اقتصاد

التفاصيل الكاملة لخطة الحكومة لمعالجة أزمة المقاولات المتعاقدة مع إدارات الدولة

الرباط – عبد الحق العضيمي //

سنت الحكومة تدابير استثنائية للتخفيف من آثار ارتفاع الأسعار وندرة المواد الأولية على الالتزامات التعاقدية في إطار الصفقات العمومية لفائدة المقاولات المتعاقدة مع مختلف الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، والتي تواجه صعوبات حقيقية في الوفاء بالتزاماتها، وذلك عبر منشور لعزيز أخنوش، رئيس الحكومة، وجهه إلى الوزراء والوزراء المنتدبين والمندوبين الساميين والمندوب العام.
وأشار رئيس الحكومة، في منشوره، الذي تتوفر “رسالة الأمة” على نسخة منه، إلى أنه نتج عن بدء الاقتصاد العالمي في التعافي واستعادة مسار نموه الطبيعي، بعد تراجع حدة خطورة جائحة “كوفيد 19” التي واجه المغرب تداعياتها، على غرار باقي بلدان العالم، “ازدياد الطلب على المواد الأولية، مما ساهم في ارتفاع الأسعار وتنامي أثمنة النقل الدولي للبضائع وندرة بعض المواد الأولية، وهي الوضعية التي زادت من حدتها التوترات الدولية الأخيرة”.

لجنة وزارية لمعالجة الإشكالات

وأضاف أخنوش، أن هذا الوضع جعل “بعض المقاولات المتعاقدة، في إطار الصفقات العمومية، مع مختلف الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية وغيرها من الأشخاص المعنوية العامة، تواجه صعوبات حقيقية في الوفاء بالتزاماتها التعاقدية بالشكل ووفق الشروط المتعاقد عليها، سيما من حيث الأثمان وآجال التنفيذ، وهو ما من شأنه أن يعرضها لغرامات التأخير أو لجزاءات الفسخ المقرون بمصادرة الضمانات المالية أو هما معا”.
وأكد رئيس الحكومة، أنه يتعين العمل على معالجة هذه الصعوبات للتخفيف من آثارها على المقاولات المعنية ضمانا لاستمرار نشاطها وقدرتها التنافسية ولاستكمال إنجاز المشاريع المتعاقد بشأنها، وذلك كله عبر سن تدابیر ظرفية استثنائية، وذلك اعتبارا لكون هذه الصعوبات ناتجة عن ظروف استثنائية، وتفعيلا لتوجيهات جلالة الملك الداعية إلى إنعاش الاقتصاد الوطني ودعم المقاولات المتضررة بغية تحسين مناخ الأعمال والحفاظ على مناصب الشغل.
وأوضح أخنوش، أنه تم تشكيل لجنة بين وزارية عهد إليها بدراسة هذا الموضوع واقتراح السبل الممكنة لمعالجة الإشكالات التي يثيرها. وبناء على ما خلصت إليه هذه اللجنة من نتائج، وعلى مقتضيات المرسوم المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، كما تم تعديله، وبعد استشارة اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، فقد تقرر اعتماد عدد من الإجراءات.

عقود ملحقة

وبخصوص الإجراءات المتعلقة بتسوية آجال تنفيذ الصفقات التي لا تزال في طور الإنجاز، فقد تطرق المنشور إلى أن المقاولات أصحاب الصفقات التي واجهتها أو تواجهها صعوبات في التنفيذ للأسباب المشار إليها، مدعوة إلى أن تقدم لأصحاب المشاريع طلباتها الرامية إلى تمديد آجال التنفيذ في حدود المدة اللازمة لتدارك التأخير الناتج عن تلك الأسباب والتي يجب أن لا تتجاوز في جميع الأحوال مدة ستة (6) أشهر”.
كما يتعين على أصحاب المشاريع المعنيين، وبناء على هذه الطلبات، حسب النص ذاته، العمل على “تعديل آجال التنفيذ التعاقدية بمقتضى عقود ملحقة بإضافة المدد المطلوبة”.
أما إذا تعلق الأمر بصفقات الأشغال، فإن “أصحاب المشاريع مدعوون كذلك إلى العمل، وبموجب عقود ملحقة، على التمديد التلقائي لآجال صفقات الأعمال التقنية المبرمة بمناسبة تنفيذ الأشغال المساعدة التقنية، خدمات المختبرات المراقبة التقنية أو الطبوغرافية، أعمال الهندسة المعمارية، الخبرات التقنية وذلك في حدود آجال التمديد المخولة في إطار صفقات الأشغال”، وفق المصدر ذاته.
كما تم التنصيص في المنشور على إجراء يتعلق بإرجاع غرامات التأخير، إذ ورد فيه أنه “في حال تطبيق غرامات التأخير في إطار صفقة لازالت في طور التنفيذ ثم تبين بعد ذلك أن هذه الغرامات أصبحت غير مبررة بفعل تمديد الآجال تطبيقا لمقتضيات هذا المنشور، فإنه يتعين إرجاع مبلغ هذه الغرامات لفائدة صاحب الصفقة وذلك على شكل تعویض يؤدي من ميزانية صاحب المشروع، بناء على قرار يتخذه في هذا الشأن استنادا إلى مقتضيات هذا المنشور وذلك بالنسبة للإدارات العمومية وبإضافة مبلغها على مستوى الكشوف الحسابية اللاحقة لصدور هذا المنشور بالنسبة للمؤسسات والمقاولات العمومية”.
كما أباح المنشور إمكانية فسخ الصفقات التي لا تزال في طور الإنجاز دون مصادرة الضمانات المالية، وذلك عبر الإشارة إلى أنه “إذا تبين لصاحب المشروع من المعطيات والظروف المرتبطة بالصفقة تعذر استكمال إنجازها بسبب الظروف الاستثنائية المشار إليها، وليس بسبب خطأ أو تقصير راجع لصاحب الصفقة، فيمكنه فسخ هذه الصفقة، بمبادرة منه أو بطلب من صاحب الصفقة، دون إقران هذا الفسخ بمصادرة الضمانات المالية”.

تسوية الخلافات الناتجة عن الغرامات

وفي ما يتعلق بالإجراءات المتعلقة بتسوية الخلافات الناتجة عن تطبيق غرامات التأخير وعن قرارات الفسخ المقرون بمصادرة الضمانات المالية، منح المنشور الضوء الأخضر لأصحاب الصفقات الذين صدرت في حقهم خلال الفترة الممتدة من فاتح أكتوبر 2021 إلى تاريخ صدور هذا المنشور، قرارات الفسخ المقرون بمصادرة الضمان النهائي أو مبلغ الاقتطاع الضامن أو هما معا، أو طبقت في حقهم الغرامات الناتجة عن التأخير في تنفيذ الأشغال، في أن “يتقدموا، متى ثبت أن السبب الكائن وراء إخلالهم بالتزاماتهم التعاقدية المؤدي إلى تطبيق هذه الجزاءات القسرية في حقهم راجع إلى الظروف الاستثنائية المشار إليها، بملتمسات إلى أصحاب المشاريع المعنيين من أجل استرجاع المبالغ المصادرة أو المقتطعة”.
وتابع المنشور، أن “صاحب كل مشروع يتولى دراسة الملتمسات المعروضة عليه، كل ملتمس على حدة، وفق المعطيات والحيثيات المرتبطة به، ويتخذ القرار الذي يراه ملائما بشأنه ،والذي يبلغه فورا إلى صاحب الصفقة المعني”.
وزاد أنه “إذا لم يقبل صاحب الصفقة بالقرار المبلغ إليه أو إذا لم يتوصل بأي جواب على ملتمسة بعد انصرام شهر من تاريخ إيداعه أو تبليغه، فيمكنه عرض الخلاف على السلطة المختصة التي تعمل على إحالته فور توصلها بطلب صاحب الصفقة على لجنة خاصة سيتم إحداثها، يعهد إليها بالبت في هذه الطلبات بشكل نهائي”.
وأبرز المنشور، أنه “إذا تقرر، سواء بمقتضى قرار صاحب المشروع أو بمقتضى قرار اللجنة الخاصة المشار إليها، حق المقاولة في استرجاع الضمانات المالية المصادرة وكذا المبالغ المقتطعة على سبيل غرامات التأخير فإن المبالغ الواجب إرجاعها تؤدى على شكل تعويض من ميزانية صاحب المشروع، بناء على قرار يتخذه في هذا الشأن استنادا إلى مقتضيات هذا المنشور”.

إعادة التوازن المالي للعقود

ومن الإجراءات التي وردت في المنشور، تلك المتعلقة بمراجعة أثمان صفقات الأشغال، والتي سبق لنزار بركة، وزير التجهيز والماء، أن وجه بشأنها مذكرة لرئيس الحكومة.
وفي هذا السياق، قال أخنوش إن “الارتفاع الملحوظ الذي عرفته أثمان بعض المواد الأولية وأسعار الخدمات وبعض السلع التي يقتضيها تنفيذ الصفقات العمومية، جعل هذا التنفيذ مرهقا بالنسبة للمقاولات أصحاب الصفقات، مما يستوجب العمل على تخفيف هذا العبء عليها بما يساهم في إعادة التوازن المالي للعقود”.
وعهد إلى وزارة التجهيز والماء، وفق نص المنشور، “العمل بتشاور وتنسيق مع الهيئات المهنية الأكثر تمثيلية ومع الإدارات المعنية والموردين الأساسيين أو عند الاقتضاء مع المقاولين، على تحيين المؤشرات المعتمدة في صيغ مراجعة الأثمان ونشرها في أقرب الآجال”، إضافة إلى “الحرص على إصدار هذه المؤشرات بشكل منتظم”.
ولفت المنشور الانتباه إلى أنه لتطبيق مقتضيات مراجعة الأثمان على أساس المؤشرات التي سيتم نشرها في هذا الإطار، يتعين التمييز بين حالتين، الحالة الأولى تتعلق بالصفقات التي تم إنهاؤها وأداء المبالغ الناتجة عنها قبل صدور هذا المنشور وقبل نشر المؤشرات الجديدة.
وأكد المصدر نفسه، أنه “إذا ثبت أن جزءا من الأعمال موضوعها قد تم إنجازه فعلا قبل تحيين المؤشرات من قبل وزارة التجهيز والماء، فإنه يتعين على صاحب المشروع المعني تطبيق المؤشرات المحينة وإعادة احتساب المبلغ الناتج عن مراجعة الاثمان وفق الصيغة المنصوص عليها في الصفقة وذلك بالنسبة للكشف أو الكشوفات الحسابية المؤداة”.
وأضاف المنشور، أنه بعد “تحديد مبلغ مراجعة الأثمان، يخصم منه المبلغ الذي سبق أداؤه في إطار الكشوف الحسابية المؤداة وبصرف الباقي المستحق للمقاولة صاحبة الصفقة على شكل تعویض بناء على قرار يتخذه صاحب المشروع استنادا إلى مقتضيات هذا المنشور”، مع التأكيد على أن تطبيق هذا الإجراء ينحصر على الأشغال التي تم إنجازها ابتداء من فاتح أكتوبر 2021.
وفي ما يتعلق بالحالة الثانية، فتهم “الصفقات المبرمة قبل صدور هذا المنشور ولا زالت في طور التنفيذ، والتي تبين أن جزءا من الأعمال موضوعها تم تنفيذه خلال المدة المعنية بمراجعة الأثمان، بناء على المؤشرات المحينة والمشار إليها”.
وفي هذا الإطار، شدد منشور أخنوش على أنه “إذا سبق أن تم إعداد کشوف حسابية بشأنها وتم احتساب مراجعة الأثمان وفق الصيغة المستندة على المؤشرات القديمة، فإنه يتم إعادة احتساب مبلغ مراجعة الأثمان هذه بتطبيق المؤشرات المحينة، ويتم أداء الفرق بين المبلغين عن طريق التحيين في إطار الكشوف الحسابية اللاحقة الصدور لهذا المنشور ولنشر المؤشرات الجديدة”.

مراجعة الأثمان بناء على آخر المؤشرات

ودعا المنشور أصحاب المشاريع إلى “احتساب مراجعة الأثمان بناء على آخر المؤشرات المنشورة المؤقتة، على أن يتم إعادة احتساب مبلغ مراجعة الأثمان هذه بتطبيق المؤشرات النهائية بعد نشرها، ويتم أداء الفرق بين المبلغين عن طريق التحيين في إطار الكشوف الحسابية اللاحقة”.
وبالمقابل، أوضح المنشور أنه يمكن لصاحب المشروع إعادة النظر في تلك المشاريع التي لا تزال في طور التنفيذ ولم تستكمل الأشغال موضوعها بعد والعمل على إبرام عقود ملحقة بشأنها سواء للتنصيص على قابلية أثمانها للمراجعة وتحديد الصيغة المعتمدة في ذلك أو لحذف أو تعديل السقف، وذلك “بحكم أن بعض صفقات أشغال بعض المؤسسات والمقاولات العمومية تنص على أن أثمانها غير قابلة للمراجعة أو تنص على سقف محدد لا يجوز أن يتجاوزه المبلغ الناتج عن مراجعة الأثمان”.
هذا، وقد حدد المنشور الفترة التي تهم هذه الحالة، حيث جاء فيه “لا تسري الآثار المترتبة عن تفعيل هذا الإجراء، سواء فيما يخص التنصيص على قابلية الأثمان للمراجعة أو حذف أو تعديل السقف إلا على الاشغال المنجزة فعلا خلال الفترة الممتدة بين فاتح أكتوبر 2021 واليوم الأخير من فترة مدتها ستة أشهر تبتدئ من تاريخ نشر هذا المرسوم”.
وطالب رئيس الحكومة وزارة التجهيز والماء مدعوة إلى إعداد مشروع قرار لتحيين قواعد وشروط مراجعة الأثمان، وذلك من أجل “ضبط أدق لقواعد وشروط مراجعة أثمان الصفقات العمومية بشكل يمكن من تدارك النواقص التي تعتري المقتضيات الجاري بها العمل حاليا ومعالجة جميع الإشكالات المطروحة بشأن مراجعة الأثمان”.

إرجاع الضمانات المالية للمقاولات

من جهة أخرى، نص المنشور على إجراءات تتعلق بتسريع أداء مستحقات المقاولات أصحاب الصفقات، حيث ذكر أنه “بالإضافة إلى وجوب الحرص على تطبيق المقتضيات المنظمة لآجال التنفيذ، كما هي منصوص عليها في النصوص الجاري بها العمل، فإن أصحاب المشاريع مدعوون أيضا، كلما نشأ مشكل أو صعوبة مرتبط باحتساب مراجعة الأثمان، أن يعمدوا إلى صرف مبلغ الأشغال المنجزة دون احتساب مبلغ مراجعة الأثمان، على أن يقوموا، بعد تسوية المشكل المثار بشأن هذه الأخيرة، بأدائها في إطار الكشوف الحسابية الموالية”.
وفي الجانب المرتبط بالإجراءات المتعلقة بتصفية الصفقات العالقة وإرجاع الضمانات المالية للمقاولات، قال رئيس الحكومة “اعتبارا لكون مجموعة من الصفقات العمومية، والتي بالرغم من استكمال إنجاز الأعمال موضوعها، لاتزال عالقة ولم تتم تصفيتها، لعدم استيفاء الإجراءات المتعلقة بتسلمها مؤقتا أو نهائيا لأسباب مختلفة، مما يتعذر معه على المقاولات المتعاقدة استرجاع الضمان النهائي والاقتطاع الضامن أو الحصول على تحرير الكفالات البنكية التي تقوم مقامها – مع ما يستلزمه ذلك من تحملها للتكاليف البنكية المترتبة عنها؛ فإنه يتعين على أصحاب المشاريع الإسراع بدراسة الإشكالات المطروحة بشأن هذه الصفقات وإيجاد الحلول الناجعة لها لتصفيتها بشكل نهائي”.
وفي هذا الصدد، دعا أخنوش إلى تشكيل لجنة على صعيد كل قطاع وزاري لتتبع معالجة الإشكالات المطروحة على صعيد مصالح كل وزارة والمؤسسات والمقاولات العمومية التابعة لها.
أما الإجراءات التي تهم حسن تدبير الصعوبات التي قد تعترض تنفيذ الصفقات، سواء المبرمة قبل صدور هذا المنشور والتي لازالت في طور التنفيذ أو المبرمة بعد صدوره، فشدد النص ذاته، على أنه “لتفادي آثار الصعوبات الناتجة عن ارتفاع الأثمان أو ندرة المواد الأولية والسلع التي يستلزمها تنفيذ الصفقات، فإن المقاولات وأصحاب الصفقات الذين قد تواجههم مثل هذه الصعوبات مدعوون فور نشوء هذه الأخيرة إلى إخبار أصحاب المشاريع بها، مع بيان آثارها على آجال التنفيذ”.
وتطرق المنشور إلى أنه “إذا تأكد صاحب المشروع من جدية المعطيات المثارة من قبل صاحب الصفقة، فإنه يتعين عليه إصدار أمر بتأجيل الأشغال جزئيا أو كليا حسب الحالات وبإصدار أمر باستئنافها فور زوال الأسباب المؤدية إلى تأجيله”، مع التشديد على أنه “لا يمكن أن تكون الأوامر بتأجيل الأشغال كليا أو جزئيا، الصادرة في إطار تفعيل هذا الإجراء، أساسا للمطالبة بأي تعويض”.
ومن أجل تنفيذ مقتضيات هذا المنشور الذي تحدد مدة سريانه في ستة أشهر ابتداء من تاريخ صدوره، يضيف المنشور، فإن “كافة القطاعات مدعوة إلى إيلاء الأولية لتنزيل مقتضياته خلال تنفيذ ميزانية هذه السنة والعمل على إجراء التحويلات الضرورية، مع العلم أنه وفي حال تعذر توفير الاعتمادات الضرورية خلال هذه السنة، فإن توفيرها يجب أن يشكل أولية خلال برمجة ميزانيات مختلف القطاعات للسنوات المقبلة”، حسب تعبير المنشور.
وأهاب رئيس الحكومة بوزير الداخلية “دراسة إمكانية تمديد مقتضيات هذا المنشور على صفقات الجماعات الترابية والهيئات والمجموعات التابعة لها، واتخاذ الإجراء المناسب لهذا الغرض”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق