفريقي الذي حدد منذ البداية بروتوكول دعوة الدول الإفريقية التي تربطها علاقات ديبلوماسية مع اليابان، فلا اليابان تربطها علاقات ديبلوماسية رسمية مع هذا الكيان، ولا تونس الشقيقة، ولا عدد من الدول الإفريقية المدعوة التي عبرت عن أسفها واستغرابها من إقحام كيان وهمي غير شرعي في مؤتمرها. بل إن اليابان الطرف الشريك لهذه الدول الإفريقية استنكرت بقوة عن طريق وفدها إلى المؤتمر، دعوة من أسمتهم في بلاغها بـ “الكيان”، بينما تسميهم ردود الفعل الانفعالية لبلاغات الخارجية التونسية بشكل مكرر ومستفز بـ”الجمهورية”، الأمر الذي يضع الديبلوماسية التونسية الجديدة مع قيس سعيد، في مواجهة المؤتمرين والدولة اليابانية الراعية والطرف الشريك في هذا المؤتمر، فأي استضافة هذه تجبر فيها الدول المضافة على اقتسام جلسات المؤتمر مع كيان لا تعترف به اليابان ولم تدعه لمؤتمرها، الذي تنص اتفاقاته على إمضاء الدعوة وتوجيهها من قبل اليابان والدولة التونسية المضيفة، وفي خرق سافر للمواثيق والأخلاقيات الديبلوماسية يقوم قيس تونس وحده باستدعاء كيان لا يمثل دولة، ولا تعترف به اليابان، ولا يمكنها أن تشركه في أي شراكة أو مبادلة تجارية أو مشروع تنموي، بل الأدهى والأمر أن يكون تغييب دولة عريقة مؤسسة ووازنة كالمغرب من هذا المؤتمر مقصودا ومتعمدا من قبل قيس تونس، الذي يعلم أن المغرب لن يقبل هذه المعاملة الرخيصة والمهينة من دولة شقيقة، وحدها من اختارت عن سبق إصرار وترصد، وضد كل المواثيق والعهود، وضد المؤتمرين، وضد اليابان، بل وضد تونس ومواقفها الرسمية المعروفة، أن تفرض مسطرة دعوة زعيم عصابة لا أرض لها ولا دولة ولا مشروع شراكة يقدمه للمؤتمرين، غير الوهم الانفصالي والعدواني، وتحويل المؤتمرات القارية والدولية إلى ساحة حرب لتصفية حسابات العصابة الحاكمة في الجزائر ضد المملكة المغربية، ولا شيء غير ذلك.
إن انخراط قيس تونس في حبك هذه المؤامرة الرخيصة ضد المغرب، مفضوح للعيان، ولا يحتاج إلى تبريرات باسم أن تونس مجرد مستضيف ومنظم لحفل دولي لا شأن فيه لتونس سواء في التقرير، أو الفصل في اختيار المشاركين، وهَبْ أن الأمر كذلك، فلِمَ كل هذه الحفاوة والإصرار على بسط السجاد الأحمر لزعيم العصابة والميليشيات الإرهابية، ورفع خِرقة الراية الوهمية، وتسمية الكيان بأسماء الدولة والجمهورية؟ ولا أحد كان سيلوم قيس تونس إن لم يفعل ذلك، أو سيؤثر على مساطر تنظيم المؤتمر.
الحقيقة أن هناك عصابة تحكم بجوار تونس وتضع سيفها على رقبة قيس إن هو لم يفعل ما يؤمر به، ويؤدي ثمن الصفقة، هذا كل ما في الأمر، فالرجل قد باع نفسه وباع تونس في أسواق النخاسة التي فتحتها الجزائر في المنطقة وفي إفريقيا، وهذه السوق هي التي تهمها أما مؤتمر طوكيو وإفريقيا، ومصداقية بلد تونس المنظم، فلا يهمها منهما شيء، بدليل تحويل النقاش التنموي الياباني الإفريقي كله على الصعيد الإعلامي إلى مناقشة ما ترغب فيه الجزائر وهو ملفها الديبلوماسي السياسي والتجاري الوحيد، ألا وهو الاعتراف بالكيان الوهمي ودعمه والتسلل به إلى كل الأروقة الدولية وجلسات النقاش، بدءا من نقاش شؤون الطبخ والرياضة وانتهاء بشؤون الدولة والتنمية. وبدل أن يكون الحدث هو المؤتمر في حد ذاته وما ستجنيه الدول الشريكة فيه من فرص التنمية والمساعدة على دعم مشاريعها في القارة الإفريقية، حولته العصابة الجزائرية كعادتها في كل الملتقيات الدولية، وبقرار مهرب من قيس تونس إلى حلبة لمناقشة شؤون عصابات، وبث كراهيات، ونشر للإشاعات والأكاذيب والمغالطات، واجتراح إهانات، والترسيم لقطائع جديدة في العلاقات الإفريقية والمغاربية والدولية.
يؤلمنا أن يجر هذا القيس المغمور في تاريخ العلاقات التونسية المغربية، بل المجهول سياسيا وإيديولوجيا للشعب التونسي نفسه، بلدين وشعبين شقيقين إلى حرب الوكالة والوكلاء الإيرانيين في المنطقة، وأن يسقط تونس في المحظور الذي تجنبته بنجاح لما يقرب من نصف قرن.
فهنيئا له بابن بطوش وميليشياته، ولينظر أي تنمية وربح ستجنيه تونس من هذا الحلف الجديد، أما مؤتمر “تيكاد” الياباني الإفريقي، فقد انفض تاركا قيس تونس وراءه في رهانه على الفشل والفاشلين، وقد سجل لصالح العصابة الحاكمة في الجزائر إصابة في مباراة مقيتة ومغشوشة من أشواط إضافية في نزاع مفتعل، سيحسم لا محالة في ميدانه الديبلوماسي والعسكري، وليس في تسلل وقفزة في الهواء لقيس وعمرو.
ولهذا القيس نقول يحيا المغرب وتحيا تونس من القيروان إلى القرويين إلى لكويرة، أرضا للسلام والأمن والطهر والتعاون على البر والخير، ولا عزاء للحمقى والمغرورين والموتورين والمتصيدين الفرص من تجار المآسي والدماء، الذين رمت بهم مياه المجاري إلى سطح الأحداث والأزمات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق