تقرير يرسم صورة قاتمة عن جودة التعليم بالمغرب ويبسط وصفة الإصلاح
عبد الحق العضيمي
خلص تقرير حديث حول “جودة التربية والتكوين في المغرب”، إلى أن “النظام التعليمي المغربي يحتوي على مردودية داخلية وخارجية منخفضة للغاية، مما يجعله مثل مصنع أشباح كبير يضيع الكثير من المال في إنتاج الخردة، وإعادة المنتجات غير الصالحة إلى دورة الإنتاج دون أن تصبح بالضرورة مطابقة لمواصفات المناهج الدراسية”.
وأكد التقرير الصادر عن الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم- أماكن، والذي تتوفر ” الأمة 24″ على نسخة منه، أنه “بدلا من إعادة النظر في مجانية التعليم، أو الترويج للتعليم الخاص على حساب التعليم العمومي بحجة عدم وجود مصادر للتمويل، سيكون من الحكمة العمل على تحويل تكاليف عدم الجودة، التي تفوق أكثر من 20 مليار درهم سنويا، إلى مصدر لتمويل التعليم العمومي”.
وحسب التقرير، فإن الموارد البشرية تبقى “نقطة الضعف الأساسية لمنظومة التربية والتكوين في المغرب”، منبها إلى أن العديد من الإصلاحات فشلت إما لـ”عدم انخراط الطاقات البشرية أو لعدم تأهيلها”.
وتابع التقرير، أنه “حتى المدرس، المعروف في المجتمع المغربي بنزاهته، بدأ في إعطاء أمثلة سيئة في هذا الصدد، حيث أصبحت الآن ظاهرة الدعم التربوي المدفوع الأجر حقيقة مرة تعاني منها الأسرة المغربية، وأحيانا يفرضها بعض المدرسين تحت طائلة العقوبات المفروضة على التلامذة الذين يجرؤون على الرفض”.
ويرى التقرير، أن النظام التعليمي المغربي يدبر بشكل سيء لسببين رئيسيين على الأقل، السبب الأول هو أن وزارة التربية الوطنية “لا تتوفر على رؤية واضحة ومشتركة بشأن السياسة التعليمية التي يجب اعتمادها على المدى الطويل، على الرغم من وجود الرؤية الإستراتيجية 2015-2030، والتي حددت الخطوط الرئيسية لهذه السياسة”، في حين يرجع السبب الثاني، حسب التقرير، إلى فشل الوزارة في تنفيذ مبادئ الحكامة الجيدة التي تدعي تبنيها”.
وزاد التقرير منتقدا، أن “الوزارة لم تتمكن من التدبير الفعال لمرحلة حاسمة من الإصلاح التربوي، وهي تصميم المنهاج الدراسي الموحد المبني على إطار مرجعي وطني واضح”، حيث يعود تطوير البرامج الدراسية بشكل شامل إلى أكثر من عشرين سنة، وتتم مراجعتها بين الحين والآخر وفق أجندات ظرفية، دون إتباع نهج مشترك تعتمده اللجان المشاركة في المراجعة.
ولفت التقرير إلى أنه على الرغم من إنشاء اللجنة الدائمة للبرنامج استنادا إلى الميثاق، فإنها لم تشتغل منذ سنة 2008 لـ”تستفرد الوزارة بمراجعة البرامج الدراسية التي همت السلك الابتدائي أو مواد معينة مثل التربية الإسلامية”.
كما اعتبر التقرير، أن مستوى التحميل الدراسي للتلامذة سيظل “متدنيا حتى يتم حل مشكلة اللغة”، موردا أنه “طيلة أكثر من عشرين عاما من سياسة التعريب التي توقفت عند بوابة التعليم العالي لتترك الطلاب لمصيرهم، لم يجرؤ أحد على اتخاذ قرار جريء يحل مسألة لغة التدريس، في حين اقترحت الرؤية الإستراتيجية لعام 2015 -2030 حلا يتماشى مع العمل البحثي من خلال جعل إحدى اللغات الرسمية، اللغة العربية تحديدا، لغة تدريس جميع المواد، مع إمكانية تدريس بعض المضامين في بعض المواد بلغة أجنبية”.
من جانب آخر، يرى التقرير أن النظام التعليمي المغربي “لا يخضع إلى الضبط بسبب نقص صارخ في سياسة التقييم، يشمل جميع مكونات النظام، ويهدف إلى مقارنة النتائج المحققة والممارسات المستخدمة وفق إطار عمل مكون من معايير واضحة ومؤشرات قابلة للقياس”.
وتابع التقرير أن “نظام للتقييم فعال، يركز على نتائج التعلم، كان من الممكن أن يجنب المنظومة التربوية العديد من النكسات، من خلال تحديد الاختلالات الحقيقية، واتخاذ القرارات القائمة على حقائق ووقائع، وليس على الانطباعات والتخمينات. لكن، ليس لدينا نظام معلومات قادر على توفير البيانات اللازمة لتدبير المنظومة التربوية المغربية، وعندما يتوفر فلا يتم استثماره كما ينبغي إما لنقص في الإمداد بالمعطيات الصحيحة أو لتقاعس على مستوى معالجتها”.
التقرير دعا أيضا إلى مراجعة سياسة تكوين المدرسين، وقال إنه “حان الوقت لوضع السياسة الحقيقية للتكوين المستمر بناء على مبادئ المواصفات الدقيقة، وتقييم التأثير على الممارسات البيداغوجية وعلى المسار المهني للمدرسين”.
وبخصوص جودة التعلمات، قال التقرير، إن “جودة التعلم هي شاهد لا جدال فيه على نجاح أو فشل الإصلاح التعليمي ومع ذلك، يبدو أن الإصلاح السابق لم يلج باب الفصل الدراسي”، مضيفا أن طرائق التدريس “ظلت دون تغيير على الرغم من التغيير المعلن في الفلسفة التعليمية المعتمدة رسميا، والموارد التعليمية غائبة تقريبا أو غير لائقة، والكتاب المدرسي تغير مظهره دون أن يتغير في عمقه البيداغوجي”، ليردف أن طرائق التدريس “لا تزال تعتمد على المحاضرة حتى في تعليم العلوم والتكنولوجيا، على حساب الطرائق النشطة المبنية على التجريب وإشراك المتعلمين”.
وفي علاقة بالتعليم العالي، أفاد التقرير بأنه “يعاني من اختلالات على مستوى الحكامة ومضامين التكوين والتأهيل البيداغوجي للمدرسين”، منبها إلى أخطر ما يشكو منه هذا القطاع “هو وقوعه ضحية ضعف جودة التعليم المدرسي، فهو مضطر للتعامل مع مدخلات لا تستجيب في معظمها إلى متطلبات ولوج التعليم العالي، مما حتم عليه اللجوء إلى حل التصنيف الطبقي الذي بمقتضاه يتم توجيه من يتصف ببعض مواصفات الجودة إلى المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، وتوجيه من تنتفي فيه هذه المواصفات إلى المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، مع ما يستتبع ذلك من وضع تمييزي بين الصنفين في الإمكانات المادية والبشرية المرصودة للتكوين.
وعلى مستوى البحث العلمي، أكد التقرير على أن هذا المجال “يحتاج إلى الكثير من التطوير كما وكيفا من خلال الرفع من عدد المنشورات العلمية في المجلات المصنفة من جهة، وربط الجامعة بالتنمية في جميع المجالات من جهة أخرى”.
ولتجاوز الصعوبات التي تواجه النظام التعليمي المغربي، أوصى بتطوير وتنفيذ الإصلاحات بطريقة متضافرة، وذلك بإشراك جميع الأطراف المعنية في تطوير استراتيجية الوزارة الوصية على القطاع، والتنسيق مع مختلف الشركاء لبلورة السياسات العمومية التربوية والخطط الاستراتيجية الناتجة عنها.
كما دعا إلى إتقان صيرورة تحويل الاستراتيجيات إلى إجراءات فعالة، منبها إلى أن الإصلاحات غالبا ما تفشل “ليس لعدم وجود رؤية استراتيجية، ولكن بسبب عدم وجود المهارات الكافية لتحقيق الاتساق التام بين التصور والتطبيق”.
وحث التقرير أيضا على تطوير الخطة الاستراتيجية كلما أمكن ذلك من حيث النتائج الواجب تحقيقها بالنسبة لكل هدف، والإجراءات التي يتعين اتخاذها لتحقيق كل نتيجة والموارد الواجب توفيرها لإكمال كل إجراء، وكذلك الوقت المخصص لكل إجراء، مع تجميع كل الإجراءات التي يتعين القيام بها في شكل مشاريع ملموسة وموحدة، مما يسمح بتوزيع موارد وظيفية ومنصفة.
وأكد التقرير كذلك على العمل على حماية الذاكرة المؤسسية ونهج الابتكار من أجل التقدم، مع إنشاء نظام للمعيرة يصف المنهجية المستخدمة لمعيرة السياسات والممارسات والأداء.