مثير للاشمئزاز والسخرية
تواصل العصابة الحاكمة في الجزائر مسلسل سقوطها المدوي وفضائحها أمام العالم، فبعد كل الخرجات المتسارعة غير الموفقة ضد محيطها وجيرانها، والتي تجرعت فيها شر أعمالها وانقلبت فيها مؤامراتها وارتدت إلى نحرها، أقدم رئيس هذه الطغمة الموتورة الجائرة على سابقة خطيرة سفه فيها ديبلوماسية بلده من حيث لا يحتسب، وجعل الإدارة الأمريكية تقدم في سابقة كذلك إلى نشر الغسيل الذي توصلت به من هذا الرئيس على موقع وزارة الخارجية الأمريكية، وتسربت إلى العالم تسجيلات صوتية كذلك لهذا الغسيل الوسخ.
في الأسبوع الفارط استقبل رئيس العصابة الحاكمة في الجزائر وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، الذي أنهى جولته إلى المنطقة ليحط الرحال لبضع ساعات في الجزائر، ففضلا عن ما اعترض زيارته لهذا البلد من أخطاء بروتوكولية محرجة وفظيعة تطرقت لها وسائل الإعلام، وتشي كلها بأن رئيس الديبلوماسية الأمريكية لم يجد في استقباله مؤسسات تحترم اختصاصاتها ولا دولة مسؤولة تفهم في الأعراف البروتوكولية وفي العلاقات الدولية، وفي تراتبية المسؤوليات، وفي مفردات المخاطبات السياسية، وآداب الحديث، فإنه اضطر إلى الجلوس بين يدي رئيس البلد المضيف يستمع لخطاب طويل مهلوس، يدخل في موضوع ويخرج إلى غيره، لا يلوي منه المستمع على شيء ذي بال وذي مصداقية في توجيه الحديث إلى مستقبل العلاقات بين دولتين أو شعبين، يتعين تأكيدها بمبادرات أو بآراء سديدة أو باستشارات كالتي يأمل أنطوني بلينكن أن يستطلعها لدى جيران المغرب للدفع قدما في اتجاه بحث سبل التقائية الجهود المبذولة لخفض التوترات والتطلع إلى تعاون إقليمي ودولي لإنهاء ما يتهدد المنطقة من تصعيد، تبين لعقلاء العالم وحكمائه أن حكام الجزائر وحدهم من يعربدون في أوحاله، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
ولما لم يطرق سمع أنطوني بلينكن شيء يمكن أن يعقله من هلوسات خطاب رئيس الدولة المضيفة، اكتفى بشكر الرئيس “على هذه المحادثة المفصلة والممتعة” كما جاء في رد فعله على الخطاب، لأنه طاف به أرجاء عالم تخييلي عجائبي لا يمكن وصفه إلا بالإمتاع كما في جلسات السمر والمباسطة والمفاكهة والمؤانسة. ولأنه لم يجد جُملا ديبلوماسية يلخص بها ويهذب خطاب رئيس الدولة المضيفة، أخذ على عاتقه مهمة نقل هذا الخطاب كاملا، لا إلى أجهزة دولته فحسب، وإنما إلى العالم بأسره، وذلك بنشر الخطاب كاملا في موقع وزارته، ليطلع عليه العالم، ولعله يجد من يشرح له ألغازه، ويتأول له مواقفه الغامضة وأقواله المتضاربة، ويحلل له رموز الحكايات والأقاصيص والأحجيات التي لم يسبق له أن خوطب بها لا في دروس التاريخ، ولا في لقاءاته برؤساء الدول وبنظرائه من وزراء خارجيتها ورجال ديبلوماسيتها.
نعجز بدورنا أن نلخص سيل الهذيانات والهلوسات والأساطير المؤسسة لخطاب تبون الجزائر إلى أنطوني بلينكن، أو أن نستخلص منها موقفا واضحا ومعقولا من قضية ما من القضايا الكثيرة التي أثارها وطرحها، وأكثرها لا صلة له بالمهمة التي قدم من أجلها بلينكن إلى المنطقة، وأكدها بدقة في كل لقاءات جولته وتلقى إجابات مفهومة وواضحة عنها من البلدان ذات المصداقية التي زارها، فهو قدم إلى المنطقة بهدف “تعزيز الاهتمام المشترك بالمبادئ المتعلقة بالسيادة والوحدة الترابية للدول” و “التركيز بشدة على الديبلوماسية وعلى الحل الديبلوماسي الداعم لجهود الأمم المتحدة” وبشأن مسألة العلاقات الإسرائيلية العربية أو ما يسمى بالتطبيع، ذكر أن جولته تأتي في سياق ما تعتزمه الولايات المتحدة من “تشجيع الدول الأخرى على الانضمام إليه”، فأين تبون الجزائر من كل هذا الزخم في أجندة ضيفه ومحدثه، تكلم بلينكن عن قضايا مضبوطة ومحددة وذات راهنية، وتكلم تبون الجزائر عن الماضي الأليم والسرمدي الذي لا ينتهي ألمه وقطائعه وأحداثه، فالشعب لم ينس حرب الرمال 1963 ولن ينساها كما ذكر… ثم ساق كلاما مرسلا بلا تحقيق ولا تقوى وصدق عن الشرق والغرب والشمال والجنوب، وعن البر والبحر، وعن الزراعة والحصاد وتربية الماشية والمقاولات والشباب وعن الطرقات والموانئ ووسائل النقل والسكك الحديدية في بشار، وعن “شركة اسمها (…) ستربط بشار بالقطار، ثم مالي والنيجر بالشاحنات”، و”نقوم حاليا بتأسيس أسطول بحري وجوي جزائري، ولدينا نصف مساحة من أراضينا لا يمكننا الوصول إليها. نحن بحاجة للوصول إلى كل مكان الآن.”؟؟؟ وتكلم عن القمح الذي سيفيض ثلثاه عن حاجيات الجزائر، وستقوم بتصديره إلى المغرب (على شاكلة أنبوب الغاز) وتكلم عن مسحوق الحليب الذي تستورده الجزائر وتخلطه بالماء، وعن تيمور الشرقية وجزر القمر وفلسطين وإسرائيل وفاغنر و”إخواننا السوريون” و”الشعب التركي، وأناس من السودان، تم حشدهم من تشاد” و”أصدقاؤنا الفرنسيون” و”القبائل المالية التي لم نتوقف أبدًا عن التدخل والتدخل بينها” و”رئيس وزراء مالي الذي لا يعترف بالاتفاقية التي تمت في الجزائر، بل إنه يقف ضدها، كما يقول ويكتب”، والصحراء التي لا علاقة للمشكل المغربي الجزائري بها، و”الأوليغارشية (الجزائرية) التي غادرت، والتي ارتبطت بالمافيا الروسية والمافيا الإيطالية وكل مافيا. اختلسوا كل أموال البلاد”… ولم يترك دولة في الجوار إلا وحط من قدرها وتدخل في شأنها ظانا بذلك أنه يقدم معلومات تاريخية ومخابراتية لبلينكن، الذي وقف مشدوها أمام كل هذا الإسهال القصصي العجائبي عن دولة يحكمها هذا المتكلم الخارج من قصة عجيبة وغريبة، من ليبيا “المزعزعة” والتي يحكمها “أشخاص تم انتخابهم لا يمثلون إلا أنفسهم فقط” إلى “الدبيبة والشخص الذي تمت تسميته من قبل ما يسمى بالمجلس الوطني، وأي منهم ليس ممثلا”، إلى”تشاد وبوركينا فاسو ومالي والنيجر” ونيجيريا “شديدة الهشاشة وحتى أكثر هشاشة من بوركينا فاسو ومالي” إلى المغرب “الذي لم ينس ولن ينسى أي جزائري أنه هاجمنا عام 1963… بهدف أخذ جزء من أراضينا”، إلى موريتانيا “التي ليست بالقوية”.
لكن أبرز القفزات التي تضمنتها هذه الهلوسات، ويشيب لها الولدان والتاريخ والجغرافيا والمنطق والعقل، هي ما ذكره من أن سبب توتر العلاقات الجزائرية بمحيطها هو كون الجزائر الملائكية، لا وجه شبه بينها وبين بلدان محيطها الإقليمي والجهوي الشيطاني المشتعل والمضطرب، يقول: “نحن محاطون بدول لا تشبهنا كثيراً، باستثناء تونس. لهذا السبب لدينا علاقات وثيقة للغاية مع تونس، لأن لدينا أوجه تشابه في العديد من المجالات. وإلا فإن كل حدودنا مشتعلة”، فيما أكد بالمقابل، وبكل صفاقة ونفاق مفضوح وتملق رخيص وذليل، بشأن العلاقات الجزائرية الأمريكية أن “هناك الكثير من أوجه الشبه والتشابه الهائل بينها، ففي نضالنا التحرّري، لا يفصل بين يوم استقلال دولتينا سوى بضع ساعات، بالنسبة لكم هو الرابع من يوليوز، بينما هو بالنسبة لنا الخامس من الشهر نفسه”.
فهل بعد هذا الشطب لتاريخ المنطقة العريق المشترك وللعلاقات المتجذرة بين شعوبها، وبعد هذا التأكيد على الاختلافات الشديدة والفروقات الأشد بينها، يمكن لهذا المهلوس المهووس ولبلده كذلك أن يتكلما عن القواسم المشتركة بين الشعوب المغاربية أو عن الوحدة المغاربية أو عن الوحدة الأفريقية، أو حتى عن الوحدة العربية والإسلامية. فأمريكا أقرب إليه بحكم تشابه تاريخ الميلاد، من كل هذه الروابط والتواريخ المشتركة مع الجيران… لقد ضرب هذا الموتور الذي لا يتصور ما يقول، في الصميم، شيئا يمكن أن يكون معيار توحد أو تعاون أو تلاق أو تكتل بين الجيران أو الإخوان والأشقاء، ونفى بالتالي أن يكون لديه أو لدى بلاده أي توجه مستقبلي لبناء علاقات سليمة وصحية بين الجزائر ودول جوارها، لغياب أي مشترك، كما ادعى تبون النظام الجزائري.
الخلاصة أن أنتوني بلينكن جاء إلى الجزائر، لجس نبض هذا الرجل المريض المسمى بدولة العصابة، عله يحرك ساكنا في اتجاه المستقبل الآمن والواعد للجميع، فلم يجد إلا بقايا جثة متعفنة تفوح منها روائح كريهة، فقام على الفور بنشر نعي هذا المريض، وأثبت تقريرا عن حالته الصحية ونهايته المأساوية، على موقع وزارته، وسرب بالصوت هذيانه واستعطافاته إلى المستمعين الكرام، في انتظار أن يعجل أهله بمواراته التراب. وإنا لله وإنا إليه راجعون.