مجتمع

حملة تطهيرية قذرة

بقلم: الأستاذ عبد الله الفردوس

الخيط الإيجابي الوحيد الذي ظل يربط الجزائر بالمغرب في عز الأزمات والتوترات السياسية والديبلوماسية والعسكرية، هو هذه الرابطة العريقة واللحمة العميقة بين شعبي البلدين، التي استحال على نظام العصابة الحاكمة في الجزائر فكها وقطعها من بين كل ما قطعته من شرايين وأنابيب وأجواء وهواء.

ولأن العصابة في حاجة ماسة إلى عدو خارجي تصرف خلاله فشلها، وتبرر عبره شرعية بقائها ووجودها، واحتواء منسوب العنف والاحتقان في الجزائر، وتأطيره وتوجيهه إلى المغرب، فإنها لم تكتف فحسب باختلاق حروب ونزاعات سياسية وعسكرية مع المغرب ممثلا في نظامه ورموزه ومؤسساته واختياراته التنموية والوحدوية والديمقراطية، بل وجهت أنظار الشعب الجزائري إلى الشعب المغربي نفسه. إذ بعد أن أعياها تملق عواطف المغاربة بدعوى أن نظام العصابة لا يكن أي عداء للشعب المغربي، وأن هذا الشعب “خاوتنا” ولا مشكل بين شعبي البلدين، أظهرت العصابة في كل تصرفاتها وسلوكاتها ومواقفها وقراراتها أن المستهدف الأول بعدوانها هو الشعب المغربي بكل أفراده وأطيافه، وأن استهداف المواطنين المغاربة في حرياتهم وأرزاقهم وكراماتهم ووجودهم استهداف لهم من حيث كونهم مغاربة أو “مراركة” بعبارة الجيران، مع استحيائنا أن نورد أقذع الأوصاف والألقاب والنعوت الملعونة التي وُصف بها المغاربة في إعلام العصابة، ومن طرف مندسين في الملاعب الرياضية الذين حرضوا الجماهير الجزائرية ضد ضيوفها المغاربة بأبشع النعوت وأحطها أخلاقيا في وصف إخوانهم وجيرانهم وضيوفهم المغاربة.

وبتتابع الاستفزاز والسب والشتم من المنابر والملاعب والشاشات والتشجيع على السلوكات المنحرفة والمنحطة، لرفع منسوب الكراهية والعنف ضد المواطنين المغاربة، وضد الشعب المغربي بالتحديد وبالوجه المكشوف واللسان الفاجر، تكون العصابة الحاكمة في الجزائر قد تجاوزت سقف الخصومة الديبلوماسية وحتى الحرب العسكرية، إلى الفجور والجهالة وتحريض الشعب الجزائري لمواجهة شقيقه الشعب المغربي، واتخاذه العدو الوحيد والأوحد له.

فهذه العصابة لما سوقت لقطع أنبوب الغاز عن المغرب، كانت توجه الأنظار إلى عدائها للمغرب أرضا وشعبا ومصالح، بدعوى أن للجزائر فضلا ويدا في استمرار الحياة والدفء والنعيم في المغرب، وأنها بهذا الإغلاق والقطع للأنبوب، سيتجمد المواطنون المغاربة من البرد، وستتوقف الحياة، وسيجوع المغاربة وسيلجؤون إلى الحطب للتدفئة، وغير ذلك مما تابعنا مسلسله خلال سنة وإلى غاية اليوم، من دون أن يكون لهذا الإجراء البئيس أي أثر في الحياة المتدفقة في شرايين المغرب والمغاربة. وحينما انتزعت العصابة من مواطنينا في منطقة فكيك على الحدود المشتركة المغربية الجزائرية، أرض العرجة التي ورثوا زراعتها والقيام عليها أبا عن جد، واستصلحوها للغرس والخضرة والنعمة، لم يتأثر سلبا بهذا السلوك اللاحضاري واللاإنساني غير هؤلاء المغاربة البسطاء الذين استهدفوا في أرزاقهم ومصدر عيشهم. وحينما أغلقت العصابة الأجواء على الطيران المغربي وأصرت على غلق الحدود البرية والبحرية في وجه المغرب، لم تكن تفعل ذلك لإسقاط شركات الطيران، وتكبيد المغرب خسائر مالية مهولة، حسبها المعلقون السياسيون الجزائريون وأبواقهم الإعلامية بالملايير؛ تشمل التجارة والسياحة والعلاقات الدولية، ولم يقع من ذلك شيء ولا حدثت الكارثة الاقتصادية في المغرب الذي يستهدفونه، وإنما فعلت ذلك لقطع الأرحام بين الشعبين المتجاورين والمتزاورين، ومنهما آلاف من العائلات المختلطة والمتصاهرة والمتآخية التي وجدت نفسها مقسمة ومهانة ومدانة بلعنة التاريخ والجغرافيا، حيث حولت العصابة اللقاء بين أفرادها إلى جحيم لا يطاق، وإلى سابع المستحيلات في عالم التلاقي والتواصل الحديثين. ولنا في ما ينتظر اللاعب الكروي الدولي الجزائري رياض محرز داخل الجزائر من مضايقات ومتابعات وإهانات، خير مثال صارخ عن هذا العداء المستحكم في الجزائر لكل ما يمت إلى المغرب بصلة، فالرجل لم يضر بلده في شيء عندما اختار إمضاء عطلته وإجازته في مدينة مراكش المغربية التي تستقطب آلاف السياح من أرجاء المعمور، لكن للعصابة ولأذرعها الإعلامية رأي آخر ذهب إلى الشعب الجزائري بخطاب كله كراهية تندد بهذا اللاعب وتشكك في وطنيته وتخونه وتطالب بالقصاص منه، لا لشيء إلا لأنه يقضي إجازته في بلد جار “لا مشكل لنا مع شعبه”، مع التجاهل المطبق أن هذا اللاعب الجزائري أمه مغربية، وأنه في زيارته الاستجمامية لمراكش إنما يصل رحمه ببلده وبأرض أجداده من أمه، وأنه على الأقل من باب الإنسانية والرحمة الإلهية قبل “خاوة خاوة” و “جورة جورة” أن لا يمنع من حقه الإنساني في التنقل والاستجمام ببلده الأمومي.

لا تعرف العصابة شيئا اسمه دماء مختلطة ومشتركة، وهي في مساعيها التطهيرية العرقية، تختلق أساطير حول الدماء النقية لشعب معزول عن العالم، لا صلة له ولا قرابة له بأي شعب في العالم، حتى ولو كان هذا الشعب بجواره، يشهد التاريخ البعيد والقريب، وتشهد الحدود المصطنعة بين الشعبين، بحركية دائمة للدماء المشتركة التي تجري في عروقهما، أحبت العصابة ذلك أم كرهته، فهذا لن يغير من واقع الأمر شيئا.

 في الأيام القليلة الماضية، تعرض لاعبو الجيدو المغاربة في بطولة إفريقية تستضيفها الجزائر لأبشع أنواع الاضطهاد والإهانة والاحتجاز في مطار وهران إلى أن أقلعت طائرتهم وغادرت، وطردوا خارج المطار، من غير أي تأمين لعودتهم إلى وطنهم، ولا لمقامهم بالدولة الجارة والشقيقة.

وبعيدا عن أن نتتبع كل الحالات التحريضية والترهيبية المتلاحقة ضد الشعب المغربي، بقصد إهانة مواطنيه والانتقام منهم بسبب جنسيتهم المغربية، نكتفي بالحالة العامة والطاغية في الأسبوع الفارط، والتي نحت منحى تصعيديا خطيرا، بعد إعطاء العصابة الحاكمة في الجزائر الضوء الأخضر عبر وسائل إعلامها وأبواقها الإلكترونية التابعة للمافيا العسكرية، لانطلاق حملة مطاردة مغاربة الجزائر، وتهديدهم بالتصفية. شعار هذه الحملة صاغته الجريدة الإلكترونية الجزائرية “Algeriepatriotique”، التابعة لأحد جزاري العشرية السوداء من جنيرالات العصابة، المتابع من قبل القضاء السويسري بتهم جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، في ندائها الإرهابي، التحريضي للمواطنين الجزائريين ضد ضيوفهم المغاربة: “لنعمل على تطهير بلادنا من حشرات المخزن المغربي…” :

« mettons-nous au travail et nettoyons notre pays de cette vermine du Makhzen marocain «

لقد صار المواطنون المغاربة المقيمون في الجزائر، وكذا كل مغربي زائر لهذا البلد للمشاركة في تظاهرات دولية أو قارية، حشرة وهدفا لانتقام العصابة ولحملاتها التطهيرية العرقية، لا لشيء إلا بسبب الجنسية المغربية.

ينبغي أخذ هذا التهديد مأخذ الجد، لأن العصابة الحاكمة في الجزائر ماضية في مخططها لعزل الشعبين، والاستفراد بالشعب الجزائري، بإذكاء النعرات العنصرية. وهي تحضر في سياق هذا التحريض والتشكيك والتضليل لاختلاق وقائع وكوارث توجه فيها أصابع الاتهام للشعب المغربي، وتبرر بها اضطهاد العصابة لضيوفها المغاربة تحت لافتة أنهم جواسيس وأنهم من قتل وأحرق وذبح، وتسبب في خسارة مباراة أو إجهاض حلم ونصر.

ولعل ما استمعنا إليه في نهاية الأسبوع الفارط من تسجيلات صوتية متداولة على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي بين عناصر مخابراتية جزائرية ومواطنين جزائريين للقيام بحملات تطهيرية هدفها مطاردة المغاربة في مختلف المواقع التي يتواجدون بها في الجزائر، بحجة سرقتهم لمناصب الشغل الخاصة بالجزائريين، واندساسهم للجوسسة لصالح الصهيونية، لعل ذلك أن يكمل ما بدأته وسائل إعلام العصابة من دق طبول الإرهاب، وزرع الحقد بين الشعبين، والتأسيس لبرك دماء جديدة تلغ فيها العصابة وتستثمر فيها عدوانها على المصالح المشتركة للشعبين.

إن أقبح وجه للعصابة الحاكمة في الجزائر ليس في إعلاناتها الدائمة للحروب الديبلوماسية والعسكرية ضد المغرب الذي يمد إلى الشعب الجزائري يد الأخوة والجوار والسلام والتعاون، بل فيما تخطط له العصابة على المدى الطويل من زرع الأحقاد بين الشعبين، بعد خلقها لمناخ نفسي محتقن في الجزائر يرى الكل عدوه، إلا العصابة، ويرى في المغرب قائد العدوان عليه، وفي الشعب المغربي حشرة مضرة يجب أن تسحق، ليستريح الشعب من قرصاتها ولسعاتها وقذارتها. إنه فعل الجبناء المنحطين المنهزمين الذين يفرون من المعركة الحقيقية لتنمية بلدهم وتكريم شعبهم، إلى الزج بهذا الشعب المغلوب على أمره في الشكوك وفي التضليل والخوف والحذر والقلق، بهدف ابتزاز عواطفه القومية والوطنية، وصبها في صالح حشرات العصابة التي أتت على الأخضر واليابس في الجزائر، وخلدت في السيئات والإساءات أعمالها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق