دوليسياسة

أزمة العطش تضرب مخيمات تندوف وتزيد من استفحال صراعات قيادات البوليساريو

حكيمة أحاجو

مع بداية فصل الصيف تتفاقم المشاكل، التي يعيش تحت نيرها محتجزو مخيمات تندوف، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وما يصاحب ذلك من آثار جد وخيمة على الساكنة، وفي ظل غياب قيادة البوليساريو وعجزها عن تقديم الحلول لمواجهة أزمة العطش، التي تتهدد المحتجزين بهذه المخيمات، وذلك في ظل الترهل السياسي والأمني اللذين عرفهما هذا التنظيم، الذي بات يشكل خطرا أمنيا على المنطقة برمتها.

وفي تصريح لجريدة ” الأمة24″، أكد محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن الوضع المضطرب بين قياديي البوليساريو، فضحته الصراعات والملاسنات التي تسربت من قياديي البوليساريو حول المشاكل التي تعيشها المخيمات، ومنها أزمة العطش خلال فصل الصيف، موضحا أنها بمثابة الشجرة التي تخفي باقي مشاكل المخيمات ومنها الصراع على توزيع المساعدات الإنسانية، والمشاكل الأمنية الناتجة عن ضعف القبضة الأمنية لعناصر البوليساريو وترهلها تنظيميا وسياسيا، ناهيك عن تغلغل التنظيمات أو الجماعات المسلحة وتقاطع مصالحها مع مصالح القيادات المنتفعة من المتاجرة بالمساعدات وما بين مجموعات الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والجريمة العابرة للحدود، وأيضا الجماعات المتطرفة بالساحل لا سيما شمال مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والتي تعتمد في شكل كبير على اقتناء المواد المهربة من مخيمات محتجزي تندوف.

وأضاف الناشط الحقوقي، أن هناك إشكالات جمة تبلورت على شكل ملاسنات وتصريحات حادة أبرزها تلك الصادرة عن المدعو مصطفى سيد البشير، والذي شجب في أكثر من مناسبة الأوضاع الداخلية بالمخيمات ووصف ابراهيم غالي بأنه مجرد لاجئ، كما لم يتوان في تسريب محادثات “وتساب” ينتقد فيها غالي، وكذا الملاسنات التي جرت بين ما يسمى بوالية العيون ووزير المياه وغيرها.

واعتبر أن سياق هذه الاتهامات هي نتيجة الصدامات التي عرفتها مخيمات تندوف خلال الأشهر الماضية بسبب الترهل التنظيمي والسياسي الذي تعرفه البوليساريو، والتي تبلورت في ضعف أدائها الدبلوماسي بسبب الصراعات الداخلية التي يعرفها النظام الجزائري، لأن العديد من الأجهزة الأمنية الجزائرية تتدخل في مخيمات تندوف.

وذكر المتحدث، أنه منذ 2010، وبسبب الضغوط  الدولية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وبسبب تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة بشمال مالي ومنطقة الساحل اضطرت الجزائر للتدخل ميدانيا عبر إنشاء مراكز عسكرية وبوابات وحواجز رملية على محيط المخيمات، مما تسبب في حوادث اغتيال تجار المخدرات ومهربي المحروقات.

وشدد على أن الصراع بين قيادة أركان الجيش الجزائري انتقل إلى مخيمات تندوف، بسبب تقاطع مصالحها وبسبب الصراع على تدبير الصناديق السوداء المرصودة للمساعدات والاتجار بالمخدرات.

ولم يستبعد رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن الصراع داخل الجبهة وقرب مؤتمرها أحد الأسباب التي زادت من استفحال أزمة العطش بالمخيمات، لأن توزيع حصص الماء يكون حسب الولاءات القبلية من أجل توزيع كعكة السلطة، بحيث تتصارع هذه القيادات من أجل المراكز المدرة للأرباح والمداخيل والمتمثلة في مواقع توزيع المساعدات الإنسانية والمحروقات وتلك المتعلقة بالإمداد العسكري، وجميع المنتجات التي يتم تهريبها لعصابات الجريمة المنظمة والتي يتصاعد نفوذها، حيث باتت ترسخ دور البوليساريو في تهدد أمن المنطقة.

وفي السياق ذاته، أشار محمد سالم عبد الفتاح إلى الانفلاتات الأمنية بين ساكنة المخيمات، بسبب التراجع الدبلوماسي والعسكري والتدبيري للبوليساريو، فمنذ مدة وهي تعلن العودة للحرب، لكن الجميع يشاهد أن لا أثر لهذه الحرب المفترضة وإنما هي مجرد بلاغات قاربت 600 بلاغ، مبرزا أن تلك البلاغات لا تحظى بأي اهتمام إعلامي دولي، والذي بات يسلط الضوء على الفوضى الأمنية التي تشهدها مخيمات تندوف وعلى الانتكاسات الدبلوماسية والسياسية التي تتكبدها البوليساريو، وعلى المتابعات القانونية للمتورطين من قيادات البوليساريو في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والذين يتابعون أمام القضاء الدولي بإسبانيا بموجب تهم ثقيلة جدا من بينها الاختطاف والتعذيب والإعدام والاغتصاب وغيرها.

من جانب آخر، حمل المتحدث الدولة الجزائرية مسؤولية الأوضاع المزرية التي يعيشوها المحتجزون بمخيمات تندوف ومن ضمنها أزمة العطش. وأوضح في هذا الصدد، أن الجزائر تتنصل من مسؤوليتها القانونية إزاء من يفترض أنهم لاجئون على ترابها الإقليمي، برفضها الاستجابة لنداءات المنظمات الدولية ومن ضمنها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي أصدر عدة توصيات بضرورة اضطلاع الدولة الجزائرية بمسؤوليتها إزاء حماية هؤلاء اللاجئين وتمتيعهم بكافة الحقوق التي يضمنها لهم القانون الدولي بما في ذلك اتفاقية حقوق اللاجئين التي وقعت عليها الجزائر، بدعوى أنها تفوض تدبير هذه المخيمات لقيادات البوليساريو بموجب تفويض غير قانوني لتنظيم لا تتوفر فيه مقومات الدولة، ناهيك عن ارتكابه لمجموعة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في حق المحتجزين اللاجئين الممنوعين من بطاقة لاجئ، ومن جميع حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، ومن حقهم في التنقل بل هم ممنوعون من الاندماج الاقتصادي في اقتصاد الدولة المستضيفة ويمنعون من التنقل بدون تراخيص وفق إجراءات بيروقراطية يشرف عليها الجيش الجزائري في تندوف.

وشدد المتحدث على أن الأوضاع الداخلية للبوليساريو تؤكد أنها تفككت تنظيميا وأن ما يضمن استمرارها هو الرعاية الجزائرية، مذكرا أن الجبهة ومنذ الصدامات التي حدثت سنة 1988 انتهت تنظيميا، وأيضا ما حدث من حرب عنيفة بين المجموعات المسلحة منذ شهرين، إذ عرفت مخيمات تندوف وخاصة في ما يسمى بمخيم ولاية العيون من صراع واقتتال في شهر فبراير المنصرم بمخيم السمارة.

وفي هذا الصدد، قال إن تلك الصراعات تورطت فيها مجموعات مسلحة ذات بعد قبلي وتورط فيها الجهاز الأمني الذي انحاز إلى إحدى الفصائل المتقاتلة ودخل في مواجهات عنيفة مع المدنيين والأهالي، وكلها مؤشرات تدل على الانهيار التنظيمي بسبب انكشاف أمر قيادته واحتراقها كزعامات وانكشاف جرائمها المروعة التي ارتكبت في حق الصحراويين.

وختم الناشط الحقوق، أن أزمة العطش أثرت على النسيج الاجتماعي للمحتجزين خاصة مع أزمة الغلاء، والجفاف الذي عرفته المنطقة خلال هذا الموسم، مؤكدا أن أزمة “كوفيد- 19” تم استغلالها من قبل قيادة البوليساريو لفرض المزيد من القيود والتضييق على الصحراويين  من خلال غلق البوابات المؤدية لشرق الجدار والأرياف ومناطق الجنوب الغربي الجزائري، وكذا استغلال خطاب الحرب الافتراضية لفرض التجنيد الإجباري وغيرها من الأمور التي زادت من حدة المعاناة الاجتماعية بسبب أزمة العطش ونقص المنتجات الضرورية كالدقيق والزيت وغيرها من المواد الاستهلاكية، بسبب تراجع المساعدات الانسانية لأن المانحين أدركوا أنها تخصص للمتاجرة بها، وكذا حديث المتدخلين الدوليين عن الفوضى الممنهجة في توزيع تلك المساعدات ومن ضمنها البرلمان الأوروبي، الذي سبق وأصدر تقريرا بهذا الخصوص وأيضا الفوضى الأمنية التي أكد عليها أنطونيو غوتيريس، الأمين العام الأممي، في تقريره الأخير حول الصحراء، والذي أكد فيه بشكل مباشر وواضح تصاعد التهديدات الأمنية في تندوف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق