سياسةوطني

المغرب يحسم المعركة الدبلوماسية بتقديم مبادرة الحكم الذاتي

مصطفى قسيوي

قال الخبير السياسي، مصطفى الطوسة، إن المغرب حسم بشكل نهائي المعركة الدبلوماسية بشأن الصحراء المغربية لصالحه بتقديمه لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهو المنظور الوحيد الذي تتم مناقشته في استبعاد كلي لفرضية الاستفتاء التي أصبحت مع مرور الوقت متجاوزة وغير قابلة للتطبيق.

وأكد الطوسة، في مقال تحليلي، أنه حتى أعداء الأمس “الشرسون والماكرون” يوافقون على هذا الطرح اليوم، في الوقت الذي لم تعد فيه الشرعية الدولية التي تجسدها الأمم المتحدة تتحدث عن فرضية الاستفتاء، التي أضحت مع مرور الوقت متجاوزة وغير قابلة للتطبيق، متسائلا في الوقت نفسه عن ما الذي ينبغي فعله مع “البوليساريو” وميليشياتها؟ وما العمل مع المحتجزين في مخيمات تندوف بالجزائر؟

واعتبر الخبير السياسي، أن هذه التساؤلات لم يسبق أن كانت ذات أهمية وشرعية أكثر من الآن لسبب وجيه وهو أن ما يسمى عادة بـ “قضية الصحراء” تتجه نحو الطريق المسدود بالنسبة للنظام الجزائري، وأضحت مصدر قلق كبير للمجتمع الدولي”، حيث إنه بالنسبة للجزائر أضحت القضية معقدة وتميل نحو معادلات ذات ثمن سياسي باهظ، فبفعل عزلته الناتجة عن عناده في دعم انفصالي “البوليساريو”، “يتخبط النظام الجزائري في التناقضات إلى حد السخرية، فيما تروج دبلوماسيته من جهة إلى أنه لا علاقة لها بهذا النزاع، ومن جهة أخرى، يوفر جيشه المأوى، والحماية والأسلحة الثقيلة لميليشيات “البوليساريو”.

وأبرز الخبير السياسي، أن النظام الجزائري، يحشد من جهة، ترسانته الدبلوماسية لتسويق الوهم الانفصالي، ومن جهة أخرى يرفض اعتبار نفسه طرفا في هذه الأزمة الإقليمية، والمشاركة في الموائد المستديرة التي تستعد الأمم المتحدة لتنظيمها، قصد إيجاد تسوية سياسية لهذا النزاع المفتعل.

وفي ما يتعلق بالخسائر، يضيف الطوسة، فإن “البوليساريو” أصبحت بمثابة سم قاتل بالنسبة للقدرات الجزائرية. فدعمها يكلف الاقتصاد الجزائري بشكل كبير، حيث كان بوسعه حشد ثروته لمعالجة الجروح الاجتماعية التي يعاني منها المواطنون الجزائريون، الذين لا يرى غالبية شبابهم من أفق سوى العبور المميت للبحر الأبيض المتوسط.

وإلى جانب ذلك، تسبب هذا الإصرار الجزائري على التمسك بجبهة “البوليساريو” في عزلة غير مسبوقة للبلاد، وبسببها أيضا حرم النظام الجزائري من الدخل الذي كان يوفره له خط أنبوب الغاز المتوجه إلى أوروبا، والذي يمر عبر المغرب. ومنذ إغلاقه، لم تخسر الجزائر الأموال التي يحتاجها اقتصادها بشدة فحسب، بل تفقد أيضا ما تبقى من مصداقيتها كدولة، مشيرا إلى أن الدول الأوروبية، الإفريقية أو العربية ستفكر مرتين قبل القيام بأي شيء بنّاء مع “نظام ذي مزاج متقلب”.

وأوضح المتحدث ذاته، أن مثالين يجسدان هذا الوضع، هما القلق الصامت الذي يهيمن على إسبانيا وخلفها الاتحاد الأوروبي في مواجهة التساهل، وحتى اللامسؤولية التي يتم التعامل بها مع هذا النظام بخصوص قضايا خطيرة، من قبيل الغاز، الهجرة، انعدام الأمن، ومحاربة المنظمات الإرهابية.

وأضاف كاتب المقال التحليلي، أن المثال الثاني يتمثل في عدم قدرة الجزائر على تنظيم قمة عربية بسبب المواقف المتناقضة، والرغبة في الإبحار ضد التيار، وزرع الفتنة والفوضى والانقسامات، في الوقت الذي تحتاج فيه جميع هذه الدول العربية إلى التعاون والتضامن أكثر من أي شيء آخر، متسائلا حول ما إذا كان الأمر يتعلق بمسألة وقت.

وفي هذا الصدد، أكد الخبير السياسي، على أن الوقت ينفذ والجزائر ملزمة بالانضمام إلى المجتمع الدولي في دعمها لحل الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب، مسجلا أنه إذا فعلت ذلك، فلن يكون هناك خطر لقيام ثورة شعبية لمعارضة هذه الخطوة، فقضية “البوليساريو” لم تسبق أن كانت قط شأنا يخص الشعب الجزائري، بل ملفا يشكل خط ائتمان بالنسبة للجيش الجزائري، ورقة للضغط وزعزعة الاستقرار، مضيفا أنه إذا تم اتخاذ هذا المنعطف، فإن “الجزائر ستكون متحررة بعد الاستياء داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية”.

وتبعا لذلك، سجل الخبير السياسي أن النظام الجزائري بدأ يشعر، علاوة على ذلك، بثقل الضغط الدولي مع بدء سلسلة من المحاكمات الدولية للمسؤولين الجزائريين المتورطين في جرائم خلال العشرية السوداء، كما يتجسد من خلال محاكمة الجنرال خالد نزار في سويسرا.

وبالموازاة مع ذلك، يؤكد مصطفى الطوسة، أن الدبلوماسية المغربية تواصل حصد النجاحات، التي ينبغي لها التعامل مع تحديين مستقبليين باهتمام خاص؛ الأول هو الانخراط في عملية سياسية ودبلوماسية نهائية تتمثل في طرد “الجمهورية الصحراوية” الوهمية من هيئات الاتحاد الإفريقي، حيث أظهرت القمة الأخيرة في أديس أبابا أن عملية من هذا القبيل أضحت في متناول اليد وأن الدول الإفريقية مستعدة لاتخاذ هذه الخطوة، فيما يتمثل الملف الثاني في حشد الاهتمام الدولي بشأن خطورة ميليشيات “البوليساريو” المسلحة، وإظهار التواطؤ الذي يربطها بالمنظمات الإرهابية الأخرى في منطقة الساحل والصحراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق