
الرباط- عبد الحق العضيمي
دخل مجلس المنافسة على خط الارتفاع “الصاروخي” لأسعار عدد من المواد الاستهلاكية الأساسية على الصعيد الوطني، معلنا أنه اتخذ مبادرة للإدلاء برأيه في “الارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام والمواد الأولية في السوق العالمية، وتداعياته على السير التنافسي للأسواق الوطنية”، وقال إنه “اختار 13 مادة تنتمي إلى ثلاث مجموعات رئيسية من المواد الأساسية لتشكل موضوع الرأي”.
وتشمل المواد المعنية بالمبادرة، مواد البناء ويتعلق الأمر بـ”الخردة المعدنية، (قضبان الحديد، التسليح)، والزجاج والألومنيوم والنحاس”، والمواد الطاقية، تهم “الغازوال والبنزين والفيول والفحم”، وكذا المواد الغذائية، ومنها على الخصوص “القمح والأسمدة النيتروجينية والزبدة والعدس والحليب المجفف”.
وأوضح المجلس في المذكرة المرجعية المرفقة بمبادرة الرأي، والتي تتوفر ” الأمة24″ بنسخة منها، أن هذه المبادرة تأتي طبقا لمقتضيات المادة 4 من القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة، والتي تنص على أنه “يمكن للمجلس باقتراح من مقرره العام، أن ينظر بمبادرة منه في كل الممارسات التي من شأنها المساس بالمنافسة الحرة، وكذا في أي إخلالات بالتعهدات المتخذة من لدن الأطراف في عملية تركيز اقتصادي، وفي كل مسألة متعلقة بالمنافسة”.
مجلس المنافسة، وهو يكشف أهداف اتخاذه لمبادرة الإدلاء برأيه بشأن موجة الغلاء التي تعرفها أسعار عدد من المواد الاستهلاكية، قال إن “العديد من الدراسات الاقتصادية التجريبية التي تم اجراؤها حول هذا الموضوع، ولا سيما التي قامت بها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أظهرت أن فترات الأزمات على غرار الأزمة التي نعيشها حاليا، توفر بيئة خصبة لاحتمال ارتكاب الممارسات المنافية لقواعد المنافسة في أسواق المنتجات الرئيسية، إذ قد يلجأ بعض الفاعلين الاقتصاديين إلى استغلال هذا الوضع والزيادة في هوامش الربح الخاصة بهم لأجل مضاعفة أرباحهم”.
وزاد أنه “وأخذا بعين الاعتبار السياق الاقتصادي الحالي، المتسم بزيادة شبه عامة في أسعار البيع للمستهلكين المتعلقة بجميع المنتجات الرئيسية. كان لزاما الجواب على سؤال مفاده، هل تتعلق الأسعار المسجلة في السوق الوطنية، بعوامل خارجية مرتبطة بارتفاع أسعار الموارد الأولية المستوردة؟ أم تعزى إلى عناصر غير مشروعة ومرتبطة بممارسات محظورة بموجب القانون رقم 104.12، على غرار الاتفاقات والاستغلال التعسفي لوضع مهيمن؟”.
وسيرتكز موضوع الرأي المرتقب، وفق المذكرة المرجعية ذاتها، على ثلاثة محاور، الأول منها يتعلق بتحليل عميق للتطور الأخير للأسعار على الصعيد الدولي، فيما يتطرق المحور الثاني إلى الأسباب الرئيسية المفسرة لهذا المنحى التصاعدي، بينما يعرج المحور الثالث على تحليل تداعياتها على أسعار البيع للمستهلكين على الصعيد الوطني”.
وسيهم التحليل الذي سيقوم به مجلس المنافسة فترتين زمنيتين منفصلتين، الأولى أوسع تغطي التطور السنوي للسنوات الأربع الأخيرة، (2018-2021)، والثانية تركز على الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الجارية، التي سجلت خلالها تقلبات كبيرة في أسعار البيع للمستهلكين في السوق الوطنية.
وجاء في المذكرة نفسها، أن “أسعار الأصناف الرئيسية للمنتجات الأساسية، شهدت منذ الربع الثاني من سنة 2020، الذي تزامن مع الشروع في تخفيف القيود الصحية، منحى تصاعديا تكرس طيلة السنة المنصرمة، وازدادت حدته خلال الربع الأول من السنة الحالية، حيث سجل ارتفاع أسعار بعض المنتجات مستويات قياسية”.
وعزى المجلس أسباب الارتفاع في أسعار المنتجات الاساسية، الى ما أسماه “اختلال التوازن الكبير بين العرض والطلب في الأسواق المعنية، تحث تأثير الانتعاش السريع والمتزامن للطلب العالمي للبلدان المستوردة الرئيسية على الخصوص، من بينها الصين والولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الأوروبية. وبمقابل ذلك، لم يكن العرض في مستوى يمكنه من مواكبة الطلب بسبب ندرة المواد الأولية وتسجيل اختلالات في سلاسل القيمة لمجموعة من الصناعات، والتي تفاقمت بسبب اضطرابات النقل البحري”.
وبالإضافة إلى هذه الاختلالات، أورد المجلس، عاملا آخرا يفسر أسباب الارتفاع الحاد في أسعار المواد الاساسية، خاصة النفط والقمح هو عامل ذو طابع جيو- سياسي متعلق بتداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية المندلعة من بداية السنة الجارية.
وتابع المجلس، أن “المغرب لا يشكل استثناء بالنسبة للوضع المذكور أعلاه، وبالتالي، فمن المتوقع أن تتأثر أسواقه جراء تغير الأسعار في السوق العالمة لكونها تنشط في بيئة تتسم بالتحرير الكلي لأسعار جل المواد والسلع المعنية بهذه الزيادة، وذلك بحكم أن جزء كبير من هذه المواد يتم استيرادها من الخارج، خاصة منتجات الطاقة والحبوب”، مشيرا إلى أن المغرب يستورد حوالي 90 في المائة من حاجياته الطاقية وما يناهز النصف من الحبوب.
وتشير المعطيات المتضمنة في نص المذكرة، إلى أن سعر القمح المستورد سجل منحى تصاعديا خلال السنوات الأربع الأخيرة، إذ انتقل من 2288 درهم للطن في 2018 إلى 3062 درهم للطن في 2021، بزيادة بلغت 33,8 في المائة.
ووفق المصدر نفسه، فقد ظهرت هذه الزيادة جليا في يناير من السنة الحالية، إذ وصل سعر الطن إلى 3238 درهما للطن مقابل 2670 درهما للطن في يناير 2021، بنسبة بلغت 21,2 في المائة.
وفي هذا الصدد، سجل المجلس أن واردات المغرب من القمح تتغير حسب مستوى الإنتاج الوطني، فيما يتم تأمين إمداداته من هذه المادة بنسب متكافئة موزعة ما بين الإنتاج الوطني والواردات.
وعلاقة بالقطاني، أفاد المجلس بأن المغرب يستورد العدس بكميات كبيرة، تصل إلى حوالي 60 في المائة من حاجياته، أما بالنسبة للقطاني الأخرى، كمادة الحمص والفاصولياء، فيتوفر المغرب على إنتاج محلي هام يمكنه من تأمين معظم حاجياته من هذه المنتجات.
وفيما يخص مادة الزبدة، أشار المجلس إلى أن حوالي 30 في المائة من الاحتياجات الوطنية منها يتم تلبيتها بواسطة الإنتاج الوطني، فيما يجري استيراد الباقي.
وسجل أن سعر استيراد هذه المادة، سجل بدوره، ارتفاعا حيث انتقل من 39.983 درهما للطن في 2021 إلى 43.258 درهما للطن في 2022، بزيادة ناهزت 8,2 في المائة. كما ازداد هذا السعر بنسبة بلغت 37 في المائة في يناير من السنة الحالية، مقارنة مما سجل في الشهر ذاته من السنة المنصرمة.
وارتباطا بالحديد والصلب، قال المجلس إن هذا القطاع يعاني من مشكل في تأمين الإمدادات بالمواد الأولية كالخردة والكتل الحديدية، حيث تغطي الإمدادات المحلية حوالي 30 إلى 40 في المائة من حاجيات القطاع، ويتم استيراد 60 إلى 70 في المائة من الإمدادات المتبقية.
أما بالنسبة للأسلاك والقضبان الحديدية والمقاطع النحاسية، فقد ارتفع سعر الطن بشكل كبير، حيث انتقل من 60781 درهما للطن في 2020 إلى 82189 درهما للطن في 2021، بزيادة بلغت 35,2 في المائة، وهي الزيادة التي ظهرت “أكثر جلاء في يناير 2022 إذ ارتفع سعر الطن بـ 89.752 درهما مقابل 71.951 درهما للطن في يناير من السنة المنصرمة، بنسبة ازدادت بـ 24,7 في المائة”، يوضح المجلس.
وفيما يخص مواد البناء، أفاد المجلس بأن حجم استهلاك المغرب، برسم 2019 ، بلغ حوالي 1,2 مليون طن من قضبان حديد التسليح و250 ألفا إلى 400 ألف طن من الأسلاك الخاصة بالبناء والأشغال العمومية والصناعة، مشيرا إلى استيراد المغرب، خلال نفس السنة، ما يناهز 295 ألف طن من هاتين المادتين .
وفيما يخص المواد الطاقية، فقال المجلس، إن المغرب يعتمد كليا على الواردات في مجال الغازوال الفيول، مضيفا أن هذه المنتجات سجلت أعلى الزيادات في الأسعار، إذ بلغت 5193 درهما للطن في 2021، بزيادة ناهزت 38,5 في المائة على أساس سنوي. وتابع أن “هذه الزيادة بدت أكثر جلاء في يناير من السنة الحالية حين تجاوزت نسبة 60 في المائة”.