تسليح الهجرة غير الشرعية

بقلم: الأستاذ عبد الله الفردوس
لم تنتظر العصابة الحاكمة في الجزائر نهاية السيناريو الذي حبكته بشأن تنفيذ تهديداتها لإسبانيا بالعقوبات، والتي جربت منها لحد الساعة استدعاء السفير الجزائري لدى إسبانيا، وإلغاء اتفاقيات ومعاهدات، ووقف معاملات تجارية ومالية، واستعمال ملف الغاز، والتدخل في الشأن السياسي الداخلي لإسبانيا بالتحريض ضد حكومة سانشيز، لتلجأ أخيرا إلى ورقة الهجرة غير الشرعية، مستهدفة الإيقاع بين المغرب وإسبانيا عن طريق تسريب تنظيم مسلح مشكل من حشود من المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء، تم تجميعهم في مدينة مغنية واستقطابهم من مختلف المعابر والحدود الجزائرية الشرقية والجنوبية حتى صاروا آلافا بعد أن كانوا عشرات ومئات، بهدف غزو الحدود المغربية الشرقية، على بعد كيلوميترات من مدينة الناظور ومعبر مدينة مليلية المحتلة، وذلك بعد تأطيرهم وتنظيمهم وتسليحهم بالعصي والسيوف والسكاكين والآلات الحديدية.
كل الدلائل تشير إلى تورط العصابة الحاكمة في الجزائر في جريمة الزج بمهاجريها السريين في مخططاتها وأجندتها العدوانية على دول الجوار، وفي مؤامراتها الإرهابية القارية والدولية لتحويل الأنظار عما يجري في الجزائر من انتهاكات ونهب للثروات، وتكريس التهديدات الأمنية واستدامتها في محيطها لقمع الحراك الشعبي المطالب برحيل الأحذية العسكرية إلى الثكنات، وإرساء الدولة المدنية ودولة المؤسسات والحقوق والالتزامات. فبالإضافة إلى الأدلة الاستخباراتية الموثقة التي تملكها الأجهزة الأمنية المغربية والإسبانية، والتي سيتم تبادلها والاستناد إليها في تحديد المسؤوليات عن مأساة المهاجرين السريين المنظمين والمسلحين الذين هاجموا الشرطة المغربية في الناظور وفي معبر مليلية، وتسببوا في خسارات في الأرواح والممتلكات وترهيب المواطنين، فإن ثمة أدلة واضحة من الآثار التي خلفها مجرمو العصابة وراءهم في هذا الحدث المأساوي، أوله سبْقُ تهديدهم لإسبانيا والمغرب برد مزلزل للتقارب بينهما، واستنفاد جميع الأوراق الضاغطة الممنهجة في أقل من شهرين، وكون مجرمي العصابة المستفيد الأول من الحدث المخطط له، والذي ظهر مباشرة وفي الساعات الأولى لوقوعه وحتى قبل أن تحيط الدول القريبة علما به، عبر نشر بلاغات وبيانات وتصريحات رسمية مدروسة بعناية ومعدة سلفا، وموجهة إلى الإساءة لأطراف عديدة أولاها تشويه صورة المغرب أمام حلفائه وشركائه، وثانيها التأثير السلبي على العلاقات الجيدة والموثوقة بين المغرب وإسبانيا في التدبير العقلاني والحكيم للملفات المشتركة، وثالثها ترهيب إسبانيا وتركيعها، والتطلع إلى ثنيها عن قرارها السيادي المتعلق بالاعتراف بمغربية الصحراء، وتنفيذ تهديدات العصابة لها بتحمل عواقب هذا القرار، ورابعها تحريض كل من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي ضد المغرب بشأن تعامله الأمني الحازم مع حشود منظمة ومسلحة من المهاجرين السريين المدفوعين إلى المواجهة والعنف والإرهاب، وتقزيم دوره الإنساني والحضاري المتعاظم في الريادة الإفريقية والدولية بشأن تدبير ملف الهجرة، وقد وردت كل هذه العناصر والمعطيات في بلاغات العصابة الحاكمة في الجزائر وفي سعارات وسائلها الإعلامية التي استبقت الحدث واستبقت التحقيقات فيه، واستبقت خروج الدول الإفريقية المعنية وكذا الاتحاد الأوروبي والمنظمات والهيئات الدولية، بالخلاصات اللازمة من هذه الواقعة. فكل شيء كان مهيئا له من قبل العصابة، بحيث إنها لم تستغل الحدث فحسب لرمي الحجارة وقذفها على المغرب، وإنما حضرت للحدث وحبكته، وأعدت عصيه وحجارته وسكاكينه، ولم تصطد في الماء العكر للهجرة السرية فحسب، وإنما هي من عكرت هذا الماء وزجت بالصيد فيه، ودعت دول العالم إلى النظر حيث أصبعها وإشارتها إلى السمكة.
للعصابة الحاكمة في الجزائر سوابق عديدة، متكررة ومكشوفة، في شحن مهاجرين سريين من الشرق الأوسط ومن إفريقيا جنوب الصحراء، في شاحنات وإلقائهم على الحدود المغربية والمالية والنيجيرية، مع رفضها الدائم أي تنسيق أو تعاون في هذا الملف الأمني والإنساني، مخافة انكشاف استغلال جنيرالات العصابة لهؤلاء المهاجرين السريين واستقطابهم وتجنيدهم في عمليات قذرة ومشبوهة وجرائم ترتبط تارة بالاتجار في الأسلحة والممنوعات والبشر، وترتبط تارة بمخططات توسيع قاعدة ساكنة مخيمات تندوف، وترتبط تارة أخرى باستغلالهم في تصفية الحسابات بين أزلام العصابة، لكن هذه المرة طورت العصابة، في سياق حربها المعلنة على التقارب المغربي الإسباني، وعلى الهيئات الإفريقية والأوروبية والأممية المرحبة بالمبادرات الوحدوية والتعاونية المغربية والمشاريع التنموية والشراكات والتكتلات التي يرعاها المغرب، طورت العصابة صناعتها العسكرية والحربية بأنذل ما يكون، بإقحام المهاجرين السريين في طابورها العسكري الإرهابي، واتخاذهم أذرعا ومَدافع وقذائف ثقيلة، والمغامرة بأرواحهم ومآسيهم على الحدود وفي المعابر. فلا أحد فرح أو اغتبط بالمواجهات المؤسفة التي وقعت في مدينة الناظور وفي معبر مليلية إلا العصابة الجزائرية ودميتها المتحركة في رمال تندوف، ولا أحد سارع بإلقاء التهم جزافا، واستغلال المأساة لأهداف خسيسة وقذرة إلا ديبلوماسية العصابة التي نشطت بعد فشل كل العقوبات والهجومات السابقة، واحتلت الصفوف الأمامية للمطبلين والعازفين والنائحين في جنازات هؤلاء الضحايا المدفوعين إلى تنفيذ مخطط إرهابي محبوك يكاد المكلف الجزائري بالعدوان على الصحراء وعلى دول المغرب الكبير المدعو عمار بلاني أن يقول في تصريحاته الحماسية: أمسكوني فأنا صاحبه.
دَمُ هؤلاء الضحايا الذين سقطوا في التدافع وفي المواجهة مع قوات الأمن والشرطة والحرس الذين لم يستعملوا، في صد الحشود المعدودة بالآلاف، رصاصا حيا ولا أسلحة إبادة، وإنما ما تخوله لهم مهامهم الأمنية من وسائل دفاعية وتحذيرية، وما يخوله لهم القانون والتزامات بلادهم الدولية في التعاطي الأمني مع التهديدات الإرهابية ومع جرائم في حق الدول والشعوب، هو في ذمة وفي رقبة عصابة النخاسة ومافيا التجارة بالبشر وفي مآسي الشعوب، التي غامرت بأرواح ضحايا الهجرة السرية في لعبة مقيتة لتصفية أحقادها وعداواتها مع مملكتي المغرب وإسبانيا.
إن محاولات العصابة الحاكمة في الجزائر عن طريق ديبلوماسيتها الرعناء التي أعدت مسبقا بيانات الإدانة للمغرب، للزج بالعلاقات المغربية الإسبانية والأوروبية والإفريقية في استدراجات جديدة إلى معارك خاسرة حول حقوق الإنسان، والتباكي المشبوه على ضحايا مؤامرات العصابة والمافيات التابعة لها، صارت مفضوحة أمام العالم، بعد التضامن الإفريقي والأوروبي والدولي الواسع مع المغرب في محنته وفي العبء الكبير الذي ألقي على أكتافه لمواجهة هجرة مسلحة ومنظمة تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار بين ضفتي المتوسط، في غياب أي نية لدى الجزائر للتعاون مع دول جوارها بشأن ملفي الإرهاب والهجرة السرية. والعصابة المجرمة في كل هذا السلوك الأرعن لم تفعل إلا أنها كشفت عن وجهها القبيح، وسرعت وتيرة سقوطها الأخلاقي والديبلوماسي، ومن ثمة إدانتها عاجلا أو آجلا على هذا المنعطف التسليحي والإرهابي الذي زجت فيه بملف الهجرة السرية، ووفرت فيه الغطاء السياسي والإعلامي للتشويش على جهود القارة الإفريقية والمغرب في تدبير قضايا الهجرة مع الشركاء الأوروبيين بما يحفظ الحقوق والحرمات، ويحمي المصالح المشتركة والمتبادلة من التقلبات والانتكاسات.