الرباط- عبد الحق العضيمي
أعلن عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، عن انطلاق أولى جلسات الحوار الاجتماعي ابتداء من بعد غد الخميس، جاء ذلك في كلمة لها، صباح أمس (الاثنين)، خلال افتتاح أشغال المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية، المنظم من قبل مجلس المستشارين والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
وفي هذا الصدد، قال أخنوش “أدعو كرئيس للحكومة المركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، إلى عقد أول جلسة للحوار الاجتماعي يوم الخميس المقبل، للشروع في التفكير الجدي والمسؤول في كيفية مأسسة الحوار الاجتماعي ليكون عقده ملزما ومنتظما، والاتفاق على ميثاق وطني للحوار الاجتماعي يحدد حقوق وواجبات مختلف الفاعلين ويضع قواعد للهياكل ومؤسسات الحوار وينظم أساليب الاشتغال والتعاون بين مختلف الشركاء الاجتماعيين”.
وأوضح رئيس الحكومة، أنه من المنتظر أن يتضمن جدول أعمال هذا اللقاء “التداول بشأن الأولويات الاجتماعية التي تحظى باهتمام ممثلي الطبقة الشغيلة على مستوى القطاعين الخاص والعام، وكذا ممثلي رجال الأعمال سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد”، معربا عن يقينه بأن “الروح والمرجعية الوطنية الصادقة التي تحكم كل مكونات هذا الحوار، هي التي تجعل من المصلحة العليا لبلدنا فوق كل اعتبار سيما ونحن أمام تحديات متعددة ومتنوعة”.
وأضاف أخنوش، أنه لا سبيل لتجاوز كل التحديات إلا عبر “التعاضد والتعاون لربح رهاناتها وترسيخ السلم الاجتماعي، وبما يكفل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية كأهم مقومات الدولة الاجتماعية، وأيضا عن طريق التكامل كل من موقعه، وعبر الاتحاد لمواجهة الخصم المشترك المتمثل في الوضعية الاجتماعية لمختلف المأجورين والموظفين وكل فئات المجتمع”.
وأكد أن التجارب الحكومية السابقة بينت أن “استكمال أركان الدولة الاجتماعية، لا يمكن أن يتم خارج إرساء قواعد منتظمة ودورية للحوار الاجتماعي، من أجل أن يضطلع بدوره كشكل من أشكال الحوار المبنية على قيمة المقاربة التشاركية كقيمة دستورية، وأن يكون ذا فاعلية في القرارات الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية الهامة”.
وشدد رئيس الحكومة على أن هذه الأخيرة تعتزم خلال هذه الولاية “وضع تصور جديد لمأسسة الحوار الاجتماعي وتوسيعه ليشمل قضايا مستجدة، عبر تعزيز موقع الفاعلين النقابيين الوطنيين في هذا المجال ومدهم بالإمكانات والآليات اللازمة للاشتغال وتعزيز الحق والحرية النقابيين”، وأيضا المساهمة في “انبثاق ميثاق اجتماعي جديد كما دعا إلى ذلك جلالة الملك، بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين يساهم في استقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ويؤدي إلى تحقيق التنمية الاجتماعية دون إلحاق الضرر بأي طرف، ودون المساس بالواجبات والحقوق المضمونة لكل شريك في الحوار”.
وتابع أن “توجه الحكومة هو توجه صادق ومسؤول من أجل تحمل المسؤولية كاملة في جيل جديد من الحوار الاجتماعي بما يضمن التجاوب مع مطالب هذه المكونات، ولكن في نفس الوقت يراعي الوضعية الصعبة التي يمر منها الاقتصاد الوطني جراء مواصلة التداعيات الوخيمة لفيروس (كورونا-19)، وللمقدمات الصعبة التي أملتها الظروف المناخية الراهنة في المجال الفلاحي”.
ووعد رئيس الحكومة الشركاء الاجتماعيين بـ “الدعم المطلوب لحماية الحقوق الأساسية للعامل من خلال ضمان ظروف عمل اللائقة، والحماية الاجتماعية، والمساعدة على تعميق المشاركة الديمقراطية للأطراف المعنية في الحوار، والحس التشاركي في إيجاد الحلول للقضايا الاقتصادية والاجتماعية الهامة، ومساعدة المقاولات الوطنية على تجاوز صعوبات المقاولة الناتجة عن الظروف القاهرة”.
ويرى أخنوش، أن السياق السياسي الذي يعيشه المغرب “يضع الحوار الاجتماعي في وضع مناسب، ليكون أفضل الآليات ولعلها الآلية الوحيدة لمعالجة مختلف القضايا الاجتماعية التي تجابهنا، لاسيما في هذا الظرف الاستثنائي الذي تفرضه تداعيات فيروس كورونا وشح التساقطات، وبلورة الخيارات الاجتماعية التي تتماشى مع الأولويات الوطنية”، ليضيف “لكن، لا يمكن لهذا المسعى أن يتحقق وتعود عائداته الاجتماعية على المغاربة دون أن تكون هناك إرادة جماعية تضع المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار وهياكل فعالة وناجعة ومستدامة لتأطير هذا الحوار الاجتماعي بعيدا عن الصراعات المصطنعة التي أهدرت على المغاربة الكثير من الوقت والجهد كان من الممكن أن تستثمر في المجال التنموي وتعزيز ركائز الدولة الاجتماعية”.
وفيما يخص إصلاح نظام التقاعد، شدد أخنوش على أن “الإصلاحات المطلوبة بشأن منظومة التقاعد، تظل من أهم الملفات التي تقتضي رؤية وطنية موحدة”، موردا أن “الحكومة ستتحلى بالشجاعة السياسية اللازمة، ولن تذخر جهدا لبلوغ رؤية توافقية، مع مختلف الشركاء الاجتماعيين، كفيلة بإيجاد حلول واقعية، جدية ومستدامة للإشكاليات التي تعاني منها مختلف أنظمة التقاعد، والتي من الممكن أن تتطور في أفق الولاية المقبلة إلى وضعية عجز هيكلي دائم”.
وتعهد أخنوش بعدم توريث هذا الملف للحكومة المقبل قائلا: إن “هذه الحكومة لن تقبل على نفسها، مهما بلغت الكلفة السياسية، أن تعمل على توريث هذا الملف مع تعميق أزمته ورفض الحوار البناء بشأنه، كما جرت بذلك العادة خلال كل السنوات الماضية”.
من جانبه، أكد النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين، أن هناك حاجة إلى أطروحات ومقاربات جديدة للتعاطي مع المعضلة الاجتماعية، متسائلا عما إذا كان بإمكان الدولة أن تعلب دورا في معادلة الاقتصادي والاجتماعي، وعما إذا كان الحوار الاجتماعي، سيبقي على خطاطة فيها طلب من جانب، وأجوبة من جانب آخر.
وأشار ميارة إلى أن “الدول تتجه نحو التحلل من “ثقافة المرفق العام”، وتبقي في أسمى تدخلاتها، فقط، على أدوات للتوجيه، كما أن مركزها المشكل لجوهرها، ينقل كل اختصاصاته إلى فاعلين ترابيين جدد مدعوون لملء فراغات غياب الدولة، بثقافة تدبيرية أقرب إلى منطق القطاع الخاص”.
وبخصوص مسار الحوار الاجتماعي، قال ميارة “لقد ظهرت اليوم ملامح حوار اجتماعي جديد، فانتقلنا من موضوع حقوق الشغيلة إلى موضوع ضمان الشغل نفسه، وهذا ما جعل الفاعلين الاقتصاديين ومطالبهم تسمو، في ظل أزمة كورونا وما بعدها، على مطالب الشغيلة”، متسائلا “هل الإشكال أعمق مما تقدم، ويسائل نموذجنا الاقتصادي والاجتماعي المتبنى، خياراته، إكراهاته، والبدائل الممكنة له، وفي قلب ذلك كله أسئلة الدولة، ودورها، مواردها، وعلاقتها بباقي الفاعلين”.
وأضاف رئيس مجلس المستشارين، أن “الحوار الاجتماعي لم يعد محدودا ولا مقتصرا على الوضعية المادي للأجراء، وعلى ظروف عملهم، ولا معنيا فقط بتوفير فضاء لتدبير اختلافات أطراف العلاقات الشغيلة، بل هو جزء من سياسة اقتصادية مندمجة”، مشددا على أن “الحوار الاجتماعي معني بحماية فرص الشغل، ومعني بالتشغيل المنتج، ومعني برهان المقاولة المواطنة، ومعني بسياسة ضريبة فاعلة ومحفزة، ومعني بإصلاح تشريعي وقانوني وتنظيمي يواكب التطورات الجديدة لمتطلبات سوق الشغل”.
واعتبر رئيس مجلس المستشارين أن طرحه للأسئلة لا يعني البتة أن “المعادلة الاجتماعية” ليست انشغالا وطنيا، أو أن طموح إرساء الدولة الاجتماعية ليس رهانا للسياسات العمومية المتبعة، أو أنه ليس أفقا منشودا لها”، موضحا أن الوثيقة الدستورية تضمنت قائمة غنية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وأدخلت إلى ثقافتنا الدستورية غايات وأفكار “العدالة الاجتماعية” ومقومات العيش الكريم، وقيم التضامن، كما جعل الدستور برنامج الدولة الاجتماعية محددا في العديد من فصوله.
كما أبرز المتحدث نفسه، أن الخطابات الملكية السامية، يظهر فيها “الانشغال الاجتماعي” بشكل قار، إلى جانب التوفر على الإطار المؤسساتي للاشتغال، وعلى وجود إرادة سياسية مشتركة متقاسمة،تجعل مقومات الدولة الاجتماعية، أولوية الأولويات.
وتابع ميارة بالقول، إن “الانشغال بالهواجس الاجتماعية، لا يعني تغييبا لأفقها السياسي ومنطلقها الحقوقي، وإن المسألة الاجتماعية تحضر في نقاشاتنا كما سياساتنا، وهي تستحضر تراكمات بلادنا في مجالات الديمقراطية والتحديث، وتطور الحقوق والحريات، كما أن قواعد الحكامة الرشيدة والمسؤولية المقترنة بالمحاسبة تبقى أهم ضوابط لإعمالها”، مؤكدا أن “الحوار الاجتماعي” ليس مجالا لرهانات ربح شرعية سياسوية، أو شعارا للاستهلاك، أو ورقة تُشهر لحسابات ضيقة، بل هو مجال للعمل لاستكمال حلقات المشروع الديمقراطي الحداثي الذي يجعل الإنسان في قلبي التنمية والديمقراطية”.
ويرى المتحدث ذاته، أن مشروع الدولة المنشودة يهدف إلى “البحث عن أفضل السبل لمقاومة التحديات الاجتماعية المطروحة، عبر استدعاء نموذج “الدولة الاجتماعية”، المتحملة لواجب المساعدة والعون للفئات المعوزة، وحماية المواطنين من انزلاقات اقتصاد السوق، والمُرسية “لشبكة التأمين الاجتماعي”، بمداخل التقاعد والشيخوخة والتأمين ضد الحوادث والتعويض عن العطالة”.