سياسةوطني

البرلمان يوصي بمراجعة شاملة للمنظومة الجنائية والتعجيل بإخراج قانون “المحاكمة عن بُعد”

الرباط/ عبد الحق العضيمي

أوصت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب بـ”تأسيس جسور حقيقية للتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية خلال مرحلة وضع التشريع”، مشددة على أن تنزيل استقلالية القضاء يحتاج إلى “تفعيل مقتضيات الفصل الأول من الدستور بشأن تعاون السلطات، ولاسيما في مرحلة صناعة التشريع، وبناء جسور التعاون البناء بينهما دون المساس بالاختصاصات الدستورية لكل منهما”، جاء ذلك في تقرير أًصدرته اللجنة عقب نقاش “مستفيض” لتقرير الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة حول “تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة لسنة 2020”.

وقالت اللجنة ضمن تقريرها، الذي تتوفر “الأمة 24” على نسخة منه، إن “التعاون يسمح لرئاسة النيابة العامة بالمساهمة إلى جانب سلطات الدولة في تنفيذ السياسات العمومية في الجوانب التي ترجع لاختصاصها”. وأضافت أن “الأمن القضائي ودعم الثقة في العدالة لا ينبغي أن تتحمل عبئه السلطة القضائية بصفة مفردة”، مشيرا إلى أن العدالة في مفهومها الواسع “لا تقتصر على السلطة القضائية، وأن للعدالة جذور تمتد إلى السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، اللتين بإمكانهما المساهمة من خلال أجهزتهما في دعم العدالة بصفة عامة”.

اللجنة وبعدما حثت على الحرص على إحالة تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2021 في أقرب الآجال وقبل انصرام سنة 2022، دعت إلى تعزيز التعاون والتنسيق والتشاور بين المؤسسة التشريعية ومؤسسة النيابة العامة فيما يرتبط بـ”وضع وتطوير السياسة الجنائية من جهة، ومن جهة أخرى بين السلطة الحكومية المكلفة بالعدل ورئاسة النيابة العامة، ولاسيما في مجال وضع التشريعات”.

واقترح أعضاء اللجنة النيابية أيضا تعديل المادة 54 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية “حتى تكون النيابة العامة طرفا أساسيا في عملية التنسيق في مجال الإدارة القضائية”.

وشددت اللجنة على ضرورة استكمال ورش إصلاح منظومة العدالة بشكل كامل طبقا لتوصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة ببعده الاستراتيجي الكفيل ببناء دولة الحق والقانون والمؤسسات، مع “تمكين النيابة العامة من الدعم اللازم لتطوير عملها وتحديثه، والرفع من عدد قضاتها، بهدف تحسين أداء النيابات العامة بالمحاكم، وتعزيز دورها في تنفيذ السياسة الجنائية ومعالجة القضايا بالسرعة المطلوبة، خاصة ما يتعلق بالمعتقلين، ومدها بالمعدات اللوجيستيكية الكفيلة بتطوير الأنظمة المعلوماتية لدى مختلف النيابات العامة في إطار تعزيز التحول الرقمي بمختلف محاكم المملكة”.

وطالبت اللجنة كذلك، بـ”توفير وسائل النقل الكافية لأداء النيابات العامة للاختصاصات المنوطة بها قانونا”، والمتمثلة في “زيارة أماكن الحراسة النظرية والسجون ومستشفيات الأمراض العقلية، وغيرها من الأماكن التي تكون النيابة العامة ملزمة بزيارتها ومراقبة أعمالها”.

كما أوصت بتكوين قضاة النيابة العامة حول الأحكام والمبادئ الدستورية الوطنية والمواثيق الدولية لحماية حقوق الإنسان، وتمكينهم من تكوين معمق في مجال الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان وتعزيز معارفهم بالآليات الوطنية المتدخلة في هذا المجال، فضلا عن تأهيلهم إلى جانب أعوان الشرطة القضائية في مختلف الجرائم الحديثة ولاسيما في مجال مكافحة الجريمة الإلكترونية وقضايا الاستثمار، مع توسيع التكوين في مجال حقوق الإنسان بالنسبة للقضاة وخصوصا قضاة النيابة العامة.

التقرير دعا كذلك إلى “تقوية قدرات مؤسسات الضبط والتقنين حتى تقوم بالمهام الموكولة إليها على الوجه المطلوب”، وذلك من أجل توطيد قواعد النزاهة والشفافية والمنافسة الشريفة والمساواة وتكافؤ الفرص أمام القانون، وضمان ترسيخ سيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات.

من جانب آخر، أوصت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بـ”مراجعة شاملة لقانون المسطرة الجنائية”، من خلال تحيينها وملاءمتها مع المستجدات المرتبطة بحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، ولاسيما الفئات الأكثر هشاشة، كالنساء والأطفال، مع ضمان الحماية القانونية اللازمة لهم.

ودعا أعضاء اللجنة كذلك إلى “مراجعة شاملة لمجموعة القانون الجنائي”، وفق ما أسموه بـ”مقاربة تقدمية حداثية”، تستند إلى نسق مفاهيمي عصري يتلاءم مع روح ونص الدستور، وينسجم ومقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، من أجل تعزيز “الحقوق الفردية والجماعية ومحاربة الفساد وتخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة”، عبر ترشيد تنفيذ السياسة الجنائية في اتجاه يجعل الحرية وقرينة البراءة هي الأصل والاعتقال الاحتياطي استثناء.

وطالبوا أيضا بـ”تعديل الإطار القانوني المنظم للاعتقال الاحتياطي وللعقوبات السالبة للحرية، وإقرار بدائل جديدة وسن عقوبات بديلة”، من خلال إدخال تعديلات تشريعية على “قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي”.

برلمانيو اللجنة من الأغلبية والمعارضة، دعوا إلى “تعزيز بدائل الدعوى العمومية المنصوص عليها قانونا وخاصة الصلح الزجري وتبسيط مساطرها لضمان نجاعتها وفعاليتها وتوسيع نطاق تطبيقها خاصة في الجرائم التي لا تنطبق عليها شروط المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية، حيث يتنازل فيها الضحية عن حقوقه كجرائم الضرب والجرح المنصوص عليها في الفصل 401 من القانون الجنائي وجرائم الأموال كالنصب وخيانة الأمانة.

وبعدما أوصت بتضمين تقرير النيابة العامة إحصائيات بخصوص المساطر التي انتهت بالصلح قصد تقييم محطة الصلح ومدى نجاعتها، اقترحت اللجنة “إحداث مسطرة الصلح في جرائم التعمير والغابات والجرائم البيئية”، و”إقرار نظام التفاوض في إطار مسطرة الصلح”.

كما دعت إلى التعجيل بإصدار الإطار القانوني المنظم للمحاكمات عن بُعد، لما لهذه الأخيرة من “تأثير على حقوق وحريات الأفراد خاصة الحق في الدفاع المكرس بمقتضى المواثيق الدولية المصادق عليها من طرف بلادنا”، تقول اللجنة في تقريرها، الذي أوصى أيضا بـ”ترشيد إصدار برقيات البحث وعدم اللجوء إليها إلا في الحالات الضرورية التي تقتضي ذلك لما لها من مس بحقوق وحريات الأفراد خاصة في الحالات التي يكون فيها الفرد لا يعلم بإصدار البرقية في حقه، وحيث لا توجد قرائن قوية بارتكابه للجريمة، أو يكون فعله لا يكتسي خطورة إجرامية كبيرة”.

وحثت اللجنة على تفادي إصدار مذكرات بحث من أجل تحصيل ما وصفته بـ”الغرامات الهزيلة “، في إطار مسطرة الإكراه البدني في الديون، والتي قد يترتب عنها، “تكاليف أكبر من مبلغ الدين نفسه”، بحسب تعبير اللجنة.

من جانب ثان، أوصت اللجنة بتحسين ظروف وشروط نقل السجناء من المؤسسات السجينة إلى مختلف المحاكم، داعية في التقرير ذاته إلى التسريع بإخراج قانون جديد للسجون يواكب التطورات والمستجدات الحقوقية، وكذا التعجيل في إخراج قانون الوسائط الإلكترونية في التقاضي، لما لذلك من أهمية في تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية والمواثيق الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق