رفيقي: جلسات التعذيب بمدارس التعليم العتيق تترك نذوبا في نفسية الطفل
حكيمة أحاجو
لازال شريط فيديو إمام مسجد “دكينة”، بمنطقة باب تازة، وهو يعنف صغارا كانوا بصدد حفظ القرآن الكريم، يثير الكثير من النقاش بين المغاربة.
ففي الوقت الذي يطالب فيه البعض بالقطع مع هذه الممارسات اللانسانية في التعليم، مستغربين استمرارها في مغرب اليوم، هناك فئة عريضة دافعت عن الفقيه صاحب “فيديو الفلقة”، معتبرة أن الأمر عادي وأن الضرب لتحفيظ القران كان متبعا داخل “المسيد” من قرون ولا يستدعي اعتقال الفقيه ولا المطالبة بإغلاق المساجد التي يحفظ بها كتاب الله بالطريقة العتيقة.
ومن ضمن الشخصيات التي تفاعلت مع الشريط المذكور، عبد الوهاب رفيقي، الشهير بالشيخ أبي حفص، والذي قال في تدوينة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي، إنه لم يستغرب المشاهد التي تضمنها الفيديو المثير للجدل.
في هذا الصدد قال الباحث في الفكر الإسلامي، إنه من لم يعش تجربة “الجامع” و”لمسيد” أو “لحضار” ، ودرس في الدواوير بالقرى والجبال مثله، يمكن أن يستغرب للفظاعة والإجرام الذي مارس على الأطفال بالمساجد وكان يعتقد أنه لم يعد موجودا.
وفي هذا الصدد قال رفيقي، أن العنف في “الجامع” كان ممنهجا وواقعا تم التطبيع معه بشكل كبير من المجتمع وبرضى الوالدين، مذكرا بالعبارة المشهورة في البوادي وهي أن الأب عندما يحضر ابنه للتعلم بالمسيد يقول للفقيه:” تيجيب “نتا تقتل وأنا ندفن”، وبالتالي فمشكل العنف؛ حسب رفيقي يتجاوز الفقيه المعنف إلى الأسرة.
وفي هذا الصدد قال المتحدث:”وأنا طفل صغير حضرت لأنواع وأشكال من هذا العنف، حضرت لـ “الفلقة” و”التحميلة” والضرب بعصا “زلاط” الزيتون وب”شريط من القنب” يعمل الفقيه على وضعه في الماء والملح لأيام، قبل أن يستعمله في ضرب تلامذته.
وأضاف:” استظهرت القرآن وأنا أموت خوفا من الفقيه لأن مجرد لعثمة سيعرضك لتعذيب الفقيه وضرباته التي لن تختار المكان المناسب للضرب، وحضرت لجلسات الاستظهار على الفقيه الذي يحضر “شوك السدر” ليضعها تحت أقدام الطلاب، لمنعهم من الهرب من سوطه في حالة أخطأوا في استظهار سورة من السور”، مبرزا أنه عاش ورأى جلسات تعذيب خلفت عاهات في حفظة القرآن دون الحديث عن أثارها النفسية.
وشدد المتحدث على أن التطبيع مع العنف داخل مدارس التعليم العتيق لحفظ القرآن مجتمعي، بحيث لن يكن من حق الطالب الشكوى من العنف الذي يتعرض له لوالديه، لأن الفقيه في اعتقادهم تهمهم مصلحة طلابه وأيضا لكونه شخصية مقدسة لا يمكن أن تخطئ.
من جهة أخرى أبرز رفيقي أن المدرسة العصرية هي الأخرى شهدت عنفا مشابها لما تعيشه دور تحفيظ القرآن، وإن بشكل أقل، لأنها خاضعة لمراقبة إدارية، لأن المدرس أو المعلم كان يعنف التلاميذ لأن المجتمع يعتبر ممارسة العنف ضد الطفل أمرا عاديا، وفق التصور التربوي التقليدي في العقلية الجماعية.
وعن تجربته الشخصية قال رفيقي إنه يتحدث اليوم بأريحية عن تجربة التعذيب في مدارس التعليم العتيق بعدما تمكن من تجاوز التجربة، موضحا أنه عرف فقهاء كانوا نموذجا إنسانيا في التعامل ولو أنهم قلة.
وفي هذا السياق أكد أن أجيالا كثيرة من الأطفال عاشت أعطابا نفسية، وبسبب العنف الممارس عليهم فشلوا مهنيا ونفسيا
وعبر الباحث في الفكر الإسلامي عن استغرابه من كلام المدافعين عن فقيه فيديو “الفلقة” رغم التطور المجتمعي، بقولهم إنهم أيضا تعرضوا للتعنيف دون أن يستحضروا حجم العقد النفسية التي يتركها التعنيف في شخص الطالب المعنف وأنه يحتاج لطبيب نفسي لمعالجتها.
وللقطع مع هذه الممارسات البائدة المتجلية في العنف الممارس ضد الأطفال، شدد رفيقي على أن هذا الهدف، يحتاج إلى عمل كبير ومتابعة الفاعلين قانونيا، وتوعية المجتمع بالدمار الذي يمكن أن يتسبب فيه العنف للطفل، وبنشر أسلوب طرق التربية الصحيحة، ابتداء بالأب والأم ووصولا للمعلم والفقيه، لعل وعسى أن تنجو الأجيال القادمة من الأعطاب التي عاشتها سابقتها.
وتعليقا على الشريط ذاته، كتب إدريس الكنبوري، الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي، في تدوينة على حسابه على الفيسبوك، أن أول ما فعله الاستعمار الأوروبي عندما دخل البلدان الإسلامية هو محاربة الكتاتيب القرآنية والتعليم الديني في الزوايا،عوض الكتاتيب القرآنية بالمدارس العصرية وعوض التعليم الديني في الزوايا بالرقص والهيللة.
وأضاف:” لم يكن دور الكتاتيب علميا وبيداغوجيا فقط بل كان أيضا سوسيولوجيا. وحدت الكتاتيب بين القرية والمدينة وجعلت المستوى التعليمي متساويا بينهما؛ وقضت على الأمية في وقت مبكر جدا؛ بل بفضل الكتاتيب القرآنية كانت الأمية أقل بكثير مما هي عليه اليوم؛ وبفضلها وفضل التعليم الديني كان للبوادي علماؤها.”
وأفاد أنه بعد ظهور المدرسة الحديثة صارت المدينة وحدها معقل المعرفة؛ وتراجعت البادية؛ لأنه أصبح على سكانها أن يقصدوا المدينة للتعلم. وهكذا ظهرت الأمية في العالم الإسلامي لأول مرة منذ نزول الوحي
ويذكر أن عناصر المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة طنجة، كانت قد اعتقلت إمام مسجد ظهر في فيديو مدته دقيقة واحدة و56 ثانية، و تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يضرب أطفالاً صغاراً كانوا بصدد حفظ القرآن الكريم بطريقة عنيفة على أرجلهم .
وكانت المديرية العامة للأمن الوطني، قد أعلنت يوم الأربعاء فاتح يونيو الجاري، أنّ شرطة طنجة أوقفت، يوم الثلاثاء31 ماي المنصرم، شخصاً يبلغ من العمر 44 سنة، وذلك بعدما ظهر في شريط فيديو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو بصدد تعريض أطفال قاصرين للإيذاء العمدي داخل قاعة للتعليم العتيق.
وذكر المصدر ذاته، أنّ مصالح اليقظة المعلوماتية كانت قد رصدت شريط فيديو متداول على شبكات التواصل الاجتماعي، يظهر فيه إمام مسجد بمنطقة باب تازة وهو يستخدم العنف في حق قاصرين يتابعون دروساً في التعليم العتيق، مشيرة إلى أنه سيتم تسليم المعني بالأمر لمصالح الدرك الملكي المختصة ترابياً، وذلك تنفيذاً لتعليمات النيابة العامة المختصة..