حلفاء ووكلاء
بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //
كما كان متوقعا، أدرك المجتمع الدولي خطورة التمدد الإيراني في شمال إفريقيا وعلى مقربة من الحدود البحرية المتوسطية والأطلسية لغرب إفريقيا، بعد سنوات من تجاهل التنبيه المغربي، إلى خطورة التحركات الإيرانية في المنطقة المغاربية وفي دول الساحل، وكشفه عن مخططات تعاون وثيق بين النظام الإيراني والجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة الانفصالية التي تستوطن بؤر التوتر في المنطقة، وشمل هذا التعاون تدريبات عسكرية وزيارات متبادلة وتزويد بالأسلحة والذخيرة الحية، لينتهي الأمر إلى تطوير هذه العلاقات العسكرية وتشبيكها بالعمل على تمكين الميليشيات الإرهابية والانفصالية من أسلحة متطورة بما فيها الصواريخ والطائرات المسيرة لشن الغارات والهجومات على القواعد العسكرية والمدن الآهلة والآمنة في تكرار للسيناريو الشرق أوسطي في شمال إفريقيا وتحديدا على حدود البوابة الغربية للعالم العربي والإسلامي.
لقد مكنت المراقبة المغربية اللصيقة واليقظة للأوضاع في الحدود مع الجزائر، من استجماع العديد من الأدلة والمعطيات التي تثبت الاختراق الإيراني لمرتزقة البوليساريو بدعم من نظام العصابة الحاكمة في الجزائر، عبر تسهيلها للمهمات القذرة لأحد المنتمين للحرس الثوري الإيراني والمدعو أمير موساوي، الذي عمل ملحقا ثقافيا بالسفارة الإيرانية في الجزائر لمدة أربع سنوات، عاث فيها فسادا وبشكل مرعب أدهش الجزائريين أكثر من غيرهم، من كثرة أنشطته وحضوره الإعلامي وتحركاته الميدانية ولقاءاته واجتماعاته، قبل أن تكشف التحقيقات الإعلامية لنشطاء جزائريين، وكذا تقارير استخباراتية دولية، عن دور هذا العميل في نشر التشيع الفارسي في الجزائر، واستقطابه لآلاف الجزائريين من مختلف الطبقات الاجتماعية والفئات المثقفة والأطر المسؤولة للولاء لنظام ولاية الفقيه. ثم جاءت الضربة القاضية من المغرب لهذا العميل، بعد فضحه لأدواره القذرة في تسليح مرتزقة البوليساريو والتنسيق مع الأذرع الإيرانية في الشرق الأوسط خصوصا حزب الله اللبناني لضمان تدريبات لميليشيات المرتزقة بالضاحية الجنوبية اللبنانية، وتسريبات لأعضاء حزب الله إلى تيندوف، وتوصيلات للأسلحة الإيرانية إلى المنطقة. وبمسارعة المغرب إلى كشف هذا المخطط الخبيث والعدواني، وقطعه علاقاته الديبلوماسية مع إيران عام 2018، غادر هذا العميل السفارة الإيرانية بالجزائر، في ما سمي تارة بإعفائه واستدعائه وتارة بطرده وتارة أخرى بانسحابه ورحيله، مخلفا وراءه شبكة أخطبوطية ممتدة ومتشعبة من العلاقات مع الأطر والنخب والمسؤولين الجزائريين، وصفقات عسكرية ملتوية ومشبوهة مع ميليشيات مرتزقة البوليساريو، انتهت اليوم إلى استيقاظ المجتمع الدولي على فضيحة تطور التنسيق الحربي الإيراني مع البوليساريو، إلى مستوى غير مسبوق، يهدد بتحويل شمال إفريقيا إلى شرق أوسط إيراني جديد، يتحكم فيه ملالي إيران عبر حلفائهم في المنطقة الممثلين في نظام العصابة الحاكمة في الجزائر، وعبر وكلائهم الذين تمثلهم ميليشيات مرتزقة البوليساريو.
تَورط نظام العصابة الجزائرية وميليشياتها الانفصالية، في التمكين للنظام الإيراني بالمنطقة المغاربية، لم يعد حديث المغرب، ولا “خيالات المغرب واختلاقاته وافتراءاته”، كما صرح به قبل أيام المدعو عمار بلاني الديبلوماسي الجزائري المكلف بقطع العلاقات وسب الجيران، بل صار حقيقة على ألسنة المراقبين والراصدين الدوليين، وفي الوثائق الاستخباراتية الموضوعة على طاولة المؤسسات السياسية للدول وأجهزتها الأمنية والعسكرية وتكتلاتها الإقليمية، بعد أن تبينت الخطر الإيراني القريب من حدودها عبر من تسميهم تقارير هذه الدول والتكتلات بوكلاء إيران في المنطقة.
ففي تقرير نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية في يناير الماضي، توقع مراقبون دوليون أن تعتمد إيران خلال الأشهر المقبلة بشكل كبير على وكلائها الذين قوتهم وغذتهم وزودتهم بالأسلحة المتطورة والتأطير الأيديولوجي والتبعية المطلقة والتدريب العسكري، من أجل تنفيذ مخططاتها وخدمة أهدافها، وذكرت أنه يتم التفاوض مع ميليشيات أخرى جديدة للالتحاق بالمحور الإيراني وبشبكة وكلاء إيران في الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية، في إشارة إلى الأحزاب الشيعية العراقية الموالية لإيران، وحزب الله اللبناني والحوثي اليمني، والتي تملك ترسانة من الأسلحة الإيرانية المتطورة من صواريخ وطائرات مسيرة، استعملها حزب الله في حربه داخل سوريا، واستخدمها الحوثيون في قصف المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي بيان للاتحاد الأوروبي الصادر في يونيو من العام الجاري، تم التشديد على أن تزويد إيران للمليشيات المسلحة والمقاتلة يعد مصدر قلق لأوروبا، وأن هذه الميلشيات باتت تلعب دور الوكالة والعمالة لإيران.
ثم تلاحقت التقارير والبلاغات من تكتلات عربية منها مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية التي أعادت التأكيد لمرات عديدة على إدانتها القوية للتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية العربية، عبر تسليح وكلائها في المنطقة العربية، بهدف زعزعة الأمن والاستقرار الإقليميين. وأورد مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب المنعقد في القاهرة في مارس الماضي، رفضه التام لـ”قيام إيران بتسليح عناصر انفصالية تهدد أمن واستقرار المغرب” وأقر المجلس الوزاري للجامعة بقرار يقضي بالتضامن مع المملكة المغربية في ما تواجهه من خطر وكلاء إيران القدامى المتمثلين في حزب الله ووكلائها الجدد المتمثلين في الميليشيات الانفصالية التي تهدد وحدة المغرب الترابية. هذا وقد أعادت الجامعة العربية أول أمس الإثنين، تحذيرها وإدانتها لما تقوم به إيران من تأجيج للنزاعات المسلحة وتسليحها للميليشيات الإرهابية في عدد من الدول العربية وإعاقتها للجهود الإقليمية والدولية لحل قضايا وأزمات المنطقة بالطرق السلمية. مشيرة إلى إطلاق وكلاء إيران لتهديداتهم الحربية ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
وكانت مصادقة الكونغريس الأمريكي على مشروع الميزانية المخصصة لدعم الدول التي تواجه الخطر الإيراني، ومنها المغرب، بتزويدها بأنظمة للدفاع الجوي ورادارات متطورة، علامة فارقة وحاسمة في الجدل الدائر حول الدور الإيراني فوق التراب الجزائري، بتأكيد وجود تنسيق وتعاون عسكري مع البوليساريو لاستهداف المغرب بأسلحة متطورة، وتمكين إيران من منفذ في المنطقة لتصفية حساباتها الخارجية والتمدد نحو المتوسط والأطلسي. وبوضع المغرب ضمن قائمة الدول المدعومة بقوة للتصدي للخطر الإيراني، تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية على تكريس اعترافها بالوحدة الترابية للمملكة، ومواصلة التعاون العسكري الاستراتيجي مع المغرب، واتجاهها إلى تصنيف الميليشيات الانفصالية الوكيلة لإيران في المنطقة كجماعة إرهابية، وتصنيف الدولة الراعية لها والحليفة لأطروحتها والمحتضنة لترسانة أسلحتها كدولة متواطئة ومارقة.
وقد لاحظ المتتبعون انقلاب العصابة الحاكمة في الجزائر وصنيعتها المرتزقة، بعد هذا الفضح الدولي للمخطط العدواني الإيراني والتواطؤي الجزائري، إلى حمل وديع ينشد السلام ويرى الحل للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية حلا سلميا، وشهدنا كيف أن العصابة الانفصالية انضمت بشكل خبيث إلى النداء الإفريقي لإسكات البنادق، وأطلقت من جانب خفي أصوات استنكار الخيار المسلح، والبحث عن خيارات أخرى ممكنة والعودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار المنقوض من العصابة الانفصالية، بعد مئات من بلاغاتها الحربية الوهمية منذ تطهير المغرب لمعبر الكركرات.
الأيام القادمة ستشهد تطورات في اتجاه مزيد من الوضوح الدولي في كشف الخطر الإيراني المستقدم إلى شمال إفريقيا عبر حلفاء الإرهاب ووكلائه من الانفصاليين والمهربين وتجار البشر، خصوصا في بؤرة تيندوف، وفي المنطقة التي تحتضن أنشطة البوليساريو ومخيمات المحتجزين، وتزرع فيها إيران قاعدتها العسكرية، وتضع فيها العصابة الحاكمة في الجزائر كل آمالها وأحلامها لدك الحصن المغربي الحصين.