
الرباط- عبد الحق العضيمي /
قال عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، أول أمس الاثنين بمجلس النواب، إنه “من غير المقبول اليوم، أن تعرف المنظومة الصحية اكتظاظا على مستوى أقسام المستعجلات فتعجز عن القيام بمهامها، في حين تشكل مجموعة من المراكز الأولية صحاري صحية تفتقد لأبسط مقومات وشروط استقبال المرتفقين”.
انتقادات رئيس الحكومة للمنظومة الصحية، جاءت ضمن جوابه على أسئلة البرلمانيين خلال الجلسة الشهرية المخصصة لمساءلته حول السياسة العامة، والتي خصص موضوعها لـ “ورش الارتقاء بالمنظومة الصحية الوطنية”.
وأضاف أخنوش، أن “المحاولات الإصلاحية المتتالية التي عرفها القطاع الصحي لم تحقق الهدف المنشود رغم تقديمها لمجموعة من المكتسبات، التي ينبغي العمل على تعزيز تراكمها بالوقوف على المكامن الحقيقية لضعف المنظومة الصحية”.
وبعدما أكد محدودية الإجراءات الإصلاحية السابقة، اعتبر رئيس الحكومة، “أن الإصلاح الحقيقي والهيكلي للمنظومة الصحية لا يقتصر على الجزئيات المتعلقة بالإمكانات المادية والبشرية، بل يقتضي تجاوز الاختلالات العميقة على مستوى الحكامة المؤسساتية والتدبيرية.”
وتابع أنه “من هذا المنطلق عملت الحكومة على أن يرتكز البرنامج الإصلاحي الهيكلي لقطاع الصحة على إرساء حكامة جيدة للقطاع على المستويين المركزي والجهوي، من أجل تسهيل وتنسيق اتخاذ القرار وضمان الالتقائية والانسجام بين كافة المتدخلين وكل البرامج القائمة لتحقيق التكامل فيما بينها”.
وزاد أن من شأن هذا البرنامج الإصلاحي أن يساهم “في تجاوز أعطاب المنظومة الصحية، ويمكن من رفع المعيقات التشريعية المؤطرة لقطاع الصحة، من خلال سن قواعد جديدة لتحسين العرض الصحي وتجاوز الإكراهات التي تحد من مردودية القطاع”، لافتا إلى أن الحكومة أعدت، في هذا الصدد، “مشاريع قوانين تتعلق بالمجموعات الصحية الجهوية والتي ستضم على مستوى كل جهة جميع البنيات الصحية من مستشفيات إقليمية وجهوية وجامعية ومراكز القرب”.
ونبه أخنوش إلى أن المنظومة الصحية الجديدة يتعين أن ترتكز على انتظارات وحاجيات المريض، وليس على التقسيم الإداري. وأضاف “لذلك تم إحداث مجموعات صحية جهوية، من مراكز القرب للمستشفيات الجامعية لتوجيه المريض حسب احتياجاته وبناء مسار صحي جهوي وترشيد الموارد البشرية والتقنية”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن هذه المجموعات الصحية الجهوية “تعتبر مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال في تدبير الموارد المالية والبشرية، وسيتم تمكينها من صلاحيات واسعة لتدبير الخدمات الصحية في إطار عقد نجاعة مع القطاع الوصي، وهو ما سيضمن استغلالا أمثل للموارد البشرية والمالية، ويوجه الاستثمارات العمومية وفق معايير مضبوطة ومحددة، في انسجام وتكامل مع منهج الجهوية المتقدمة، بما يحقق العدالة المجالية على المستوى الصحي في تراب المملكة”.
ولأجل ضمان عرض صحي عادل ومنصف على مستوى تراب المملكة، أفاد أخنوش بأن “الحكومة ستعمل على إحداث الخريطة الصحية الجهوية، والتي تهدف إلى تحديد جميع مؤهلات الجهة من حيث البنيات التحتية في القطاعين العام والخاص وكذا الموارد البشرية”، موردا أن هذه الخريطة ستساعد المجموعات الصحية الترابية في “تحديد أولويات الاستثمار في مجال الصحة والحماية الاجتماعية على مستوى كل جهة لتعزيز العرض الصحي الجهوي وتقليص الفوارق المجالية”.
واسترسل أن من شأن هذه المنظومة المتكاملة أن تعمل على توضيح المسار الطبي للمريض، وضمان سلاسة التدخلات العلاجية، انطلاقا من المراكز الصحية الأولية بلوغا إلى المستشفيات الجامعية التي ستشكل قاطرة الشبكة الاستشفائية على الصعيد الجهوي.
وأعلن أخنوش، أن الحكومة عازمة على وضع الإطار النظامي والعلمي لاختصاص “طبيب الأسرة”، موضحا أن هذا الإطار يقتضي “تعيين طبيب مكلف بعدد من الأسر، توكل له مهمة تتبع وتوجيه المرضى، عند الاقتضاء، نحو البنيات القادرة على توفير علاج غير متاح في مراكز القرب وتوجيههم نحو مختلف المؤسسات الاستشفائية ذات التخصصات المتعددة”.
ولضمان استمرارية السياسة الصحية وتعزيز جودتها، كشف رئيس الحكومة أنه سيتم إحداث الهيئة العليا للصحة، موردا أن هذه المؤسسة الاستراتيجية “ستعمل على تقنين التغطية الصحية الإجبارية عن المرض وتقييم نجاعة أداء وجودة الخدمات المقدمة من طرف مختلف الفاعلين بالقطاعين العام والخاص، إضافة إلى العمل على إعداد مراجع تكوينية ودلائل الممارسات الجيدة في المجال الصحي وحسن استخدام العلاجات وتوزيعها على المرتفقين ومهنيي الصحة”.
وواصل حديثه قائلا: إن “من شأن هذه المؤسسة ضمان استمرارية حقيقية للسياسات الصحية الوطنية، وتوفير الاستقرار المطلوب للمخططات والأوراش الكبرى، بالإضافة إلى ذلك، ستعمل الهيئة على ملاءمة السياسة الصحية مع التوجهات العامة للتغطية الصحية الشاملة وضمان التنسيق والتكامل بين المنظومتين”.
وشدد على أن السياسة العامة للدولة الرامية إلى تأهيل المنظومة الصحية، تهدف إلى تحقيق الكرامة والإنصاف في الولوج إلى الخدمة الصحية والقضاء على كل مظاهر التهميش.
وفي علاقة بقطاع الأدوية، قال أخنوش إن الحكومة تطمح إلى إحداث الوكالة الوطنية للأدوية والمنتجات الصحية وذلك بهدف تعزيز حكامة السياسة الدوائية بالمغرب، موضحا أن هذه الوكالة ستتمتع باستقلال مالي وإداري وستعمل على تنسيق عملية تطوير السياسة الصيدلانية الوطنية والمشاركة في تنفيذها خدمة لقطاع الصحة العمومية، إضافة إلى مواكبة التحولات والتحديات المطروحة بالنسبة للسياسة الدوائية.
وأكد رئيس الحكومة على أن ضمان الاستقلال والسيادة الدوائية للمغرب يكرس الأمن الصحي، كما يعد من مقومات الولوج العادل إلى الدواء والعلاج، مردفا أن هذا المشروع “سيمكن المواطنات والمواطنين من الحصول على الأدوية الأساسية بأثمنة ملائمة، من خلال دعم الإنتاج الوطني من الأدوية ودعم تصنيع الأدوية الجنيسة بغية تحقيق سيادة دوائية فعلية”.
وفي هذا السياق، أشار أخنوش إلى الانخراط القوي، تحت قيادة جلالة الملك الذي أطلق أشغال إنجاز مصنع لتصنيع اللقاح المضاد لـ”كوفيد-19″ ولقاحات أخرى، وهو ما سيساهم في تعزيز السيادة اللقاحية للمملكة وتوفير عدد من اللقاحات للقارة الإفريقية.
من جانب آخر، أعلن رئيس الحكومة، أن هذه الأخيرة ستعمل على إحداث الوكالة المغربية للدم في أقرب الآجال لضمان تحقيق الاكتفاء الذاتي من المشتقات الدموية الثابتة والمتحولة، والتي تتوفر فيها الشروط الضرورية لإسعاف حياة المواطنين، وذلك وعيا منها بالإشكالات التي تعرفها مرافق تحاقن الدم بالمغرب، واعتبارا لكون مسألة توفير الدم ومشتقاته تعتبر ذات أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لصحة المواطن، وفي الوقت الذي لا يتجاوز فيه المخزون الاستراتيجي بضعة أيام.
وأوضح أخنوش أن هذه الوكالة ستتولى “مهمة إعداد وتنفيذ استراتيجية وطنية لتوفير الدم ومشتقاته”، إضافة إلى “صلاحية الترخيص لإحداث مخازن للدم داخل المؤسسات الاستشفائية للمجموعات الصحية الجهوية، وإحداث وتطوير الأنشطة التشخيصية والعلاجية، والسهر على تطبيق القواعد المتعلقة باليقظة عند جمع الدم من المتبرعين”.