قضايا وآراء

سؤال دي ميستورا.. من يكون هؤلاء؟

بقلم: الأستاذ عبد الله الفردوس

لعل أول سؤال تبادر إلى ذهن السيد ستيفان دي ميستورا المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، في جولته الأولى إلى المنطقة لتنفيذ القرار الأممي القاضي باستئناف الموائد المستديرة لمفاوضات الحل السياسي السلمي الواقعي والجاد والنهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، هو من يكون هؤلاء الذين استقبلوه في مطار ولاية تيندوف المحسوبة على السيادة الجزائرية، فكل الذين التفوا حوله وهو يهبط من طائرته الخاصة ويقودونه إلى ما يسمى مخيمات اللاجئين، وكل الذين التقى بهم من حملة السلاح والمجندين وأصحاب البدلات العسكرية الذين طافوا به في معارض الأسلحة والدبابات والقاذفات ومؤسسات عسكرية ومدنية، يشعرونه أنه في بلد آخر وفي دولة أخرى غير الجزائر، فهذه ولاية العيون وهذه ولاية السمارة وهذه ولاية…، وهذا مقر الرئاسة وذاك مقر الوزارة وهذا وزير الحربية وذاك وزير الأراضي المحررة، وحتى إذاعة وتلفزة هؤلاء، تقول إن دي ميستورا يحل ببلدهم وبدولتهم؟ وعهد السيد دي ميستورا في تجاربه الدولية الديبلوماسية وزياراته لمخيمات اللاجئين في العالم، أنه يحل بالدولة المضيفة للاجئين، فيستقبله مسؤولو الدولة قبل أن ينقلوه إلى المخيمات التي تأوي اللاجئين، وتشرف عليها هيئات وطنية ودولية ومنظمات إغاثة وصليب أحمر ومقرات لبعثات طبية وإسعافية، أما أن يستقبله داخل أراضي الدولة المضيفة وفي مدينتها ومطارها جماعات من المسلحين برموز دولة وعلم ومؤسسات ودبابات وقذائف وأسلحة وجنود، أي تستقبله دولة وهمية داخل سيادة دولة أخرى قائمة، فهذا مما لم يشهده إلا في الجزائر العجيبة.

كان بالإمكان أن تستقبل العصابة المتحكمة في رقاب محتجزي مخيمات تيندوف، السيد دي ميستورا في الأراضي التي تسميها محررة، وجعلت لها وزارة خاصة، وسوقت لها في العالم على أنها قطعة أرضية من “دولة الصحراء الغربية ” المسترجعة والمستقلة، فأين هذه الأراضي المحررة؟ وأين منشآتها التي ينبغي نقل أنشطة دولة الوهم إليها، وإخراجها إلى العالم واستقبال الوفود فيها، وعرضها كرمز ترابي للسيادة على جزء من الصحراء؟ لاشيء من ذلك وقف عليه السيد دي ميستورا، رغم سماع العالم بأسره لبروباغاندا “الأراضي المحررة” وحديثه عن الأراضي الصحراوية التي تسيطر عليها جبهة الوهم. لا أراضي محررة ولا دولة ولا سيادة ولا هم يحزنون، وكل ما في الأمر أن هذه الميليشيات المتحكمة في رقاب اللاجئين تحتل أرض تيندوف فوق تراب تحت السيادة الجزائرية، وبتفويض من العصابة الحاكمة في الجزائر لتتصرف فيه خارج كل الأعراف والقوانين الديبلوماسية، وبعيدا عن أي رقابة جزائرية أو دولية، فهناك تحاك المؤامرات وتتلقى المساعدات وتوزع الأسلحة والدبابات وتجرى التدريبات العسكرية وتطلق القذائف والصواريخ وتبنى المعتقلات والمسالخ وتنصب المحاكم والمشانق وتهدد دول الجوار بالحرب وتصدر البلاغات العسكرية بالقصف والتدمير، وإعلانات الهجوم المسلح، في سابقة لم يعرف لها تاريخ اللجوء ومخيمات اللاجئين مثيلا.

مشهد السيد دي ميستورا وهو يزور مخازن الأسلحة ومعارض الدبابات لدولة وهمية داخل دولة قائمة تعمدت الغياب والاختفاء، وبحجة غبية هي أنها بعيدة عن صراع الصحراء وليست طرفا فيه، لا يمكن أن تمر مرور الكرام على كل متتبع للوضع في المنطقة، من غير سؤال: من هؤلاء المتنكرين في أزياء الدولة والعسكر والمؤسسات؟ وماذا يريدون؟ وماذا يفعلون هنا، وفي أرض ضيافة لا سيادة؟ ومن غير سؤال أيضا من المفروض أن يطرحه المبعوث الأممي قبل غيره، وهو أنه جاء إلى المنطقة بأجندة أممية محددة ودقيقة هو استعراض فرص الحل السياسي التفاوضي، وجس نبض أطراف النزاع للجلوس إلى طاولة المفاوضات، والدفع بمسلسل العمليات السلمية التي يرعاه المنتظم الأممي، وليس استعراض الأسلحة والجنود بمن فيهم الأطفال المجندون، واستعراض الرتب العسكرية والحكومية ورموز السيادة السياسية والترابية الوهمية على مخيمات الذل والعار، التي يعلم الجميع أنها تقع في ولاية محسوبة على السيادة الجزائرية.

ألم يكن بإمكان المغرب في استقباله للسيد دي ميستورا فوق ترابه الوطني أن ينقله إلى حيث الثكنات والمعسكرات والمدافع والطائرات الحربية، وإلى حيث المشاريع التنموية في الصحراء المغربية وإلى حيث الصحراويون الأحرار يبنون دولتهم وينمون منطقتهم وينعمون بخيرات بلادهم وأمنها واستقرارها، ويتمتعون بحرياتهم وحقوقهم. هذا أيسر وأبسط ما يمكن استعراضه، لولا أن مهمة السيد دي ميستورا لا شأن لها بكل هذا الموضوع ولا بالمهرجانات الخطابية، لأنها محددة في الزمان والمكان، ومدققة المحاور ووفق التوصيات الأممية التي التزم بها المغرب وعبر بشأنها للمنتظم الأممي وللسيد دي ميستورا عن مواقفه الإيجابية منها وعن استعداده للانخراط التام في عملياتها، وهو الذي جاء السيد دي ميستورا إليه لسماعه ولجمع أطراف النزاع حول سبل تحريك مسلسله. فلم اختارت الجزائر الهروب وسلمت سيادتها للعصابة الانفصالية ولميليشياتها في تيندوف، لتورطها في شر مما فرت منه وهو أن النزاع حول الصحراء يدور بين المغرب والجزائر ويجري بالضبط في ولاية تيندوف التي زارها السيد دي ميستورا على أنها منطقة مخيمات وأرض ضيافة، فإذا به يشهدها دولة داخل الدولة، الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.

استقبال السيد دي ميستورا في ولاية تيندوف بأزياء الحرب والعسكر، وباستعراض للدبابات والراجمات والأسلحة، وبمراسيم دولة داخل الدولة، وبأبواق إعلامية لميليشيات البوليزاريو تقول إن دي ميستورا يحل ببلادهم؟؟؟ تطرح أكثر من علامات استفهام حول صمت الشعب الجزائري خاصة عن هذه المهزلة المشهودة، التي تمس بسيادة دولتهم، وتعلن للعالم أن ولاية تيندوف أكبر من مجرد حاضنة لمخيمات إنسانية للاجئين وهاربين ينتظرون تقرير مصيرهم والعودة إلى ديارهم، بل هي إما أرض محتلة ( بدليل مزاعم تلفزيون وإذاعة الميليشيات بأن دي ميستورا يزور بلادهم، وبدليل استقباله في مطارها من قبل أجهزة وقيادات تابعة لهذه الميليشيات، وبدليل الاستعراضات العسكرية والمؤسساتية التي تستنسخ بالحرف صورة دولة وإن كانت في الوهم…) أو منطقة محررة ( بدليل استمرار الحديث عن زيارة دي ميستورا لجمهورية الوهم القائمة على الأراضي المحررة، بدل الجمهورية الجزائرية أو مخيمات اللاجئين..) ، أو أرض متنازع عليها، ستنتظرها بدورها إن عاجلا أو آجلا، قرارات أممية لحل أزمتها وتقرير مصيرها.

لا شك أن السيد دي ميستورا قد استخلص لنفسه من هذه الزيارة للمخيمات أو لدولة داخل الدولة، خلاصات مرعبة، سيحاول ما أمكن تفادي طرحها لتلافي تأثيرها السلبي في مهمته الحيادية والسلمية من أجل تقريب وجهات النظر والنجاح في جمع أطراف النزاع على مائدة مستديرة، وهي الخلاصات المعروفة لنا، والتي هي مرتكز الحل الحتمي والنهائي إذا تعذر التوصل إلى حل سياسي تفاوضي، وهو أن النزاع المفتعل والوهمي الذي تلعب فيه الجزائر دورا محوريا ومركزيا باستعمالها الأراضي التي تحت حكمها وتصرفها لاستقطاب العصابات والميليشيات الإرهابية وتجنيدها، لدعم أطروحتها العدوانية على المغرب تحت أي مسمى كان، وبأي ثمن، ولو كان الثمن انهيار الدولة الجزائرية نفسها وسقوطها ضحية صنيعها البئيس الذي جلبته إلى ديارها وإلى المنطقة، “استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق